إيران وأوروبا... والدخول من بوابة روما

إيران وأوروبا... والدخول من بوابة روما
الإثنين ٢٥ يناير ٢٠١٦ - ٠٦:٠٧ بتوقيت غرينتش

كان مقررا ان تجري جولة الرئيس الايراني حسن روحاني الاوروبية الاولى والتي تأتي بعد اكثر من عقد على انقطاع الزيارات الايرانية الاوروبية (على مستوى الرؤساء) في الرابع عشر من نوفمبر الماضي، وان تعمل الزيارة على الدفع باتجاه الاسراع بتنفيذ الاتفاق النووي كأحد أجنداتها.. من خلال الربط بالمصالح الاوروبية، لكنها الغيت بسبب حوادث باريس الارهابية التي وقعت مساء الجمعة 13 نوفمبر.. ومن هنا تأخر القسم الثاني من المقال الى اليوم!.

جدول زيارة الرئيس روحاني الأوروبية فيه دلالات وايحاءات عديدة، سياسة واقتصادية وثقافية، فهو اختراق من جهة لتابو العداء الأوروبي لإيران سياسياً وما عمل الكثيرون عليه من ايران فوبيا.. وهو تلويح بالسوق الإيرانية للشركات والاستثمارات الأوروبية اقتصادياً.. وخطاب الى العقل الجمعي الأوروبي من خلال لقاء الفاتيكان ولقاء النخب الاعلامية والفكرية والاجتماع بمدير اليونسكو...

وعلى هذا الاساس، تقوم جولة الرئيس روحاني الأوروبية على ثلاثة محاور اساسية:

1. الاقتصاد: حيث تسعى طهران الى تأمين متطلباتها من صناعات وتكنولوجيا ومعدات وتعاون مالي.. واعتقد ان هدفها الاساس في ذلك فرنسا التي يمكن ان تكون شريكة جيدة لها في العديد من الصناعات، وفي مقدمتها السيارات والنفط والطيران والتكنولوجيا.

فقد صرح الرئيس روحاني خلال لقاءه في 11 نوفمبر 2015 مع شبكة فرانس 2 ويورو1 عن صفقة طائرات ايرباص.. كما انهم اعدوا ورقة سيجري التوقيع عليها للتعاون طويل الأمد مع فرنسا.

وعنىما نتحدث عن فرنسا اقتصادياً، فلدى طهران أكثر من ورقة أخرى على الصعيد الأوروبي لتلوح بها أمام أي تصلب فرنسي في التعاون الاقتصادي، خاصة وان هدف ايران هو نقل التكنولوجيا وليس التحول الى سوق استهلاكية.. فهناك إيطاليا التي كانت أول الساعين الى طهران لترتيب علاقاتهما والتي لربما تمتد الى تزويد إيران بمعدات عسكرية بحرية، خاصة وان هناك سابقة بين البلدين في هذا المجال تلت الحرب المفروضة على ايران (1980-1988)... وهناك ايضاً ألمانيا وبريطانيا، فضلاً عن اسبانيا والدول الاسكندنافية وبلدان أوروبا الشرقية بالمراتب اللاحقة.

وقد يقترح الفرنسون على إيران طائرات "رافال"” المقاتلة ذات المدى البعيد، في ظل امتناع إيران لحدّ الان عن اقتنائها.

2. السياسة: على المستوى السياسي، لدى إيران أكثر من ملف يمكنها ان "تدغدغ" به الهواجس الأوروبية، وفي مقدمتها الارهاب (الذي ضرب العاصمة الفرنسية عشية زيارة الرئيس روحاني 13 نوفمبر الماضي، وقبله ضرب لندن ومدريد) وما نتج عنه من موجات الهجرة التي قسمت الشارع الأوروبي بين مؤيد ومعارض، وأثارة اليمين الأوروبي مؤخراً واعطته زخماً خاصة في بلدان شرق أوروبا وألمانيا والدول الاسكندنافية، وهو أمر تخافه الدول الأوروبية وأميركا.

والطرح الإيراني في هذا الصدد واضح: أوقفوا دعم الارهاب في بلداننا لأنه سيرتد إليكم ومدوا أيديكم إلينا في الاستقرار، لكي لا تواجهوا أنتم موجات الارهاب والنزوح وبالتالي ضغط الرأي العام لديكم.. وهنا تكون الازمة السورية في مقدمة موضوعات النقاش لما لاوروبا من دور "قذر" فيها وخاصة فرنسا وبريطانيا.

وفي المرتبة التالية تأتي مسألة التواجد العسكري والقواعد الغربية والدفع باتجاه سباق التسلح الذي تحاول أوروبا (والغرب) جني فوائده الاقتصادية والسياسية.

فيما تبقى القضية الفلسطينية والتصعيد والتهويد الصهيوني المتسارع ورفض الجمهورية الاسلامية الاعتراف بالكيان الصهيوني، هي المفرق الاساس بين إيران والأوروبيين، وخاصة فرنسا وبريطانيا.

3. الثقافة: الصفقة او المشروع او الطرح ـ سموه ما شئتم ـ الإيراني متكامل، يربط بين الاقتصاد والسياسة والامن والثقافة.. ومن خلال مشاريع مثل "عالم خال من الارهاب"، "الحوار بين الثقافات"، "مكافحة التطرف"، "الاعتدال والوسطية"، "الحوار بين الاديان"، تهدف حكومة الرئيس روحاني الى:

أولاً، إعادة الخطاب الأوروبي باتجاه الحوار مع الثقافات والأفكار الأخرى بدل الصدام معها ومحاولة الغائها او تهميشها، والدفع بالقيادات الروحية المسيحية نحو هذا الاتجاه ولعب دورها في التقارب بين وجهات النظر.

ثانياً، التقليل من "فوبيا إيران" التي عمل عليها الغرب خلال السنوات العشر الماضية بشكل مكثف ولاهداف معروفة سياسيا.. من خلال التركيز على الحوار والحلول السلمية في فض النزاعات الدولية ومعارضة الحرب والعمل المسلح.

ثالثاً، خلق اجواء مساعدة للضغط الاعلامي واستنهاض الرأي العام في الاتجاهين السابقين، وهذا ما نفهمه من لقاءات الرئيس روحاني مع النخب الاعلامية والفكرية الأوروبية (صناع الرأي العام).

وفي هذا الصدد أيضاً، ستعمل الزيارة على استقطاب السياح الأوروبيين الى إيران والدفع باتجاه زيادة التبادل والتعاون الثقافي بين الطرفين...

قد تكون الادارة الإيرانية اختارت إيطاليا كفاتحة لاستئناف علاقاتها الأوروبية، لان إيطاليا لم تدخل في صدام مع إيران ولم تلعب دور المشاغب في المفاوضات النووية وقبلها الحوار الانتقادي، كما لعبته باريس ولندن، وإيطاليا التي كانت في بعض الفترات بعد قيام الجمهورية الاسلامية الشريك التجاري الأول لإيران، ليس لها تاريخ استعماري مع إيران، حالها حال ألمانيا، مع فارق ان الأخيرة ملاصقة للموقف الأميركي تجاه إيران، كما ان مواقفها فيما يتعلق ببعض الازمات في الشرق الاوسط معتدلة مقارنة بالموقفين الفرنسي والبريطاني.. اضافة الى ان ما تحتاجه إيران كثير منه لدى إيطاليا وبتكلفة أقل من نظيراتها الأوروبيات (فرنسا وألمانيا وبريطانيا).. خاصة وان الوضع الاقتصادي الايطالي يشجع على علاقات مطمئنة بين الطرفين، أقل تأثراً بالمواقف البريطانية والأميركية.

لكن السؤال الأساسي الذي يواجهنا في النظر الى هذه الزيارة، هو: هل ستقتنع أوروبا وخاصة فرنسا بما هو أبعد من التعاون والمصالح الاقتصادیة.. وهل سيكون الاقتصاد مدخلاً الى القبول بالتصورات الإيرانية فيما يتعلق بالأوضاع الاقليمية التي تعاني من التدخلات الأوروبية وخاصة الفرنسية والبريطانية، وهل ستتمكن دبلوماسية "الاعتدال الروحاني" ان تزعزع القناعات الاستعمارية التقليدية لدى "اوروبا العجوز" وتحالفاتها مع الانظمة الرجعية في المنطقة.. أي هل سيكون الإقتصاد كلمة السر وبوابة العبور الأيراني الى قلب أوروبا.. أم أن هناك ما هو أهم منه أو على الأقل ما يكمله سياسياً وأمنيا؟.

روما شاركت في الحل النووي من خلال السيدة "الايطالية" فيدريكا مورغيني (منسقة السياسة الخارجية الأوروبية).. فما هو دورها في الحلول الأخرى؟

فهل سنلمس هذا التأثير في حل ازمات الشرق الاوسط وتقليل سعار حلفاء الغرب في المنطقة.. أم لا؟ وهل ستؤمن قائمة الجماعات الارهابية (التي دعمتها أوروبا بشكل مباشر او غير مباشر خلال السنوات الخمس الماضية سياسيا وامنيا وتسليحيا واعلاميا) متطلبات الحرب الإيرانية ـ الروسية ـ السورية على الارهاب؟ وهل ما بعد التفجير الانتحاري في باريس وبدء تنفيذ الاتفاق النووي بين ايران و5+1 سيكون مختلفا عما قبله بالنسبة للمواقف "الارهابية" الفرنسية..؟!

الاجابة على هذه التساؤلات لن يطول كثيرا.. مشروط بأن يعض هولاند وفابيوس إصبع الندم جيداً..!
بقلم: علاء الرضائي