"داعش" بين فضيحة الدور وفضيحة التمويل

الثلاثاء ٠٩ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٧:٣١ بتوقيت غرينتش

قبل ايام اجرت قناة “العالم” الفضائية لقاء مع الشيخ مأمون رحمة، إمام وخطيب المسجد الأموي في دمشق، الذي تمكن من الهرب من “الدواعش”، الذين كانوا قد اختطفوه وطلبوا منه ان يعمل مفتيا لهم لشرعنة قتل اهل السنة الذين يعملون في الأجهزة والمؤسسات الحكومية في سوريا، والشيعة والعلويين “الكفار”، مقابل 1500 دولار.

الشيخ رحمة اشار في حديثه لقناة “العالم” الى التعذيب الوحشي الذي تعرض له خلال وجوده في قبضة “الدواعش” والتكفيريين بسبب رفضه التعاون معهم، وقال انهم عندما يأسوا من استمالته لجانبهم اطلقوا النار عليه واصيب في رقبته وظن المسلحون بأنه قد مات فتركوه وهربوا من المكان، الا انه تمكن باعجوبة من الوصول الى المستشفى حيث تم علاجه من الاصابات التي تعرض لها.

رغم ان الحديث عن الجرائم الوحشية ل “داعش” لم يعد يثير الإهتمام لدى الكثيرين، بعد ان بيض “الدواعش” صفحة كل مجرمي التاريخ، بجرائمهم التي فاقت كل تصور يمكن ان يخطر ببال انسان عن حدود الوحشية والدموية التي يمكن ان يصل اليها البشر، الا ان الشيخ رحمة وهو يتحدث عن التعذيب الذي تعرض له على يد “الدواعش”، اشار الى نوع من التعذيب، يجب الا نمر من امامه مرور الكرام، ليس فقط لكونه نوع جديد من انواع التعذيب الداعشي، بل لما يحمله من دلالات تكشف جانبا من طبيعة “داعش” والمهمة التي تنفذها امتثالا لاوامر اسيادها الصهاينة والامريكيين والرجعية العربية، وهو قيام التكفيريين بقطع أذن الشيخ رحمة وأجباره على أكلها!!.

مما لا شك فيه ان هذه الجريمة مقززة، ولم يسبق “داعش” اليها اي جماعة ارهابية في العالم، ولسنا هنا بصدد ان نكيل السباب والشتائم ل“داعش” على هذه الجريمة البشعة، فمثل هذا الكلام لم يعد يجدي نفعا، الا اننا هنا بصدد التحذير من بشاعة المخطط الذي يستهدف الاسلام، وبشاعة الجهات التي تقف وراء “داعش”، والتي تمدها بكل اسباب الحياة.

“داعش” بررت كل جرائمها الوحشية السابقة استنادا الى احاديث مزيفة وكاذبة ووقائع لا وجود لها في الإسلام، امعانا في تشويه صورة هذا الدين الالهي العظيم، كما في حرق واغراق وتفجير والتفنن بتعذيب وقتل الضحايا، الا ان من الصعب هذه المرة على “داعش” ان تشرعن قضية اجبار الضحية على ان يأكل قطعة من جسده، لاننا نعتقد بعدم وجود اي دليل يمكن ان تستند اليه “داعش” ل“اسلمة” هذه الجريمة المقززة، لأن مثل هذه الجريمة لم تخطر حتى على بال كل جبابرة التاريخ وطغاته.

البعض ومن هول الصدمة وصف جريمة “الدواعش” بحق الشيخ مأمون رحمة، بانها “سادية”، اي مرضية، ومثل هذه الجريمة لا يرتكبها المجرم العادي او المتطرف، بل “شخص مريض” مصاب ب“السادية”، الا اننا ورغم احترامنا لمشاعر هؤلاء الناس الذين حاولوا اقناع انفسهم بهذه الطريقة، على الأقل من اجل تحملها، اي تحمل هذه الجريمة غير العادية، والتحرر من ضغطها، نرى ان ما قامت به “داعش” في إجبار الشيخ رحمة على اكل اذنه بعد قطعها، ليس “سادية” ولا حالة مرضية، بل هي جريمة مدروسة اُعد لها من قبل، وان ما خفي اعظم، لسبب بسيط، وهو ان هذه الجماعة وباقي الجماعات التكفيرية، وجدت اصلا من اجل هدف واحد لا غير وهو محاربة الإسلام، بعد ان اكدت المراكز البحثية في الغرب ومنذ عقود طويلة، ان الاسلام سيكون الدين الاكثر انتشارا في المعمورة وفي فترة قياسية، لما يوفره من غذاء روحي للانسانية العطشى والضائعة في صحراء المادة.

ما فعله الدواعش مع الشيخ رحمة يتعارض مع الاسلام جملة وتفصيلا، فهذه كتب الاسلام الصحيح والاصيل تؤكد بالقطع تحريم أكل لحم الإنسان، فهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، فالإسلام كرم الإنسان وحرم مجرد غيبته ونفر منها بالتوبيخ لأولئك الذين يغتابون الناس ويرتعون في أعراضهم، وشبههم بمن ينهشون لحوم إخوانهم من البشر الموتى، وإذا كان هذا التشبيه لمجرد التنفير من الغيبة، فما بالك بأكل لحم البشر مباشرة، لا شك أن ذلك أشد تحريماً وأعظم تجريماً…. وكراهة هذا النوع من الفعل هي مقتضى الطبع السليم والعقل الصحيح، فمجرد تصوره تتقزز منه النفس وتأباه الطبيعة، ولهذا قال تعالى بصيغة الاستفهام الإنكاري الذي يفهم منه توبيخ من يفعل ذلك “أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ“.

الاسلام الذي تحاربه “داعش”، أباح أكل كل طيب نافع وحرم أكل كل خبيث ضار. فقال الله تعالى: “يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ”، والطيبات من الأطعمة كل ما فيه نفع للعقل والبدن، أو لذة في الطعم بشرط ألا يضر ذلك بالبدن أو العقل، ومن هذه الآية يفهم تحريم كل خبيث مضر، حيث يقول الله تعالى: “وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ“.

جريمة “داعش” بحق الشيخ رحمة، كشفت وبشكل لا لبس فيه، وفي آن واحد، حقيقة “داعش”، وهي مجموعة من المرتزقة تعمل لصالح الثالوث الصهيوامريكي العربي الرجعي، وكذلك حقيقة الهدف الذي يسعى هذه الثالوث غير المقدس تحقيقه، وهو تشويه صورة الاسلام على يد عصابات من المرتزقة، تحمل ظلما وعدوانا راية الاسلام، وهي راية انطلت وللاسف على السذج والبسطاء من المسلمين، لكن الظلم الذي تعرض له الشيخ مأمون رحمة وامثاله، هو الذي سيفضح باذن الله تعالى، “داعش” ومن جاء بها ومولها وسلطها على رقاب المسلمين.

• شفقنا
208-4