المسلمون بين الإحتلال الصهيوني والإستغفال الطائفي

المسلمون بين الإحتلال الصهيوني والإستغفال الطائفي
الثلاثاء ١٢ أبريل ٢٠١٦ - ٠٣:٥٠ بتوقيت غرينتش

ما هي الاسباب التي جعلت العرب والمسلمين يتركون الفلسطينيين لمصيرهم وهم يواجهون اعتى قوى وحشية شهدتها المنطقة والعالم؟، لماذا يا ترى فقدت القدس والمقدسات الاسلامية اعتبارها لدى قطاع كبير من الشباب العربي والمسلمين الى هذا الدرجة، التي باتت القدس تهود على مرأى منهم، دون ان يرتد لهم طرف؟، لماذا فقد الفلسطينيون كل امل بالعرب والمسلمين، حتى اضطروا لاستخدام سكاكين مطابخهم للدفاع عن القدس والمقدسات الاسلامية المغتصبة؟.

منذ اكثر من ستين عاما وفلسطين المحتلة ترزح تحت وطأة احتلال العصابات الصهيونية التي تتفنن بسادية مرضية بقتل وتشريد وتجويع ومحاصرة واذلال الشعب الفلسطيني، ومنذ ما يقارب الخمسين عاما والقدس الشريف ومسرى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) و المسجد الاقصى وقبة الصخرة ومراقد الانبياء والاولياء، ترزح تحت احتلال العصابات الصهيونية وشذاذا الافاق، ومنذ نحو 10 سنوات وتحاصر العصابات الصهيونية غزة، حصارا تجويعيا لم يشهد له مثيل في التاريخ، ولكن رغم كل هذه الماساة الفلسطينية، ترك العرب والمسلمون، الفلسطينيين دون ناصر او معين.

هنا قد يتبادر سؤال، وسؤال كبير جدا، الى ذهن كل انسان حر هو: ما هي الاسباب التي جعلت العرب والمسلمين يتركون الفلسطينيين لمصيرهم وهم يواجهون اعتى قوى وحشية شهدتها المنطقة والعالم؟، لماذا يا ترى فقدت القدس والمقدسات الاسلامية اعتبارها لدى قطاع كبير من الشباب العربي والمسلمين الى هذا الدرجة، التي باتت القدس تهود على مرأى منهم، دون ان يرتد لهم طرف؟، لماذا فقد الفلسطينيون كل امل بالعرب والمسلمين، حتى اضطروا لاستخدام سكاكين مطابخهم للدفاع عن القدس والمقدسات الاسلامية المغتصبة؟.

هذه التساؤلات المريرة، تعقبها تساؤلات لا تقل مرارة يمكن ان تتبادر الى اذهان كل عربي ومسلم وهي: لماذا اذن يتقاطر الشباب المسلم من كل انحاء العالم ليفجر نفسه في اخوانه المسلمين في العراق وسوريا وليبيا والصومال وباكستان وافغانستان والسعودية والكويت وتونس والجزائر ومالي ونيجيريا وغيرها؟، لماذا لم تحتل فلسطين جزء ولو صغيرا في عقلية هؤلاء الشباب؟، اين القدس والمقدسات الاسلامية من المنظومة المعرفية لهؤلاء الشباب؟، لماذا لم نجد اي تعاطف او تأثر لديهم ازاء المجازر التي ترتكبها العصابات الصهيونية كل يوم ضد النساء والاطفال والشيوخ في فلسطين؟، ألم يحرق الصهاينة الفلسطينيين احياء، ولم يستثنوا حتى الرضع؟، لماذا كل مشاعر واحاسيس وحتى عقول هؤلاء الشباب تتجمد عندما يكون الحديث عن فلسطين والشعب الفلسطيني، بينما تتفجر نيرانا اذا هُمس في اذانهم همسا بكلام طائفي بليد عن اخوة لهم في الدين؟.

للاجابة هذه التساءلات نحتاج الى وقت طويل لاستعراض الأسباب الحقيقية امام هذه المأساة التي نعيشها اليوم، ولكننا سوف نكتفي بذكر سبب واحد مهم يتقدم كل الأسباب الاخرى، الا وهو تضخم الحالة الطائفية البغيضة في حياة العرب والمسلمين، وهذا التضخم المرضي أتى على كل شعور اسلامي ووطني، بل وشل القدرة على التفكير لدى قطاع كبير من شبابنا الذين تم وللاسف الشديد، تضخيم هذه الحالة لديهم من قبل من يدعون العلم ويحتكرون الاسلام ويكفرون غيرهم.

هناك مثال واقعي يوضح هذه الحالة بشكل شفاف، قبل ايام  قُتل عبدالله محمد الحصم ابن “الداعية” الكويتي محمد الحصم في معارك بمنطقة ريف حلب في سوريا، خلال مواجهات بين مسلحي “أحرار الشام” ، المتحالفين مع القاعدة، والجيش السوري، وعندما وصل الخبر لوالده، “الداعية ” محمد الحصم، علق على الخبر في حسابه في “تويتر” قائلا: “الحمدلله قُتل ابني عبدالله على ثرى الشام المباركة، وأسأل الله أن يتقبله ويجعله شفيعاً لنا”.

ترى هل يمكن لشاب، هذا والده، ان يفكر بفلسطين او بالقدس او مأساة غزة او بوجود عدو غاصب شرس مثل العدو الصهيوني، او حتى التفكير بشكل منطقي في اي قضية من القضايا؟، كيف يمكن ياترى ان يميز هذا الشاب بين الحق والباطل، وقد تربى على يد رجل يحمل هذه العقلية؟، من المؤكد ان هذا الشاب لن يحسن صنعا سوى تفجير نفسه بين المسلمين، او قتله جنود مسلمين، في سوريا او غيرها، بدوافع طائفية بغيضة وغبية.

“الداعية” محمد الحصم، هو نموذج واحد من جيش جرار من “الدعاة”، الذين غسلوا ادمغة الشباب العربي والمسلم وغرروا بهم، عندما اعتبروا قتل المسلم للمسلم “جهاد”، موته قتلا “استشهاد”، وسوريا والعراق وليبيا وافغانستان وغيرها “ارض جهاد”، اما فلسطين والقدس فلا اثر لها في عقول هؤلاء “الدعاة”، اما الصهاينة، فهم خارج نطاق تفكيرهم، واذا ما فكروا بهم، فسيكون من باب انهم اقل خطرا من “الشيعة” و”الروافض” و“العلويين” و”المرتدين” و”المشركين” و..

نسأل “الداعية” محمد الحصم، اذا كان ابنك الذي ذهب الى سوريا ليقتل اخوة له في الدين تحت تبريرات وذرائع دسستها في راسه مثل محاربة “الروافض” و“العلويين” و“المجوس” و”المشركين” و“المرتدين”، وهي تبريرات باتت عنوانا ل”جهاد” “داعش” و”القاعدة” في بلاد المسلمين، “سيشفع” بعد مقتله، ترى ماذا تقول في الذين فجروا انفسهم في الكويت بذات الذرائع والتبريرات، التي دسستها في عقل ابنك، هل “سيشفعون” لذويهم ايضا؟.

نعيد السؤال على “الداعية” محمد الحصم ولكان بصيغة اخرى: ترى ماذا  لو قدر لشباب يحملون عقلية ابنك، تنفيذ المخطط الاجرامي الذي احبطته اجهزة الامن الكويتية، والذي كان يستهدف اقتحام مطار الكويت وإطلاق النار على المسافرين والمراجعين بطريقة عشوائية، وتفجير أحد مساجد المسلمين المسالمين الشيعة في الكويت، هل “سيشفع” هؤلاء الشباب لذويهم بعد مقتلهم في هذه العملية، كما “سيشفع” لك ابنك الذي قتل في سوريا؟.

“دعاة” السوء، وعدم تعامل الحكومات العربية والاسلامية بمسؤولية مع هؤلاء “الدعاة”، هو الذي جعل الفتنة الطائفية تنخر بالمجتمعات العربية والاسلامية، وهو السبب الرئيسي، وليس الوحيد، في كل الفوضى والدمار الذي نغرق فيه، فاذا ما اردنا استعادة شبابنا، والحفاظ على امن بلداننا، واستقرار مجتمعاتنا، وان نعيد الاعتبار الى القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب والمسلمين الاولى، وان نضح حدا لحالة الامن والاسترخاء التي يعيشوها الصهاينة في ظل اقتتال العرب والمسلمين، علينا ان نتصدى لامثال “الداعية” محمد الحصم، ومنعهم من استغفال شبابنا عبر بث سمومهم الطائفية، والتي لاتصب الا في مصلحة الصهاينة، اعداء الامتين العربية والاسلامية.

• هاشم مرادخان - شفقنا

2-208