"داعش" الذي يحب الوضوح

الأربعاء ١٣ أبريل ٢٠١٦ - ٠٦:٢٢ بتوقيت غرينتش

يخوض تنظيم «داعش» الارهابي حربين. يخسر واحدة في سوريا والعراق ويربح الأخرى في باريس وبروكسل وسان برناردينو. هو خسر أكثر من 30 في المئة من الأرض التي سيطر عليها في نيسان من العام 2014، في الوقت الذي يضطلع بدور أضحى محدداً للكثير من الخطاب السياسي الغربي.

في الولايات المتحدة الأميركية، الموقف من الإسلام يعتبر مدماكا أساسيا للمرشحين الرئاسيين، وفي القارة العجوز يشكل الموقف من التطرف الإسلامي رافدا إضافيا لدينامية التباعد المطّرد بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، ووقوداً مجانياً في محركات أحزاب اليمين على امتداد خريطة القارة.

وضوح «داعش» يتبدّى في رفضه رؤية العالم خارج الثنائية المانوية الحادة المشكّلة من دار الكفر ودار الإسلام. هو لا يستسيغ بطبيعة الحال التنوع في المجتمعات ويشكّل الوجود الإسلامي في البلاد الغربية أحد مظاهر هذا التنوع. لذلك، يعتبر «داعش» خلافته بمثابة دعوة دائمة للمسلمين للهجرة إليها وعيش التجربة الإسلامية التي طال انتظارها عيشاً ملموساً، وعدم الاقتصار على الصرح الإيديولوجي الذي لا يجد تعبيره الجغرافي خارج الكهوف والأقبية كما كانت عليه الحال مع «القاعدة».

يبدو سؤال المواجهة أكثر إلحاحاً في ظل مخاوف حقيقية تدعمها الكثير من التقارير التي تؤكد نية «داعش» استهداف المنشآت النووية بهدف تصنيع قنابل قذرة لإحداث أضرار قياسية. للوهلة الأولى يبدو هذا السيناريو سينمائياً، لكن تقارير الشرطة البلجيكية تشير إلى العكس. العارفون في التاريخ الإسلامي القريب والبعيد يدرون أن «داعش» ليس اختراعا من نوع ما، هو أقرب إلى أن يكون مارداً كامناً في التراث. لا يعني هذا التشخيص أن المواجهة هي فكرية حصراً، ولا مانع نظرياً من إمكانية الاستئصال الجراحي الناجح شرط توفر البيئة السياسية المناسبة. على الضفة الإسلامية، هناك جهد فكري غائب تماماً. هذا الجهد المفقود يرتبك بين صوت شيعي لا يقوى على التأثير، غالباً بسبب شيعيته التي تعيد لـ «داعش» سنّيته، وصوت سني سعودي لا يريد تسهيل مهمة خصمه الطائفي ولا يبدو أنه يستطيع الخروج من صفقة استحوذ بموجبها على السلطة السياسية مقابل دور داخلي لآلة الإفتاء والتبشير الرهيبة.

أما سؤال المواجهة الغربية، فدونه الكثير من إغراء القفز عن الحقائق الجيوبوليتيكية. أولى ضحايا التطرف الإسلامي هما روسيا والصين اللتان تضمان أو تحدان أقليات إسلامية وازنة من ذوي النزعات الانفصالية. ولا ينبغي بأي حال التغاضي عن حقيقة أن لعبة التطرف الإسلامي هي التي حسمت الحرب الكونية الباردة. وكل كلام حول «ندم استراتيجي» غربي عن تغذية نواة التطرف في أفغانستان بسبب الضربات الإرهابية التي تلقاه الغرب، هو خلط بين المصالح الاستراتيجية التي تحسم معارك كونية والضرائب الإرهابية غير المؤثرة في الصراعات الكبرى. في النهاية، باستطاعة دراسة جدوى بسيطة الخروج بخلاصة تؤكد أن الإرهاب كلّف الروس إمبراطورية وكلّف الأميركيين برجين تجاريين. لا مجال للمقارنة! بعد هذا الاستعراض، تغدو مطالبات الغرب بالتصدي للفكر الإرهابي ساذجة تماماً. الإرهاب صناعة متكاملة ولا يملك الغرب بأي حال أعنّة هذه الصناعة بالمطلق. في الأصل لا يوفر هذا العصر ترفاً كهذا.
أيمن عقيل / السفير

109-2