وتبقى إرادة الشعوب هي الأقوى

وتبقى إرادة الشعوب هي الأقوى
الأحد ١٥ مايو ٢٠١٦ - ٠٧:١٤ بتوقيت غرينتش

يبدو ان امريكا غير معتادة على احترام الحكومات والشعوب حتى في القضايا التي تخص هذه الحكومات والشعوب، مثل كيفية الدفاع عن انفسها، او في طبيعة العلاقات التي تقيمها مع الدول الاخرى، بل وحتى في اختيار النظم السياسية التي ترى انها اصلح لها من غيرها، فأمريكا تضرب بكل هذه الخيارات عرض الحائط دون ادنى اعتناء، وتفرض رؤيتها على هذه الحكومات والشعوب على انها حقائق مطلقة، ولا يملك الاخرون غير الخضوع لهذه الرؤية وتطبيقها، والا سيحل عليهم الغضب الامريكي.

هناك حكومات وشعوب رفضت ان تكون ضمن تجسيدات الرؤية الامريكية، وهذه الحكومات والشعوب للاسف الشديد قليلة جدا، فمن الصعب جدا ان ترد الحكومات والشعوب بالمثل على قوى كبرى مثل امريكا، وتتعامل معها بندية، وترفض تدخلها في شؤونها الداخلية، فهي تدفع مقابل ذلك اثمانا باهظة، فقط لانها ترفض الخنوع والخضوع لامريكا.
من بين هذه الدول القليلة جدا، التي وقفت في وجه امريكا وعكرت عليها صفو طغيانها واطماعها، هي الجمهورية الاسلامية الايرانية، وسوريا، لذلك وضعت امريكا هاتين الدولتين في قمة قائمة حقدها وغضبها ومؤامراتها، ويكفي نظرة سريعة على المؤامرات الامريكية المتلاحقة ضدهما، لنكتشف حجم الثمن الذي يجب ان تدفعه الشعوب، لرفضها الارادة الامريكية المتغطرسة.
على سبيل المثال، وصل الصلف بامريكا، عندما تصورت ان الاتفاق النووي مع ايران، سيجعل الاخيرة تذعن للارداة الامريكية، فهي تحاول ان تختبر بين وقت واخر مدى تمسك ايران باستقلال قرارها وسيادتها وكرامتها، فقبل ايام اعترض المتحدث باسم الخارجية الامريكية جون كيري على رسالة المواساة التي بعثها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى الامين العام لحزب الله سماحة السيد نصرالله بمناسبة استشهاد القائد الكبير في الحزب مصطفى بدر الدين في سوريا، واصفا الرسالة بانها محبطة، وواصفا الحزب بنعوت لا تليق الا بامريكا وربيبتها "اسرائيل" واذنابها في المنطقة.
تتصور امريكا ان ايران لا تريد افشال الاتفاق النووي الذي ادى الى رفع الحظر الاقتصادي الغربي عنها، لذلك يمكن ان "تتساهل" في مبادئها واهدافها، بينما الحقائق على الارض تؤكد ان الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1، وهو اتفاق فرضته ايران على القوى الكبرى، بعد ان عجزت امريكا و"اسرائيل" في حرمان ايران من حقوقها النووية، وان حاجة امريكا الى هذا الاتفاق لا يقل عن حاجة ايران اذا لم يكن اكثر.
يبقى حزب الله من وجهة نظر ايران، حزبا اسلاميا مقاوما، في وجه العدوان الصهيوني والعصابات التكفيرية، وان امريكا ليس بمقدورها ان تغير قناعات ايران الثابتة، كما غيرت قناعات الحكومات العربية الدائرة في فلكها، من حزب الله والصراع مع الصهيونية، بل ان ايران تعتبر حزب الله رأس الحربة في مواجهة المشروع الامريكي الصهيوني العربي الرجعي في المنطقة.
افضل رد ايراني على التصور الامريكي الخاطيء في احتمال تغيير بوصلة ايران بعد الاتفاق النووي، كان في الاصرار على تعزيز ترسانة الصواريخ الايرانية نوعا وكما، رغم كل الضجة الامريكية الصهيونية المفتعلة، دون ان تؤثر هذه الضجة على القرار الايراني في مواصلة تعزيز قوة الردع الايرانية التي كانت السبب الاول والاخير في قبر احلام امريكا وربيبتها "اسرائيل" بالعدوان على ايران.
هذه السياسة الامريكية المتغطرسة نرى ملامحها ايضا في سوريا، حيث تحاول امريكا ان تكون هي الفيصل في تحديد من هو ارهابي ومن هو ثوري، ففي الوقت الذي تؤكد كل الوقائع والتطورات في سوريا منذ سنوات ان جماعات تكفيرية مثل جيش الاسلام واحرار الشام المنضوية مع فرع القاعدة في سوريا "جبهة النصرة" تحت لواء ما يعرف "جيش الفتح" لا تقل اجراما وتطرفا وارهابا وطائفية عن القاعدة و"داعش"، نرى امريكا تحاول بكل ما اوتيت من قوة  تسويق هذه المجاميع الارهابية على انها معارضة معتدلة، وتسعى لفرض هذه الرؤية على المجتمع الدولي.
في الوقت الذي مازالت ترفض امريكا دعوات روسيا الى اعتبار هذه الجماعات التكفيرية جماعات ارهابية، هاجمت و"أحرار الشام" و"اجناد حمص" و"فيلق حمص" و "كتائب اهل السنة"، وهي مجاميع مصنفة معتدلة امريكيا، الى جانب فرع القاعدة في سوريا "جبهة النصرة"، بلدة الزارة في ريف حماة الجنوبي يوم الخميس 12 مايو / ايار، وارتكبت مجزرة بشعة ضد الاطفال والنساء واختطفت العشرات من اهالي البلدة، بعد ان قامت بأعمال تدمير وتخريب وسلب ونهب لمنازل المواطنين وممتلكاتهم، والسبب؛ انهم علويون فقط!!
وذات السياسة الامريكية بعدم اعتبار الجماعات التكفيرية مثل "جند الأقصى" و"أحرار الشام" وجماعات اخرى متحالفة مع "جبهة النصرة"، ارهابية، هي التي ساهمت في سقوط بلدة خان طومان بيد الجماعات التكفيرية، التى استغلت هدنة وقف اطلاق النار فشنت هجوما قادته "جبهة النصرة"، المصنفة ارهابية امريكا والمتحالفة مع الجماعات المعتدلة امريكيا!!، على البلدة، وسقط العديد من الشهداء فيها بينهم مستشارون ايرانيون.
نظرة شاملة لتطورات الاحداث في سوريا والعراق واليمن ولبنان والمنطقة بشكل عام، تؤكد ان السياسة الامريكية المتغطرسة لا يمكن فرضها على الشعوب الرافضة لهذه الغطرسة، وان ما يحدث في سوريا منذ خمس سنوات، وما يشهده لبنان واليمن والعراق وفلسطين من تبلور ارادة شعبية صلبة، والصمود الاسطوري لايران منذ اكثر من 35 عاما، كلها شواهد تؤكد ان ارادة  الشعوب تبقى هي الاقوى.

* شفقنا


205