الجزيرة بمليار والهرم بمليارين وعليهم تمثالين هدية!

الجزيرة بمليار والهرم بمليارين وعليهم تمثالين هدية!
الأربعاء ٢٧ أبريل ٢٠١٦ - ٠٣:٣١ بتوقيت غرينتش

تعامل الرأي العام مع نقل الجزيرتين للسعودية على أنه تنازل ناجم عن ضعف النظام المصري وتبعيته لها، فيما تهكم اعلاميون بالقول ان "الجزيرة بمليار والهرم بمليارين وعليهم تمثالين هدية!".

ذلك ما جاء تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" للباحث مايكل وحيد حنا بمعهد "نيوأمريكان فاونديشن" بمدرسة القانون في جامعة نيويورك، وترجمه موقع عربي 21، حيث يقول الباحث في تقريره بعد مقدمة تاريخية عن الجزيرتين، بان الرأي العام تعامل مع نقل الجزيرتين على أنه تنازل ناجم عن ضعف النظام المصري وتبعيته للسعودية، لافتا إلى أن مفهوم تصرف مصر كونها دولة فقيرة تنتظر الصدقات الملكية قد تعزز؛ نظرا لالتزام الرياض بتقديم دعم ومساعدات لمصر، ومن هنا فقد جاءت خطوة التنازل عن الجزيرتين بكلفة سياسية.

ويعلق الكاتب قائلا: إن "عمق الإحباط يستدعي لحظات أخرى من الغضب الشعبي، والمتعلقة بتنازلات عن الأرض، علمت مرحلة ما بعد حسني مبارك، حيث انتشرت اتهامات تآمرية ونظريات مؤامرة ضد الرئيس في حينه محمد مرسي بالتنازل عن سيناء للفلسطينيين، وعن قناة السويس لقطر، وللسودان عن مثلث حلايب، وهي المنطقة التي كانت تشترك مصر والسودان في إدارتها فأصبحت منطقة متنازعا عليها".

ويضيف الكاتب أن هذه الاتهامات ولدت غضبا شديدا، وأدت دورا في إضعاف حكم الزعيم المدعوم من الإخوان المسلمين، مشيرا إلى أن الغضب الشعبي حول هذه المزاعم أدى إلى احتواء دستور عام 2014 على مادة تدعو إلى التصويت على معاهدات لها علاقة بمعاهدات السلام والتحالفات، وتلك المتعلقة بقضايا حقوق السيادة.

النظام تعرض للنقد من داخل مؤيديه

ويوضح التقرير أنه لم تكن هناك مشاورة عامة، أو تحضيرات، ولا حتى عقد استفتاء في ما يتعلق بالجزيرتين، لافتا إلى أن الغضب الشعبي أسهم بفتح نافذة لنقاد نظام السيسي، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتشير "فورين أفيرز" التي نشرت التقرير هنا إلى الاعلامي باسم يوسف، الذي سخر من عملية نقل السيادة قائلا باللهجة المصرية: "قرب، قرب يا باشا، الجزيرة بمليار والهرم باثنين وعليهم تمثالين هدية"، ووصفت حركة السادس من إبريل القرار بالخيانة، وطلبت، وهنا المفارقة، بتدخل الجيش وحماية الوطن، وقام محامون بتحضير دعاوى قضائية ضد القرار، الذي قالوا إنه خرق للدستور، لافتة إلى أن الغضب الشعبي زاد بعد تقارير صحافية قالت إن مصر أعلمت الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي بالقرار.

ويذكر حنا أن النظام تعرض للنقد من داخل مؤيديه، فقد عبرت نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا السابقة، وواحدة من مؤيدي السيسي تهاني الجبالي، عن شكوكها بعملية نقل السيادة والطريقة التي تمت فيها.

لماذا تسرع السيسي؟

ويرى الكاتب أن عدم استشارة الرأي العام يشير إلى أن السيسي فقد الصلة بالمشاعر الشعبية العامة، أو أنه خاف من معارضة الرأي العام لنقل السيادة، ما سيعرقل توقيع الصفقة، وهو ما يعبر عن حالة يأس لدى السيسي، ورغبة شديدة في علاقات مصرية سعودية في وقت تواجه فيه بلاده أزمة اقتصادية حادة.

ويستدرك التقرير بأنه رغم الدعم المالي الذي تلقاه نظام السيسي من دول الخليج (الفارسي)، بحدود 30 مليار دولار، بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي، إلا أن خلافات بين النظام وداعميه برزت حول المواقف من قضايا المنطقة، حيث بدت هذه الخلافات في رفض مصر نشر قوات في اليمن، وفي سوريا، حيث وقفت مصر مع روسيا التي دعمت نظام بشار الأسد، مشيرا إلى أن السيسي ربما أراد من أن يكون تسليم الجزيرتين بادرة حسن نية، ومن أجل ترميم العلاقات مع السعوديين.

وتتساءل المجلة حول حجم الغضب الشعبي الذي لم يأت من المعارضين فقط، ولكن من أشد مؤيديه أيضا، وترى أن هذه الأزمة تأتي في أعقاب سلسلة من العثرات السياسية والأمنية والاقتصادية، التي أثرت في ثقة الرأي العام بالسيسي، وقدرته على الحكم.

ويعتقد حنا أن مدى المعارضة والغضب من قرار نقل الجزيرتين لن يؤدي إلى إضعاف النظام؛ لأن مؤيديه سيحاولون التخفيف من حدة نقدهم للخطوة، بالإضافة إلى حشد قواهم لدعمه أمام معارضيه من الإخوان المسلمين والقوى السياسية الأخرى.

ويورد التقرير نقلا عن السيسي قوله إن الأمر بيد البرلمان، ويرى الكاتب أن التصويت لن يكون سهلا في ضوء معارضة نواب ومثقفين له، مشيرا إلى أنه في حالة قرر البرلمان، الذي ينظر إليه على أنه مجموعة من المشرعين الذين "يبصمون" على القرارات، رفض عملية نقل السيادة، فإن موقف النواب سيكون نكسة للسيسي.

رد الجيش

وتنوه المجلة إلى أن مرحلة ما بعد مبارك تميزت بتداخل المصالح الجمعية للنخبة والدولة، التي أدت دورا في الحد من مخاطر أي تحد للنظام، حيث تظل الأجهزة الأمنية المصدر الأهم لاستقرار النظام، مستدركة بأنه رغم وجود أدلة على غضب البعض داخل الأجهزة الأمنية من قرار نقل سيادة الجزيرتين، إلا أنه ليس من المحتمل قيام هذه الأجهزة بتدخل عسكري جديد، خاصة أن القيادة العسكرية للجيش مرتبطة بشكل وثيق مع الرئيس.

الكيان الاسرائيلي

ويلاحظ الكاتب في تحليله لموقف الكيان الاسرائيلي، أنه التزمت الصمت تجاه القرار المصري، وهو ما يعكس، كما يقول، تطور تفكيره حول معاهدة التسوية وديناميات المنطقة، حيث إن مصر منعت في عامي 1956 و1967، مرور السفن الإسرائيلية من مضيق تيران، وهو ما دفع بحكومة الاحتلال للتهديد بمواجهة أي تحد في المستقبل لأي قرار يغلق المضيق في وجهها.

ويجد حنا مرونة في الموقف الإسرائيلي من المعاهدة، سواء من خلال تغيير شروط إدارة مصر للجزيرتين، أو إعادة نشر القوات المصرية في سيناء، بعيدا عن المحاور المحددة في المعاهدة، مشيرا إلى أن رد الكيان الاسرئيلي على الصفقة المصرية السعودية هو دليل آخر على موقفه المرن.

ويقول التقرير إن ما يثير الانتباه أن الصفقة تتضمن السعودية، التي لا تقيم معاهدات مع حكومة الاحتلال الاسرائيلي، حيث إنه في تعليق لوزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعلون للصحافة، تحدث عن أربعة أطراف وافقت على نقل السيادة هي مصر والولايات المتحدة و"إسرائيل" والسعودية.

وترى المجلة أن الصمت الإسرائيلي نابع من التأكيدات السعودية بأنها ستحترم الاتفاقيات والالتزامات المتعلقة بالجزيرتين، التي وافقت عليها مصر، بحسب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي أكد أن السعودية لن تقيم علاقات مباشرة مع "إسرائيل"، مستدركة بأنه مع ذلك فإن الدبلوماسية غير المباشرة تعكس تداخل المصالح بين "إسرائيل" والسعودية في ما يتعلق بالتهديدات على المنطقة والنابعة (حسب السعودية و"اسرائيل") من إيران.

ولا يعتقد الكاتب أن هناك حدودا للتعاون غير المباشر، لافتا إلى أن غياب الحل للقضية الفلسطينية، التي فقدت أولوياتها لدى الأنظمة العربية، سيظل عقبة أمام أي تطبيع.

2