هذا ما تحتاجه الأسرة السورية لكي تعيش حياة مماثلة لعام 2010!!

هذا ما تحتاجه الأسرة السورية لكي تعيش حياة مماثلة لعام 2010!!
الإثنين ٠٦ يونيو ٢٠١٦ - ٠٣:٢٢ بتوقيت غرينتش

بحث أجراه "مركز فيريل للدراسات" ببرلين، في سوريا خلال شهر أيار 2016، في الأحوال الصحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب السوري، حيث أوضح البحث، انه رغم سنوات الحرب الخمس في سوريا، فالملاحظ أنّ المواد الأساسية متوفرة ولم تعان الأسواق من فقدانها سوى لفترات قصيرة.

وبحسب "دي برس" فإن الدراسة أشارت الى أنه بالإضافة لتوفر المنتجات النسيجية والصناعية والكهربائية والتكنولوجية، فقد استطاعت الدولة السورية التكيّف مع الظروف والعقوبات المفروضة، واتجهت إلى الأسواق الشرقية لشرائها، لكن المشكلة الكبرى كانت في ارتفاع الأسعار الجنوني، وعدم قدرة المواطن السوري على شرائها، فأصبح بالنسبة له سيّان؛ وجودها من عدمه. ويكفي أن نعلم أنّ عائلات كثيرة بات وجود اللحم على موائدها نوع من الرفاهية، خاصة إن علمنا أن راتب الموظف العادي يمكنه شراء 4 كلغ من اللحم فقط.

الأسرة الفقيـرة: وصلت نسبة الفقر في سوريا بسبب الحرب إلى رقم مخيف، هو 86,7%، وبحسب مركز فيريل للدراسات في برلين فإن خط الفقر هو ما دون 1200 ليرة يومياً كنصيب للفرد الواحد، أي ما يعادل 2 دولار، وبالتالي كل فرد مدخوله الشهري أقل من 60 دولاراً أي 36000 ليرة سورية هو دون خط الفقر العالمي، وقد اتخذ المركز في دراسته العائلة السورية المكونة من 5 أفراد فقط، حيث يبلغ متوسط راتب موظف معيل لأسرة مكونة من 5 أشخاص 24000 ليرة سورية عام 2016، وهو لا يكفي لفرد واحد من عائلته، وتبلغ حاجة هذا الفرد الدنيا الشهرية كما ذكرنا 36000 ليرة سورية، وبالتالي تكون حاجة الأسرة بكاملها 180000 ليرة سورية، أي أنّ الأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد ودخلها الشهري هو 180000 ليرة سورية، تكون عند خط الفقر العالمي. ولا يختلف هذا الرقم عن معايير الفقر العالمية التي حددها البنك الدولي، حيث رفع البنك خط الفقر إلى 1,90 دولاراً في اليوم للفرد الواحد. وبذلك يرى مركز فيريل للدراسات أنّ أخطر الأعوام اقتصادياً على المواطن السوري هو عام 2016، بسبب الارتفاع الهائل في تكلفة المعيشة للفرد، خاصة الذي خسر عمله نتيجة الوضع الأمني وإغلاق الكثير من المشاريع، بالإضافة لخسارته منزله واستئجاره غرفة أو منزل صغير، فبات همّه اليومي تأمين الغذاء ومصادر التدفئة وتكاليف المواصلات والفواتير، فهل يكفي هذا الرقم لشخص مثله؟. والسؤال الأهم : كيف يمكن تأمين مبلغ 36000  ليرة سورية شهرياً للفرد الواحد؟.

الأسـرة المتوسـطة: تضاءلت أعدادها بشكل كبير، كونها كانت معظمها عند الخط الفاصل بين المستوى المتوسط والفقير. وانخفضت القوة الشرائية لليرة السورية 91,66%، بحسب ما قدره مركز فيريل للدراسات على حساب أن الدولار يساوي 600 ليرة، لكن اليوم بتاريخ 31 أيار 2016، وصل سعر الدولار إلى 420 ليرة وهو بهبوط مستمر، تكون الليرة السورية قد خسرت 88,09% من قيمتها الشرائية أمام الدولار، وبالتالي فإن الأسرة المتوسطة الدخل التي انخفض تعدادها إلى أقل من 10% من المجتمع، باعتبار أن نسبتها كانت قبل الحرب 60% من الشعب، تحتاج شهرياً لـ 240 ألف سورية كمدخول شهري، لكي يستطيعوا تأمين حياة كريمة متوسطة، فوق خط الفقر، دون أي ترفيه، أي ومقارنة مع عام 2010؛ يجب أن يكون راتب الموظف السوري عام 2016 هو 240 ألف ليرة سورية كي يعيش حياة مماثلة لما كان عليه عام 2010.

حلول اسعافية ومكافحة فساد التجار

حسب مركز فيريل للدراسات، الوضع الاقتصادي والحالة المعيشية المتردية بالإضافة للفساد وجشع التجار، يمكن أن تؤدي إلى مجاعـة حقيقية في سوريا، وقد ينعكس ذلك باضطرابات أكبر، والوضع يتطلب من الحكومة حلولاً اسعافية سريعة، بزيادة دعمها لجميع السلع الأساسية، كالأرز والخبز والسكر والزيت والطحين ومواد التدفئة، كما كان عليه الوضع قبل الحرب، بالإضافة لتحجيم تدخلات كبار التجار واحتكارهم للسوق، ومحاربة الفساد.

يلفتُ مركز فيريل للدراسات إلى أنّه رصد الكثير من الحالات التي لا تصل فيها المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية أو المنظمات الدولية، لقسم كبير من اناس محتاجين، وتصل لعائلات ميسورة وغنية، ويقوم الأشخاص الذين أوكلت لهم مهمة توزيع المساعدات بالإتجار بها أو تخزينها، أو مضاعفة حصصهم بتزوير الأسماء أو مكان الإقامة، كأن يقوم الشخص بتغيير السجل المدني من منطقة آمنة، ويضعه في منطقة مهدمة، فيصبح من النازحين أو المهجرين. تتضمن السلة الغذائية للهلال الأحمر 10 كغ أرز، 5 كغ سكر، 3 كغ معكرونة، 4 كغ برغل، 6 ليتر زيت، 6 كغ فول، كيلوغرام ملح، 5 كغ عدس، 5 كغ حمّص. توزع كل شهرين، بالإضافة لتوزيعها في الفترة القريبة الماضية لفرشات اسفنج، توزع بعض الجمعيات إعانات مالية بين 30 و40 ألف ليرة للأسرة الواحدة، أو تعطي سلل تحوي منظفات وصابون ومحارم وبطانيات، بالإضافة للدورات التعليمية والتثقيفية لجميع الأعمار، وتقدّم بعض الجمعيات علاجات نفسية وتساعد في تغطية تكاليف العمليات الجراحية وترميم المنازل المهدمة.

تأسست نتيجة الحرب عشرات الجمعيات الخيرية، وكانت محلية أو خارجية التمويل، حكومية وخاصة مدنية أو دينية، بلغ عدد الجمعيات المرخص لها قرابة 100 جمعية، قدمت خدمات وخبرات أفرادها للشعب السوري، وقد رصد مركز فيريل للدراسات أقل من 30 جمعية ناشطة فقط، وذات أهداف إنسانية وتقوم بعملها بشكل جيد أو مقبول، بينما كانت باقي الجمعيات مصدراً للكسب غير المشروع أو طريقاً للشهرة أو ذات غايات بقصد جمع معلومات ما، أو نشطت فترة قصيرة ثم توقفت بسبب نقص التبرعات. تتوزع هذه الجمعيات في المناطق الأكثر أمناً. أدت زيادة عدد الجمعيات لضياع المواطن بين خدماتها ومواعيد تقديمها، بالإضافة إلى البعد الجغرافي بين مراكزها وفروعها، علاوة على التغيير في خططها أو التخفيف في عطاءاتها نتيجة نقص التمويل وغيرها من الأسباب، يؤدي هذا إلى اعتماد المواطن على أكثر من مورد أو تغييره للمورد وفقاً للمتغيرات.

انخفاض الجودة وارتفاع الاسعار

لم تعد جودة المنتجات ذات أهمية كبيرة للمواطن السوري، بل سعرها. فلم يعد يشتري الدجاج البلدي، أو لحم الضأن بسبب غلاء سعره، وأصبح يشتري لحوماً مُجمّدة، أرخص سعراً. كما يشتري المواطن الأنواع الرخيصة من مشتقات الألبان والزيوت الغذائية والمعلبات، بالإضافة للمنظفات ومعاجين الأسنان والأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية وغيرها، مما يُعرضُ في أسواق “الدوغما” التي نشط سوقها بشكل كبير. ويعتبر هذا مؤشراً سلبياً وخطيراً على ما آلت إليه أولويات المواطن وطريقة تفكيره ومعالجته للأمور، حيث أصبح يفضل الطعام الخالي من القيم الغذائية ومعايير السلامة، أمام هذا التخبط الجنوني للأسعار.

مقارنة بعام 2010، ارتفعت أسعار الخضار لعام 2016 بنسبة 1690%، وارتفعت أسعار الفواكه بنسبة 1310%، كما ارتفعت الألبان والأجبان بنسبة 1180%، أما أسعار اللحوم فقد ارتفعت بنسبة 1100%، كان سعر ربطة الخبز  15 ليرة للـ1800غ، فأصبح 50 ليرة لـ 1300غ ، المشروبات الغازية ارتفعت بمقدار 1200% . تقدر نسبة ارتفاع سعر الألبسة بمقدار 320%، ارتفعت تكاليف المواصلات 700% لباصات النقل الداخلي الحكومية و500% للميكرو باصات الخاصة، أما شركات النقل الخاصة فقد ارتفعت بمقدار 400%، ويصل ما ينفقهُ المواطن إلى 2100 ليرة شهريا على الأقل على المواصلات، سواء بباصات النقل الداخلي الحكومي أو الميكرو باصات. وصلت نسبة ارتفاع أجور سيارات الأجرة /التاكسي/ ضمن المدينة إلى 660%.

فواتير الكهرباء والمياه: تبلغ فاتورة الكهرباء وسطياً لدورة واحدة حوالي 2000 ليرة، بينما تبلغ فاتورة المياه وسطياً ولدورة واحدة حوالي 500 ليرة، أما فاتورة الاتصالات فتبلغ 2000 ليرة للدورة الواحدة وسطياً. ما ينفقه الفرد على التدفئة فيبلغ 28000 لكل 200 ليتر مازوت،  وهذا ما كانت عليه الأسعار خلال شتاء 2015 أي يصرف خلال شهر 2333 ليرة لمادة المازوت. بالنسبة لمن لا يستطيع شراء مادة المازوت فقد كان لديه خلال السنوات السابقة خيار التدفئة على الحطب، إلا أن سعر طن الحطب ارتفع إلى 40000 ليرة بعد أن كان في بداية الحرب 12000 ليرة، وقد اضطر كثيرون لحرق الملابس البالية أو البلاستيك أو أي مادة قابلة للاشتعال، للحصول على الدفء.

كمثال مجرد على غلاء المعيشة بالنسبة للمواطن السوري في أيار 2016: عائلة مكونة من خمسة أفراد، يتناولون ثلاث وجبات يومياً، هي سندويشة فلافل للفرد في كل وجبة، سعر السندويشة هو 200 ليرة، رب العائلة سيدفع 90 ألف ليرة سورية شهرياً للغذاء فقط.

غلاء العقارات

بالنسبة للعقارات والسيارات، فقد ارتفعت أسعارها مقارنة بالليرة السورية، وانخفضت مقارنة بالدولار، بشكل عام ارتفعت بنسبة 500% بالنسبة لليرة. فعلياً؛ انخفضت أسعار العقارات إلى النصف، وبيعت عقاراتٌ حديثة البناء بسعر التكلفة، وعانى سوقها من ركود لسنوات، لكنه مع بداية 2016 عاد للانتعاش من قبل التجار والأثرياء السوريين وغير السوريين، الذين استغلوا الظروف وراحوا يشترون عشرات الشقق السكنية والمحلات في المدن الرئيسية. كما أنّ هجرة مئات الآلاف من السوريين، دفعتهم لبيع عقاراتهم لتأمين تكاليف رحلة اللجوء إلى أوروبا.

قببل عـام 2011: ارتفعت أسعار السلع والبضائع بشكل بطيء خلال السنوات التي سبقت عام 2011، وبمعدل أعلى من المعدل العالمي بقليل، نتيجة السياسات الاقتصادية التي كانت منتهجة آنذاك وارتفاع أسعار المواد المستوردة عالمياً.

فارتفعت الأسعار مابين عامي 2000 و2010 بمعدل وسطي قدرهُ 50%، وذلك بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي، وسوء تطبيقها لانعدام الخبرة وعدم وجود قاعدة اقتصادية محلية وطنية صلبة، تستطيع استيعاب مثل هذه السياسات وتذويبها في بوتقتها، بحيث لا تؤثر بشكل ملحوظ على الأسعار وعلى نشاط السوق المحلية وتصريف منتجاتها، فتحافظ على مستوى معيشة المواطنين وقدرته على شراء السلع المستوردة أيضاً.

بعد الانفتاح الاقتصادي، بدأ الخط البياني للاقتصاد السوري بالانحدار البطيء. ثم جاءت اتفاقية التجارة الحرة مع الحكومة التركية عام 2004 والتي دخلت حيز التنفيذ 2007، يومها وصفها مسؤولون اقتصاديون بالزواج الكاثوليكي، لكنهم نفسهم عادوا ليتحدثوا عنها بأنها كانت مجحفة بحق الاقتصاد السوري، سببت هذه الاتفاقية خسائر كبيرة للمشاريع التجارية المتوسطة والصغيرة، كالمعامل وورشات صناعة الألبسة والأثاث المنزلي، التي كانت تعيل الكثير من الأسر بالإضافة إلى الحصص السوقية الكبيرة التي كانت تشغلها. ترافق ذلك مع رفع الدعم التدريجي والبطيء لهذه المشاريع وبخطط عشوائية مثيرة للتساؤل، انعكس ذلك سلباً على الحالة الاقتصادية المستقرة التي كان ينعم بها السوريون، حيث كان بإمكان المواطن السوري تأمين لقمة عيشه بفجوة ضئيلة بين مستوى دخله وانفاقه، ويمكنه تأمين مستوى دراسي وتنموي لأبنائه يتدرج بين المناطق السورية، الإجراءات الاقتصادية تلك، ثم الحرب الطاحنة التي فتكت بالاقتصاد وبالتالي السياحة والصناعة والتجارة والزراعة، كل هذا أدى إلى انقطاع شبه تام لموارد البلاد، ويمكن القول بوضوح “بدأ انهيار الاقتصاد”.

حسب مركز فيريل للدراسات؛ ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل عام في سوريا بين عامي 2010 و2016 ما قدرهُ 1155%، لهذا وكي يتناسب هذا الارتفاع مع دخل المواطن يجب أن يكون دخل العائلة السورية الشهري كحد أدنى هو 240000 ليرة سورية.

4