المقاومة "شرف" العرب

المقاومة
السبت ٠٥ مارس ٢٠١٦ - ٠٦:٥١ بتوقيت غرينتش

رغم ان الكثير من المراقبين اصابتهم خيبة امل كبيرة بسبب تردي الحالة العربية الرسمية الى هذه الدرجة من الانحطاط والاسفاف بعد تصنيف دول مجلس التعاون ووزراء خارجية العرب حزب الله كتنظيم ارهابي ، لكن التطورات التي حصلت على الصعيدين الشعبي والحكومي في العديد من الدول العربية اعادت الثقة الى الانسان العربي ، واثبتت ان الامة العربية مازالت بخير.

الهبة الشعبية التي انعكست في وسائل الاعلام وعبر منظمات المجتمع المدني ، والتي تبعها تنصل بعض الدول من القرار ، بين بما لا يقبل الشك ان فلسطين مازالت بالقلب والوجدان ، وان المقاومة الاسلامية في لبنان والمتمثلة بحزب الله ، التي اذلت عدو العرب والمسلمين اكثر من مرة وجعلته يعيش كابوسا دائما ، مازالت في القلب والوجدان ، وان “اسرائيل” مازالت العدو الاول والاخير للامة ، ولن تتمكن كل قوى الارض بما تملك من امكانيات مالية والامية وسياسية ان تغير هذه الحقائق لدى الانسان العربي ، الذي يميز بفلسطين بين الحق والباطل ، فكل جهة مهما كانت تجاهلت فلسطين وحاولت اخراجها من القلب والوجدان ، هي منبوذة ، وكل جهة جعلت من فلسطين بوصلتها ورفعت رايتها تبقى في القلب والوجدان العربي مهما كانت الظروف.

هذه الحقيقة الناصحة بانت وانكشفت اكثر بعد قرار الانظمة الخليجية ووزراء داخلية العرب في تونس ، فقد تنصلت تونس من القرار رسميا بعد ان رفض الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تصنيف حزب الله كتنظيم ارهابي، ونقلت صحيفة الشروق التونسية ان السبسي وخلال اجتماع له مع وزير الخارجية خميس الجهيناوي اعرب عن استيائه من هذا التصنيف، داعياً وزير الخارجية الى اصلاح هذا الخطأ.

وزير خارجية تونس خميس الجهناوي اكد بدوره ان البيان الختامي لاجتماع وزراء الداخلية العرب في تونس ، لا يعكس موقف تونس، وليس له صفة اقرارية ، وان مثل هذا القرار يصدر بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتعلنه وزارة الخارجية لا الداخلية.

من جانبها الجزائر فقد تبرأ وزير خارجيتها رمطان لعمامرة رسميا من هذا القرار وقال ان حزب الله حركة سياسية تنشط في لبنان وفق قوانينه، والجزائر مواقفها ثابته لا ولن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول وان اي تشويه لمواقفنا هو تجن على الجزائر ومحاولة جرها لحساسيات اقليمية.

أما مصر، فأعلن مصدر فی خارجیتها لـصحيفة «الأخبار» اللبنانية أنها لن تقطع علاقتها بحزب الله، واضعاً موافقة القاهرة علی البیان فی إطار تسلیف النظام السعودی موقفاً تمهیداً لانتخابات الأمین العام لجامعة الدول العربیة.

لبنانيا اعلن النائب سلیمان فرنجیة ان حزب الله مقاومة ترفع رأس لبنان والعرب، ونأسف أن تُرجم من بیت أبیها، ما یُرضی عدونا الوحید “إسرائیل” ، وهو موقف شاطره فيه وزير الخارجية اللبناني جبران باسیل ، وقبلهما رفض وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق القرار حفاظا على ما تبقى من مؤسسات دستورية في بلاده.

العراق كان موقفه اقوى من الجميع وذلك عندما انسحب وزیر الداخلیة العراقی محمد الغبان من اجتماع وزراء الداخلیة العرب فی تونس ، وقال ‘فوجئنا بتوزیع قرارات علی المجتمعین دون أن یطلع علیها أحد مسبقاً، ومن دون أن تُبحث فی اللجنة التحضیریة کما جرت العادة. وأعلنا تحفظنا علی منهجیة الإملاء وهیمنة طرف علی قرارات المجلس وجرّ الآخرین الی مواقف سیاسیة تحقق مصالح لطرف دون آخر، فضلاً عن تضمین البیان قرارات لنا وجهة نظر فیها”.

على الصعيد الاعلامي کتب الصحفی والباحث الجزائری فی تاریخ الثورة والحرکة الوطنیة الجزائریة ‘منتصر أوبترون’ قائلا: ‘للأسف یتطاول السفهاء علی الشهداء والشرفاء’، معتبرا أنه ‘إذا کان للعرب شیء یشرف فهو حزب الله”.

من جهته علق رئیس تحریر یومیة ‘الحریة’ فیصل بخوش علی موقف الجزائر المتبرئ من تصنیف حزب الله منظمة إرهابیة بقوله: ‘المرة الوحیدة التی أحس فیها أن السلطة تمثلنی وأنسجم مع قراراتها التی تعجبنی، حزب الله لیس مجرد کیان سیاسی مسلح بل من بطون المقاومة الشریفة .. أما الأعراب لم یبق أمامهم سوی قبول عضویة الکیان الصهیونی فی مجلس التعاون الخلیجی”.

أما الصحفی ‘عثمان لحیانی’ مراسل یومیة ‘الخبر’ (أول صحیفة غیر حکومیة بالعربیة) فی تونس، فکشف کیف تم تدبیر مؤامرة بیان وزراء الداخلیة العرب فی اجتماعهم بتونس ، والذي شارك في تغطيته ، بقوله : ‘عند قراءة البیان، أغلقت الشاشة التی کانت معلقة فی القاعة الخاصة بالصحفیین، وتلی البیان ورفعت الجلسة مباشرة، فلم یطرح للتصویت، ولم یترک مجال للتعلیق علیه.

أما شعبیاً، فکان «الاتحاد العام التونسی للشغل» ونقابة المحامین، قد ندّدا بوصف وزراء الداخلیة العرب حزب الله بالإرهابی ، حيث وصف الاتحاد حزب الله بأنه «رمز المقاومة الوطنیة»، معتبراً أن القرار ضده یأتی «فی سیاق هجمة تقودها قوی أجنبیة وأخری إقلیمیة لتقسیم الوطن العربی وتدمیر قواه وتطویعه لصالح القوی الاحتکاریة الصهیونیة والرجعیة”.
کذلک استنکر البیان الصادر من تونس کلّ من «حزب الوطنیین الدیمقراطیین الموحد» و»حزب المسار الدیمقراطی الاجتماعی» ومنظمات «المنتدی التونسی للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة» و«اللجنة من أجل احترام الحریات وحقوق الانسان فی تونس» و«جمعیة یقظة من أجل الدیمقراطیة والدولة المدنیة» و«الجبهة الشعبیة» والأحزاب المشکلة لمیثاق اتحاد القوی الوطنیة والتقدمیة التی اعتبرت قرار وزراء الداخلیة العرب «طعناً فی الظهر للمقاومة الصامدة فی وجه الإرهاب التکفیری والصهیونی”.

صحیفة «الأخبار» اللبنانية نقلت عن رئیس حزب «الکرامة» المصری، محمد سامی، تحفظه علی قرار وزراء الداخلیة العرب، مذکّراً بأن حزب الله هو ‘الجهة التی وضعت «إسرائیل» لها حسابات بعدما جعلها لا تنام بسبب قدرته علی التصدی لها’. مستغربًا ‘الموقف العربی الذی یتفق مع «إسرائیل”.

الداعية الاسلامي اللبناني الكبير الشيخ ماهر حمود قال ان مجتمع “المترفين” او من يدعي تمثيله يخوض معركة خاسرة مع حزب الله، مشددا على انها سترتد على الذي شنها باسرع مما يتصور احد.

وقال الشيخ حمود في خطبة الجمعة: “ان حرب داعس والغبراء الجاهلية التي يشنها مجلس التعاون الخليجي على حزب الله سائرا على درب الاسرائيلي من خلال تصنيف الارهاب وما شابه، وكذلك وزراء الداخلية العرب، أو أكثرهم، هذه الحرب الجاهلية سترتد على اصحابها”.

وتابع: “مهما كانت عدتهم وقدراتهم فان الهزيمة واضحة على وجوههم وفي بياناتهم الركيكة وفي اعلامهم الكاذب وفي الدمى المتحركة التي يحركونها، من سياسيين مزعومين او اعلاميين مأجورين وما الى ذلك. لقد قطعوا آخر صلة بينهم وبين الاسلام الحنيف وبين العروبة، بمعناها الأصلي”.

وشدد على ان “مجتمعاتنا الاسلامية والعربية رغم كل محاولات التشويه لن تتحمل هذا القدر من الخيانة والغدر والتخلف، بل ان امتنا تختزن الكثير من الخير الذي يظهر من حين لآخر”.
الملفت ان العديد من الدول الاجنبية رفضت القرار الخليجي ضد حزب الله ، فقد رفضت روسيا القرار ، ورأى رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد الروسي ميخائيل ماركيروف، ان هذا لا يخدم الاتفاق الروسي الامريكي، معتبراً ان وصف اي منظمة بالارهابية يجب ان يستند الى ضوابط الامم المتحدة.

اما المانيا فانتقدت بشدة القرار وقالت المتحدثة باسم الخارجية الالمانية سوسن شبلي ، ان بون ترفض كل اجراء يمكن ان يستهدف مكون رئيسي في لبنان ، ويساهم في تعقيد الاوضاع في هذا البلد.

ويبدو ان المواقف العربية الرسمية والشعبية الرافضة للقرار “العدواني الطائش والمدان” ضد حزب الله ، تتوالى وبسرعة ، ولن تتوقف الا بعد تعرية الجهات التي تقف وراءه ، ومن بينها “اسرائيل” ، الامر الذي كشف وبشكل لا يقبل الشك ، عن ان الامة العربية مازالت بخير ، وان الشعوب العربية لن تقف مكتوفة الايدي ، عندما يتعرض “شرف” الامة للتهديد ، ولا شرف اسمى من “المقاومة”.

* جمال كامل/ شفقنا

213