شاهد.. كاميرا جندي إسرائيلي توثّق "رحلة الموت" في عيناتا

شاهد.. كاميرا جندي إسرائيلي توثّق
الأحد ١٤ أغسطس ٢٠١٦ - ١٠:٢٢ بتوقيت غرينتش

قبل عشر سنوات، وتحديداً يوم السبت في 12 آب 2006، كانت السرية 53 من الكتيبة 188 التابعة للواء «جولاني» في جيش الاحتلال، تحاول التقدم شمال مدينة بنت جبيل، فكان أن وقعت في كمين محكم عند اطراف بلدة عيناثا.

يومذاك، تمكن رجال المقاومة من إطلاق صاروخ «كورنيت» على دبابة «ميركافا»، ما أدى إلى تدميرها ومقتل مساعد قائدها تسماح عوز (رقمه العسكري 5309911 ـ قبره في جبل هرتسيل بالقدس المحتلة)، وثلاثة جنود آخرين هم الرقيب لاف هرون (آمر اتصال رقمه 5280489 ـ قبره في مستوطنة معين باروخ) والرقيب المساعد دان بروير(رقمه 7708047 ـ قبره في مستوطنة بيت هلل) والرقيب يونان نيسان (رقمه 6883291 ـ قبره في جبل هرتسيل).
في اليوم نفسه، لا بل في المكان نفسه، وعلى بعد أمتار من الدبابة المحترقة، وأثناء محاولة الفرقة 12 من وحدة «الحصان الجامح» (سوسي هيبري) التابعة للواء «جولاني» نفسه، الخروج من أحد المنازل عند الطرف الشرقي لعيناثا (لم يتمكن الاحتلال من احتلال وسط البلدة وأطرافها الغربية والجنوبية) من أجل نجدة طاقم الدبابة المحترقة، وقعت هذه الفرقة في كمين ثان نصبه المقاومون الذين أجبروا جنود الفرقة على الانسحاب مخلّفين وراءهم آثار الهزيمة من أسلحة وعتاد وبينها «كاميرا» لأحد جنود الفرقة 12 يرجّح أن تكون للجندي القتيل يونان. فماذا وثقّت هذه الكاميرا؟

جندي اسرائيلي داخل منزل عند أطراف عيناتا الشرقية خلال حرب تموز 2006


إنها الساعة الرابعة إلا ثلاث دقائق من بعد ظهر 13 تموز 2006، تتوقف دبابة نصف مجنزرة قرب الشريط الحدودي الشائك قبالة سهل مارون الراس. تبدو القرية من جهة فلسطين المحتلة مقيمة في مرتفع هادئ. أربع صور حدودية تختصر حال الجنوب يومها. إنه هدوء ما قبل العاصفة. يمر الوقت، تلتقط صورة جديدة في 28 تموز عند الساعة 4:20 عصراً. قناص إسرائيلي داخل مدرسة في بنت جبيل يجلس على كرسي وضع فوق طاولة مدرسية، ومن خلف ستار النافذة، يصوب بندقيته كما لو انه يستعد لاطلاق النار على هدف ما. صور أخرى متلاحقة في 31 تموز لأربعة جنود من الفرقة الـ 12 بكامل عتادهم وأسلحتهم يموّهون وجوههم كما لو انهم في معركة والساعة تشير الى الحادية عشرة الا 12 دقيقة ليلاً.
الفرقة الاسرائيلية التي كانت متمركزة في هضبة الجولان السوري المحتل انيطت بها مهمة قتالية ثالثة خلف خطوط النار. في الثاني من آب، استقرت المجموعة في احد المنازل عند أطراف عيناثا الشرقية من جهة عيترون. أولى الصور في احد بيوت عيناثا، كانت عند الساعة 5:58 دقيقة، وبدا فيها الجنود في حالة استرخاء، وهم ينتشرون في أماكن عدة من المنزل.
تتكرر الصور على مدى الأيام الخمسة التالية، أي حتى السادس من آب. يتضح من الصور أن الجنود كانوا يمتلكون من الوقت ما يكفي لالتقاط «سيلفي» مع «قجة المقاومة الإسلامية»، فقد قام عدد منهم بالتقاط صور وهم يضعون ألف ليرة لبنانية في «قجة» «هيئة دعم المقاومة» وبدت عليها صورة للسيد حسن نصرالله، إضافة إلى صورة بجانب صاروخ «لاو» تظهر عليه الأحرف العبرية، ثم تظهر صورة لجندي إسرائيلي يقوم بالمراقبة عبر منظار من خلال نافذة المنزل وآخر يحمل قناصة وهو في وضعية قتالية، وهذه الأخيرة هي الصورة الأخيرة، وقد التقطت عند الساعة الثالثة والربع من عصر التاسع من آب 2006، أي قبل يومين فقط من حصول تلك المواجهة العنيفة حيث تكتمت "إسرائيل" على العدد الفعلي لقتلاها في مربع بنت جبيل ـ عيناثا ـ عيترون ـ مارون الراس.
روى الإعلام الإسرائيلي في ذلك اليوم نقلاً عن جنوده أنهم خاضوا معركة قاسية في منطقة وعِرة شهدت سيطرة نيرانية وميدانية للمقاومة وخصوصاً مع تمدد رقعة الاشتباك لناحية حرش كونين، ما اضطر الجيش الإسرائيلي إلى استقدام قوات إضافية بما فيها تنفيذ إنزال جوي للتمكن من سحب جنوده والدبابة المدمرة وأخرى تعطلت بعد سقوطها في حفرة (سحبت لاحقا بواسطة مروحية ضخمة على مرأى عدد كبير من سكان عيناثا).
وجد المقاومون في الكاميرا المصادرة 131 صورة فوتوغرافية، 51 صورة وثّقت التوغل الإسرائيلي قبل ساعات من معركة عيناثا. 80 صورة في بولندا تؤرخ زيارة الى «معسكر أوشفيتز»، قامت بها بعثة عسكرية إسرائيلية تضم جنوداً وضباطاً من مختلف القطاعات الحربية، بما فيها الأوركسترا العسكرية وجنود احتياط وموظفون مدنيون في الجيش.
تلك الزيارة هي تقليد إسرائيلي سنوي، يكون خلاله جنود الجيش الإسرائيلي «شهوداً بالزي الرسمي» (عديم بوليم) على ما تعرض له اليهود في «اوشفيتز» على يد النازيين، ليكون ذلك بمثابة قَسَم من قبل الجنود وهم في زيهم العسكري بألا تتكرر تلك الأحداث كجزء من تثبيت العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي.
وعلى مدى ثلاثة ايام، ابتداء من صباح 14 ايار 2006 وحتى 17 منه، شرع الرائد في سلاح المدرعات (صاحب الكاميرا) بالتقاط صور المعسكر من الخارج قبل ان ينتقل الى الداخل ويجوب باحاته وعنابره ويؤرخ بكاميرته كل ما يراه. هنا صورة للشمعدان. اكواب وشموع. ازياء دينية، ثم صورة لدرج المحرقة وهناك النصب التذكاري وسكك القطار الذي كان يقل المدنيين الى حتفهم، اضافة الى لوحات تحاكي تجارب اجريت على نساء يهوديات بهدف منعهن من الانجاب، كتبت باللغات العبرية والبولندية والانكليزية.
لا ينسى الضابط شيئا، فيقوم بتصوير مدخل المعسكر ونافذته قبل أن يلتقط عددا من الصور مع صديقته الملازم أول في المدرسة التقنية التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. تمضي البعثة التي قادها عميد (حسب الصور) يومها الطويل في «اوشفيتز» وتغادره عند الساعة السابعة وثماني دقائق من مساء 14 أيار بعد أن تلتقط العديد من الصور الجماعية وقد توسط معظمها الى جانب العميد رجل متقدم في السن يبدو انه احد الناجين من المحرقة، فالزيارة وهي نوع من «التعمد» تحتم وجود «ناج» ضمن أعضاء الوفد الرسمي.
يلتفت الجندي الى راهبتين مسيحيتين تخرجان من بوابة المعسكر، فيلتقط صورة لهما حيث يظهر فارق التوقيت دقيقة واحد فقط بينهما. يغادر الوفد وفي اليوم الثاني، أي في 15 ايار، يبدأ جولته السياحية في احدى قلاع بولندا القديمة.
يتفرغ الضابط الصهيوني في 16 و17 ايار لتمضية وقته الخاص مع صديقته وهما بلباسهما المدني كسائحين متجولين لتلتقط الكاميرا اخر صورة لمجموعة من الجنود يشاهدون عرضاً مسرحياً عند الحادية عشرة من مساء 17 ايار 2006، قبل العودة الى تل ابيب.. ومنها في تموز الى «المقبرة اللبنانية».

* نبيه عواضة ــ السفير

4