"محمد رسول الله" واقع وإبداع

السبت ٠٧ نوفمبر ٢٠١٥ - ١١:٢٤ بتوقيت غرينتش

يضع فيلم "محمد رسول الله" للمخرج الإيراني مجيد مجيدي صناعة السينما في العالم الإسلامي أمام مرحلة جديدة من الإنتاج الإبداعي والمحترف، كما يخلق في الوقت نفسه تحديا أمام السينما العالمية المتخصصة بالموضوعات التاريخية والدينية، حيث قيض لهذا الفيلم، بوصفه مرحلة متقدمة في مسار تدريجي، أن يشكل قفزة في عالم السينما الإيرانية لناحية تحويل تاريخ الأديان وسير الأنبياء إلى وقائع مشهودة بالإحساس والصوت والصورة.

الفيلم الذي جرى عرضه مؤخراً في بيروت لمرة واحدة بدعوة من جمعية "رسالات"، وبحضور المخرج وحشد من الشخصيات والمهتمين، فاق المتوقع في ضخامة الإنتاج، وبالتالي في قدرة الشاشة على خلق تواصل تفاعلي ينقل المشاهد من خانة المتابع للمشهد إلى خانة الشاهد على الأحداث. على أن إبداعية العمل تتخطى المعطى المادي الذي بلغ أربعين مليون دولار، كما تتجاوز عنصر المتسع الزمني الذي امتد إلى أكثر من سبع سنوات، بل ترتبط بكاريزما ماورائية ناجمة عن رؤية عشق كامنة خلف العمل. فالسيرة النبوية في "محمد رسول الله" متجسدة من خلال مقاربة التجربة بروحها ومادتها، بنحو يتخطى حدود السرد والوصف التاريخي.

يتناول الفيلم سيرة النبي محمد منذ ولادته حتى سن الثالثة عشرة. وهو بذلك يهدف إلى تصوير رؤية رحمانية للرسالة الإسلامية مستمدة من النزعة الإنسانية، مقابل محاولات راهنة تهدف إلى تشويه صورة الاسلام وتقديمه كدين عنف، سواء في الحالة الترويجية التي تسود الغرب، او في الحالة التشويهية التي تمارسها "داعش" يدل على ذلك محاولة الفيلم تسليط الضوء على إنسانية النبي، بما هو فتى مشبع بتعاليم الفطرة وقبل أن يبعث نبيا محملا بالوحي من السماء. فيذهب إلى محاربة العنف والرق ووأد البنات، لتصبح رسالته النبوية لاحقا تتويجاً لنزعته الإنسانية العابرة للأديان والتي تشكل أصلا ينبثق عنه إسلام مقبول من الجميع.

بالإضافة إلى البعد الإنساني، ثمة ما يتضمنه الفيلم من رسالة وحدوية بين الأديان ببعدها الإبراهيمي. يظهر ذلك في محورية دور عبد المطلب جد النبي بوصفه حنفيا على ملة إبراهيم أبي الأديان التوحيدية. التشابه في مفاصل السيرة المحمدية مع كليات سيرتَي موسى وعيسى، ينطوي على دلالة رمزية بوحدة الهدف داخل الدائرة الأديانية الواسعة.

لعل فرادة الفيلم نابعة من الجرأة على تجسيد شخص النبي محمد لأول مرة، برغم ما صاحب ذلك من منع لظهور الوجه. هذا التجسيد المصحوب أحياناً بـ "صوت النبي" أسهم في تقديم السيرة النبوية في إطار واقعي أشد تأثيراً، من دون الإخلال بالبعد الغيبي للنبوة. ظهور "شخص" النبي ولو محتجبا على الشاشة، ضمن مشهدية مصحوبة بالعناصر الفنية والمؤثرات كافة، يتيح للمشاهد الانتقال من المشاهدة إلى المعاينة، ويفسح في المجال أمام معايشة التاريخ النبوي وتحويل السيرة الى تجربة حية.

اعتراض الأزهر على الفيلم، إلى جانب اعتراض الإفتاء السعودي، ساهما في الإقبال على مشاهدته وشكَّلا قيمة إضافية له. الدعوة إلى مقاطعة الفيلم لم تكن بعيدة عن التسييس، فضلا عن كونها تعكس رؤية فقهية تحجرية إلى الفن، مقابل رؤية مرنة تعمل على إخراج التجربة النبوية من ظرفها التاريخي ووضعها في أفق مفتوح على كل زمان ومكان.

* حبيب فياض/ جريدة السفير