الحروب العبثية تدمر الأمة وتهدم الأوطان

الحروب العبثية تدمر الأمة وتهدم الأوطان
الأربعاء ١٦ مارس ٢٠١٦ - ٠٣:١٣ بتوقيت غرينتش

يمكن القول ان الصراعات العسكرية التي حدثت في المنطقة في العقود الاخيرة لم تؤد إلى تغير جوهري في نفوذ اي من الدول التي كان لها دور في تلك الصراعات. بل كانت النتيجة في اغلب الاحيان المزيد من الدمار والخسارة وقسوة قلوب الاخوة ـ الاعداء.

وفي اغلب الاحيان كانت الصراعات احادية الجانب، بمعنى ان الجهات المشاركة فيها ليست متكافئة. هذا لا يعني قدرة الطرف الاقوى عسكريا على حسم الصراع لصالحه، بل يعني ان حجم الضحايا والخسائر كانت اكبر من الصراعات المتكافئة التي توفر قدرا من الردع للطرف الآخر.

كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية آخر الحروب التي تكافأت فيها امكانات الطرفين، بشريا وماديا.. اما ما حدث لاحقا فلم يكن كذلك.. فالاجتياح العراقي للكويت في آب/ اغسطس 1990 حدث بين طرفين متباينين تماما في الامكانات العسكرية.. فالعراق يومها كان قوة عسكرية ضاربة خصوصا بعد تجربته في الحرب مع إيران التي امتدت ثمانية اعوام.. ولكن ما الذي استفاده العراق من تلك الحرب؟ وبعدها اندلعت حروب اخرى منها الحرب على القوات العراقية في الكويت، ثم الاعتداءات الأمريكية على افغانستان والسودان والصومال.. وجاءت حرب العراق الثالثة في 2003 لتكشف تباينا واضحا في التوازن العسكري.

يمكن القول ان حقبة الستين عاما الاخيرة (اي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية) حفلت بالصراعات العسكرية ذات السمات المتعددة:

اولها: حروب غير مجدية اصابت بالاعياء من بدأها، ومنها الصراعات البينية بين الدول العربية،

ثانيها: الاعمال العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة على الدول تارة والمجموعات المسلحة تارة اخرى، وهي انتقائية ومحصورة بنطاقها واهدافها وعمرها الزمني، وكذلك الحروب الاسرائيلية على الدول العربية، وهي عدوانية وتوسعية.

ثالثها: الصراعات التي تؤججها المجموعات المسلحة في العراق وسوريا وليبيا ونيجيريا، وهي صراعات بانتماء ايديولوجي واضح وأهداف ذات طابع مذهبي في اغلبها، وتخدم اهدافا سياسية لانظمة تراها ضرورة لاشغال العرب والمسلمين ببعضهم، وصرف انظارهم عن التغيير او التحرير.

وليس جديدا القول ان الحروب تدمر البلدان وتحرمها من اللحاق بركب التقدم والتطور. وقد سعى الغربيون لمنع وقوع الحروب البينية بتطوير علاقاتها حتى استطاعت انشاء الاتحاد الأوروبي. وما الدعوات التي يطلقها بعض البريطانيين للخروج من هذا الاتحاد إلا ضجيج ينطلق من الشعور بالاحباط تارة والنظرات القصيرة من جهة ثانية والجهل بتداعيات الخروج ثالثة. وربما من بين دوافع الفريق الداعي لخروج بريطانيا من ذلك الاتحاد العودة البريطانية إلى الشرق الاوسط وفق تفاهم انكلو ـ أمريكي، وان بقاءها ضمن الاتحاد قد يفرض عليها قيودا سياسية واخلاقية لا ترغب بها. فبريطانيا دخلت على قضايا المنطقة من اوسع ابوابها، ولكن بدون ضجة كبيرة. فلديها أجندتها التي يضعها دهاقنة الساسة المخضرمون، ولا يستطيع السياسيون التأثير عليها كثيرا. اما الدول العربية فيخوض بعضها حروبا عبثية بدون معنى او هدف. فمناطق الصراع الحالية تخوض حروبا مفتعلة لا يتوقع لها ان تنتهي بانتصارات حقيقية، فالجميع فيها خاسرون ماديا ومعنويا، خصوصا ان تلك الصراعات مهدت لانتشار ظواهر التطرف والإرهاب والطائفية، وهي جميعا شرور تدفع الشعوب ثمنها.

الملاحظ ان السعي لبسط النفوذ يدفع بعض انظمة الحكم للمغامرات العسكرية خارج اطار العقل والمنطق، ويتم تجاوز قيم الحوار والتفاهم، بل تغيب الوساطات او ما يصطلح على تسميته «المساعي الحميدة» التي توفر على الامة الخسائر الكبيرة التي تتكبدها بدون ان تختار ذلك. فمثلا: ما الذي استفادته الامة من الحرب العراقية ـ الإيرانية؟ وما الذي حققته من الاجتياح العراقي للكويت والحرب التي نشبت بسببها لاخراج القوات العراقية من الكويت؟
وحدثت تدخلات مباشرة وغير مباشرة في ليبيا حتى بلغت اوضاعها من السوء مستوى يهدد بتقسيم البلاد. وفي الاسبوع الماضي اتهم الرئيس الأمريكي، باراك اوباما، رئيس الوزراء البريطاني بالتحريض على التدخل العسكري في ليبيا ولكنه لم يركز على تبعات ذلك التدخل بسبب انشغالاته الاخرى. وهي المرة الاولى التي يحدث فيها مثل هذا النقد.

في الايام الاخيرة نظمت المسيرات والاحتجاجات في البحرين، ضمن فعاليات الثورة التي لم تتوقف منذ انطلاقها في 14 شباط/ فبراير 2014.. فالمسيرات لم تتوقف طوال السنوات الخمس الماضية، كما ان الشعب البحراني رفض المشروع الطائفي (في الشهر الماضي اقيم حفل زواج جماعي شمل خمسين عريسا من الشيعة والسنة)، واستمر في حراكه السلمي بهدف اصلاح الاوضاع، وبرغم اسقاط جنسية مواطنيه وابعادهم عن وطنهم، فقد رفض الانجرار للعنف او التخلي عن مشاعره الدينية والقومية وإصراره على وحدة الامة.

والأمل ان تدفع هذه التراجعات قادة الدول العربية للعودة للشعوب واستبعاد الخيارات العسكرية والامنية وعدم التورط في الحروب التي لم تؤد إلا للدمار والخراب والموت.. فالحرب لا يمكن ان تكون بديلا للاصلاح السياسي الذي تأخر كثيرا.. وبدلا من قمع الشعوب فمن الافضل الاعتراف بوجودها ومشاركتها في صنع القرار، وتعبئتها للبناء والذود عن الأمة وتحرير فلسطين.

* سعيد الشهابي - القدس العربي

3ـ 4