التدخلات السعودية ,التاسيس على الفشل

التدخلات السعودية ,التاسيس على الفشل
السبت ٠٢ يناير ٢٠١٦ - ١١:٢٣ بتوقيت غرينتش

ما ان اعلنت السعودية عن تحالفها الجديد حتى انطلقت موجة من الكتابات والتحليلات والمواقف السياسية الرسمية وشبه الرسمية فضلا عن موجة انتفادات واسعة للتحالف اولا وللمشاركين به وثالثا لطريقة تشكيله التي يبدو انها جائت اسرع من المتوقع والمعقول .

ومن السؤال المهم والاول عن  التحالف المؤلف من 34 دولة ما هو هذا التحالف؟ الى الهدف منه؟ ومن هو المستهدف به ؟لابد من الوقوف قليلا عند بعض مواقف شخصيات ودول مهمة في التحالف.

عندما أعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن المجموعة الجديدة في مؤتمر صحفي مفاجئ في منتصف الليل استخدم عبارة "التحالف الإسلامي العسكري" وهو وصف أثار فيما يبدو دهشة لدى بعض الحكومات المشاركة فيه.
من اندونيسيا اكثر الدول الاسلامية من حيث عدد السكان:-

قال أرماناثا ناصر المتحدث باسم وزارة الخارجية في إندونيسيا إن وزير الخارجية السعودي اتصل بجاكرتا مرتين خلال الأيام القليلة الماضية يسألها الانضمام إلى "مركز للتنسيق في مواجهة التطرف والإرهاب.

وأضاف "ما أعلنته السعودية هو تحالف عسكري... لذا فمن المهم أن تطلع إندونيسيا على التفاصيل أولا قبل أن تقرر ما إن كانت ستسانده.
لم تكن جاكرتا قد اتخذت قرارا بعد بشأن الانضمام للمجموعة
ولم تكن إندونيسيا تعلم أنه سيكون تحالفا عسكريا. وهذا تجمع لا تريد الانضمام إليه.
وقال برلماني رفيع إنه لم يعلم بالأمر إلا من مراسل لرويترز.

ثم خرج وزير الأمن لاهوت باندجايتان في وقت لاحق ليقول "لا نريد أن ننضم لتحالف عسكري.
وبدا أن لدى المسؤولين في عدد من الدول الأربع والثلاثين التي قالت الرياض إنها وقعت على الانضمام للتحالف، مفاهيم مختلفة عما تستتبعه المشاركة في التحالف فعليا، في حين قال البعض إن بلدانهم لم تبلغ بالأمر رسميا.

اندونيسيا ليست لوحدها لاتدري, و قالت سهار كمران العضو بلجنة الدفاع التابعة لمجلس الشيوخ الباكستاني والتي عاشت بالسعودية سنوات طويلة، إن هذه أول مرة تسمع فيها بهذا التحالف وقالت "لم أسمع بالخبر بعد". وسئلت إن كان هذا نوقش في مجلس الشيوخ أو الجمعية الوطنية فأجابت "لا ليس بعد.".
ونقلت صحيفة (دون) اليومية عن وكيل وزارة الخارجية إعزاز تشودري قوله إنه فوجئ بخبر مشاركة إسلام اباد منشورا وإنه يسعى لتفاصيل من الرياض.

لمعرفة ما يجري لابد من وقفة تستعيد تاريخ الفشل السعودي في تدخلاتها العسكرية للوقوف امام هذا التحالف الاخير والذي يبدو مشوشا حتى لدى قواه الرئيسة وبلدانه الكبيرة.
جردة حساب بسيطة تعيدنا للتدخلات السعودية في العقود الماضية لابد ان توقفنا عند التدخلات السعودية في اليمن..
لقد دعمت السعودية انقلاب بدر وعدد من شيوخ القبائل على ففي صيف عام 1959، سافر الإمام أحمد إلى روما للعلاج من التهاب المفاصل الرثياني. فاعتقد البدر أنها نهاية أبوه.

فقام بإنشاء مجلس نيابي برئاسة أحد أبناء الشعب وهو القاضي أحمد الصياغي. كما قام بإلقاء خطاب ناري ضد الإمام في احتفال للجيش اليمني الوليد. فثار الهاشميون ضد البدر مما دفعه للاستعانة بالقبائل لإخماد ثورتهم. فرجع الإمام أحمد إلى اليمن وقام بإلغاء كل ما قام به البدر من إصلاحات. كما أمر باسترجاع الأموال والسلاح التي أعطاها البدر للقبائل التي أيدته في الإصلاحات. وهرب شيوخ القبائل إلى السعودية ولكن الملك سعود بن عبد العزيز ضمنهم عند الإمام أحمد. ولما عادوا، أعطاهم الإمام لابنه البدر فقام بذبحهم ترضية لأبيه. وكانت هذه الحادثة دليلاً للذين عقدوا الآمال على السعودية وتدخلاتها لاقوا مصير الشؤم.

لقد دعمت السعودية حكم الامام احمد في مواجهة الثورة اليمنية التي كان يدعمها التيار القومي العربي بزعامة جمال عبد الناصر,وكان معروفا عن احمد ان حكمه كان يأن منه اليمنيون بسبب القمع الشديد للمعارضين والتخلف الذي كانت تعيشه اليمن,فكانت السعودية تدعم الخاسر الذي انتهى به بالهزيمة والهروب للسعودية بعد انتصار الثورة اليمنية 1962.  ولم تترك السعودية اليمنيين بحالهم فقد ابقت على الخلاف بين اليمن الجنوبي والشمالي وكانت تدعم ذوي النزعة الانفصالية وتحارب الشخصيات الوحدوية التي كانت تصر على وحدة اليمن فاغتيل إبراهيم الحمدي ليلة 11 أكتوبر 1977 قبل يومين من موعد زيارته إلى عدن التي كانت ستكون الأولى من نوعها لرئيس من اليمن الشمالي.

ويعزى اغتياله إلى الصراع مع القوى القبلية التي أقصاها عن السلطة وإلى معارضة هذه القوى وحلفائها الإقليميين لخطواته المتسارعة تجاه الوحدة مع الجنوب. يُعتقد بشكل واسع أن السعودية دبرت عملية الاغتيال بعد فترة شد وجذب طويلة بين الحمدي وعبد الله بن حسين الأحمر*مؤسس حزب التجمع اليمني للإصلاح. ولم تُجرى أي تحقيقات للكشف عن الفاعلين ودُفن إبراهيم في مقبرة الشهداء بالعاصمة اليمنية صنعاء.

ولكن الزمن لم يمهل الغشمي المدعوم سعوديا اذ قتل هو الاخر في انفجار حقيبة مفخخة جائته بيد مبعوث من اليمن الجنوبي ,قيل انه اختطف وحمل الحقيبة شخص اخر غيره.
الغريب ان الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح كشف عن تهديد سعودي له بكشف ملفات اغتيال الرؤساء اليمنيين ابراهيم الحمدي والغشمي اذا لم يوقف تعاونه مع الحوثيين.
وفي ذلك مفارقة اخرى فصالح هو احد الرؤساء الذين دعمتهم السعودية طيلة رئاسته للضغط على الحوثيين ومهاجمتهم وقصف مناطقهم , ثم بدات بالتامر عليه لاجباره على التنازل, ورتبت عملية اغتيال خرج منها سالما بصعوبة , والان تخوض حرب ضد قواته المتحالفة مع انصار الله في اليمن وعدد من القوى الوطنية.

التدخل المتناقض مع صالح لايختلف كثيرا عن التدخل السعودي في العراق فالسعوديون حرضوا صدام التكريتي على حرب الجمهورية الاسلامية بعد انتصار الامام الخميني وتاسيس الجمهورية الاسلامية, ودعموه بالمال والسلاح ولما انتهت الحرب لم يتنازلوا عن مطالباتهم بالتعويض عما اعطوه ,ما دفعه لمهاجمة الكويت واحتلالها  فتحالفت السعودية مع اميركا وعدد من الدول العربية لاخراج صدام من الكويت ومن ثم اسقاط نظامه,ولكنها الان تحرض  وتدعم قيادات بعثية وتتعاون معهم على اسقاط النظام الجديد من بينهم رغدة ابنة صدام حسين وعدد من اقاربه وانصاره مثل خميس الخنجر وصلاح عمر العلي ومحمد دبدب وغيرهم.

ان التدخل  السعودي في لبنان لا يختلف في معطياته ولا في تناقضاته عن هذه السياسة التي تستبطن الفشل وتسير معه غير ابهة بكل التضحيات التي تدفعها شعوب المنطقة من ثرواتها ودماء ابنائها,لان السعوديون يتدخلون بمالهم الذي لايعرفون كيف ينفقونه ودماء الابرياء التي لا تعنيهم شيئا.

ولعل تحالفها مع الحريري ومن ثم التواطؤ مع اسرائيل على اغتياله واتهام سوريا بقتله للضغط عليها واخراج قواتها من لبنان الامثال على هذه الطريقة البائسة في دعم العملاء والتخلص منهم بعد ذلك.

وفي سوريا دعمت السعودية الارهابيين وشاربي الدماء وقاطعي الرؤوس بسياسة جلبت العار للدول الداعمة للارهابيين, وقد وصلت الدول الغربية الى جدار مسدود بمساعيها لاسقاط بشار الاسد وهم من اصدقاء السعودية تاريخيا ولكن السعودية لازالت تصر على الفشل, وابقاء هذه السياسة الفاشلة, رغم اعتراف الجميع بان الحل بغيرها.

هل نستغرب ان تقدم السعودية تحالفها الاسلامي الجديد على اعتاب فشل تحالفها العربي الذي دمرت فيه اليمن وقتلت فيه اليمنيين؟ او دعمها للبعثيين في العراق ؟, او ليكتشف العالم بعد حين ان السعوديين يضعون اسماء دول بتحالف عسكري سمعوا به من الاعلام؟

لا يمكن لمحلل حصيف ان يرى في السياسة السعودية وهي تملك اكبر ميزانية في الدول العربية,اي دليل على العلمية والمهنية والحرفي, في التعاطي مع السياسة الدولية والاقليمية ,ودول الجوار ,ولعل مناكفتها وخصومتها الدائمة مع الجمهورية الاسلامية مثال واضح  على خطأ تقدير المصالح الوطنية والتفريط بها لمصلحة الصهاينة او الدول الغربية,حتى اذا رات الدول الغربية واميركا تسلم وتعترف بحقوق ايران وبرنامجها السلمي للطاقة النووية تنفعل وتضع نفسها في مواجهة اتفاق دولي اجمع القاصي والداني على انه يخفف التوتر في المنطقة.

من السهل على السعودية تأسيس مركز للدراسات السياسية او العلاقات الخارجية , كما تستطيع اكتساب خبرات مهمة بانفاق مالي قليل نسبيا اذا ما قيس على ما تنفقه السعودية على تدخلاتها الضارة ,ومن السهل شراء المعرفة في قطاع من القطاعات ولكن رغبة بعض المسؤولين الشباب من جيل يفتقد الخبرة  في التسلط واظهار عظمة قيادة تحالف من 30 دولة او اكثر ربما هو ما يمنع هذه الدولة الكبيرة والمؤثرة في المنطقة من انتهاج سياسة رصنة تضع مصالح شعبها وشعوب المنطقة في راس اولوياتها.

* كامل الكناني