تل أبيب تتوجس من إذلال البحارة الأميركيين في إيران

تل أبيب تتوجس من إذلال البحارة الأميركيين في إيران
الأحد ١٧ يناير ٢٠١٦ - ٠٨:٤٥ بتوقيت غرينتش

أجمع المُحللون وصنّاع القرار في تل أبيب على أنّ إيران مرّغت أنف الولايات المُتحدّة عندما اعتقلت عددًا من الجنود الأميركيين، أوساط الأسبوع الحالي، وعبّر الكيان الاسرائيلي عن منسوب مرتفع من القلق والخشية في أعقاب نشر صورة البحارة الأميركيين رافعي الأيدي وراكعين، أمام جنود البحرية الإيرانية في الخليج الفارسي .

وافادت صحيفة "راي اليوم" ان صور الإذلال، كما سمّاها الإعلام العبري، احتلت الصفحات الأولى للصحف، وكانت هي المادّة الرئيسية في النشرات الإخبارية لقنوات التلفزيون، التي أسهبت في التغطية الخبرية وفي التعليق عليها. وصحيح أن الحدث أميركيّ-إيرانيّ، لكنّ تداعياته ودلالاته تفيض على الخليج الفارسي ودوله باتجاه كل انظمة الشرق الأوسط، بما يشمل الكيان إلاسرائيلي ، العضو غير المعلن، وربما المعلن، في ائتلاف واسع من "الدول العربية المعتدلة" ، التي قررت الوقوف في وجه إيران، والمحور الذي تقوده في المنطقة.
ولكن مع ذلك، يجب التشديد على أنّه لم يصدر، حتى الآن، موقف رسمي بارز من حادثة إذلال البحارة الأميركيين، لكن المعلقين والخبراء في تل أبيب عبّروا عن الموقف غير المعلن وعما وراءه. عناوين الصفحات الأولى للصحف العبرية توزعت بين الإذلال، وصور إذلال الأميركيين، والإهانة في إيران، والودّ على الطريقة الإيرانيّة، مع تحذير من الدلالات السيئة للحادثة، وعلو كعب الإيرانيين في المنطقة. وعينة الإعلام العبري، الذي طغت كلمة الإذلال على عناوينه الرئيسية، مع إبراز صورة البحارة راكعين، الصحف العبرية، قد تكون في “يديعوت أحرونوت”، التي طغت كلمة الإذلال على عنوانها الرئيسي، كغيرها من الصحف العبرية، أيضًا مع إبراز صورة البحارة الأميركيين راكعين.
وأشارت الصحيفة إلى أنّه لا شيء قادر على محو صورة الإذلال التي لحقت بالبحرية الأميركيّة وبصورة واشنطن في المنطقة، صحيح أنّ الحادثة بلا دلالات عسكرية، لكنها حبلى بالدلالات السياسية، التي يجب على "إسرائيل" أنْ تقف أمامها مليًّا، قالت الصحيفة. ومن مواكبة ومتابعة الإعلام الإسرائيليّ وتغطيته لحادثة الإذلال يُمكن القول والفصل أيضًا إنّ تل أبيب نظرت إلى الحادثة بدلالاتها السياسية وما تشير إليه حيال الآتي في ظل احتدام الصراع في المنطقة بين محورين: تقود الأول إيران من جهة، وتقود الثاني "دول الاعتدال" ومن ورائها الأميركيون.
ومن وجهة نظر تل أبيب، تكشف الحادثة والصورة التي خرجت بها إيرانيًا، عن قصد، واقع ثقة الإيرانيين بقدراتهم وثبات موقفهم، كما تكشف حقيقة ميزان المعادلة القائمة في المنطقة بينهم وبين المجتمع الدوليّ، وبينهم وبين الدول المحيطة بهم، وصولاً إلى الكيان . مُضافًا إلى ذلك، إذا كانت إيران تعمد إلى إذلال الولايات المتحدة قبل أيام من قرار رفع الحظر الدولي عنها، فكيف بها بعد رفعه؟ الحادثة من ناحية تل أبيب تعيد التأكيد، من جديد، على وجه الأمور في المنطقة، وتعزّز مكانة إيران وموقعها في مرحلة ما بعد تنفيذ الاتفاق النووي.
وكما يرد على لسان المعلقين الإسرائيليين، يد طهران هي العليا في المنطقة، وستكون أشد في مرحلة ما بعد تنفيذ الاتفاق. كما اعتبر الإعلام العبريّ الحادثة بمثابة رسالة تتجاوز مياه الخليج الفارسي ولا تقتصر تداعياتها على الأميركيين وتتجاوزهم إلى من هم أصغر منهم في المنطقة: خليجيون وغير خليجيين. رسالة إيران واضحة بدلالاتها: لا تهاون أمام التهديدات ولن تتوانى عن الاقتصاص ممن تسوّل له نفسه الاعتداء علينا.
ومن هنا، فإنّ منسوب القلق المُعبّر عنه إسرائيليًا، هو تعبير أيضًا وإنْ بالوكالة، عن قلق دول الخليج الفارسي ، سواء انعكس ذلك في مواقفها وإعلامها أو لم ينعكس. قلق الكيان إلاسرائيلي هو تعبير عن قلق كل من يقف في وجه إيران في المنطقة. وإذا تعاملت الولايات المتحدة بدبلوماسية مع حادثة إذلال لحقت بها هي، فكيف بها تجاه حادثة إذلال أخرى تجاه أصدقائها في المنطقة؟
علاوة على ذلك، بات على الكيان إلاسرائيلي أنْ يسعى أكثر فأكثر نحو تنمية علاقاته بدول الاعتدال العربيّ، وعدم الاكتفاء بائتلاف المصالح المشتركة مع هذه الدول، وذلك باتجاه خطوات أكثر عملية وأكثر مؤازرة ومساندة بينية، وخاصة أن المظلة الأميركيّة لم تعد قادرة، في ظل الموقف المتراجع والقصري للولايات المتحدة في المنطقة، عن مد مظلتها الحمائية تجاه حلفائها، كما يريد هؤلاء الحلفاء.
وتراجع الولايات المتحدة القصري عن مساندة الأصدقاء، يدفعهم أكثر إلى الإعلان عن تحالفهم بصورة أكثر انكشافاً، وبلا مواربة. في غضون ذلك، توقف أحد المعلقين الإسرائيليين أمام تصريح وزير الخارجية الأميركيّ، جون كيري، لافتًا إلى الشكر الذي صدر عنه على الإذلال الإيرانيّ، ولفت أكثر إلى إشادة كيري بنجاح الدبلوماسية في إيجاد حل لحادثة البحارة، وإلّا لكانت استمرت الأزمة أسابيع. ورأت (يديعوت أحرونوت) أنّ مشكلة الولايات المتحدة تكمن في أنّها تقود من الخلف، وتزيد الأعداء وتُضعف الأصدقاء. صورة الملاحين التي أحرجت كل أصدقاء أميركا هي نتاج السياسة الضعيفة للرئيس، باراك أوباما، على حدّ تعبيرها.