نهاية المملكة السعودية العربية؟

نهاية المملكة السعودية العربية؟
الأربعاء ٠٧ سبتمبر ٢٠١٦ - ٠٧:٤٦ بتوقيت غرينتش

كثيرة هي الحروب التي كانت أسبابها تافهة “كحرب البسوس” مثلاً، وعديدة هي الحروب التي كان سببها شخصًا بغض النظر عن أهميته، الحرب العالمية الأولى مثلاً مقتل “الوريث النمساوي” أحد الأسباب الرئيسية لتلك الحرب الدموية، ليس مهم التبرير؛ فالأقوياء لا يبالون بالمبررات بقدر ما يبالون بمهاجمة الضعفاء والسيطرة عليهم، إذ “جورج بوش” بناءً على وحي من الإله في إحدى أحلامه احتل العراق، وأسخف ما تكون مبررات العقول المستعمرة.

ما أود الحديث عنه هو مصير المملكة العربية السعودية بعد المجريات التي بدأت منذ إعدام الشيخ نمر النمر ومحاولة تحليلها والوصول إلى نهاية هذه الأزمة ومصيرها على السعودية، وعليه فإن حديثنا سوف يكون على المواقف وردود الأفعال الإقليمية والغربية تجاه الأزمة ومجرياتها، كما معلوم ردود الأفعال كثيرة مختلفة ومتباينة، لكن ما يعنينا من كل المواقف وردود الأفعال ثلاث دول فقط هي (أمريكا، بريطانيا، الأردن) أجد في مواقفها مفاتيح هذه الأزمة الغامضة ونهايتها ومصيرها.

أمريكا تخذل السعودية:

اعتدنا بأن أمريكا هي الأب القوي للمملكة السعودية والراعي الرسمي لها، إذ لا يخلو موقف سعودي وإلا ولحقه دعم أمريكي له منذ عقود، لكن اليوم نرى سابقة مثيرة بهذا الصدد، وهي اتسام المواقف الأمريكية تجاه السعودية بالبرود والسلبية حول “إعدام النمر”، حيث صرحت أمريكا على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “جون كربي” قائلاً: “الولايات المتحدة تحث حكومة السعودية على السماح بالتعبير عن الاحتجاج بطريقة سلمية، وطالب الرياض «باحترام وحماية حقوق الإنسان” أما عن الموقف الأمريكي تجاه حرق السفارة السعودية وقرار السعودية بقطع علاقتها مع إيران، ردت الإدارة الأمريكية على القرار “علمنا أن السعودية أمرت بإغلاق البعثات الدبلوماسية الإيرانية في المملكة” مضت الإدارة تعبر موقفها قائله: “نعتقد أن التواصل الدبلوماسي والمحادثات المباشرة تظل أمرًا جوهريًا في حالة الخلافات وسنواصل حث القادة في المنطقة على اتخاذ خطوات جادة لتهدئة التوتر”

بعيدًا عن المواقف الرسمية والحجم الذي تتسب بإثارته من شكوك وغرابة، لدينا كذلك مواقف “الإعلام الأمريكي” قبل استعراض مواقف الصحف والوكالات الإعلامية الأمريكية، أود الإشارة حول نقطة رئيسية وهي أهمية الإعلام الأمريكي في السياسة الأميركية واعتباره مرآة السياسية الأمريكية ونواياها، كما معلوم تلك الأهمية، حيث أمريكا اعتادت على توظيف الإعلام في ترويج الحملات الدعائية والتجميلية للسياسة والأهداف الأمريكية سواء في إقناع الرأي العام الأمريكي أم الدولي ومن الأمثلة البسيطة على ذلك “احتلال العراق” معروف لدى المتابع كيف ساهم الإعلام الأمريكي في إقناع الرأي العام الأمريكي والدولة بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل وضرورة احتلاله، وبعيدًا عن الماضي لدينا اليوم مثال في الواقع آخر، وهو مسألة محاربة أمريكا في القضاء على تنظيم الدولة (داعش)، إذ لا يخفى الكم الهائل والدور الفاعل الذي يمارسه الإعلام في تبرير تلك الحرب ودعمها وتجميلها دوليًا ومحليًا، أما عن مواقف الإدارة الأمريكية التي تعتبر نذير مشؤوم نبدأها مع “صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية”.

حيث هاجمت الصحفية المملكة العربية السعودية في مقالة أبرز ما جاء فيه نصًا “أن الغرب في كفاحه ضد الإرهاب فإنه يشن حربه ضد طرف “داعش” ويمسك بأيدي طرف آخر للإرهاب وهو “السعودية”، مشيرة إلى أن الوهابية هي أصل الفكر المتطرف الذي يعتنقه إرهابيو داعش وغيرهم.” واستمرت الصحيفة بهجومها بزعم أن هذه الوهابية تتجلى في علاقة سريالية مع النساء وفرض حظر على غير المسلمين بدخول الأراضي المقدسة، والقوانين الدينية التي تترجم إلى هاجس كراهية للتخيل والتمثيل وبالتالي الفن وكذلك الحرية”

فضلاً عن الصحف الأمريكية نجد هناك قنوات فضائية أمريكية تمارس هجومًا على السعودية وتخصص لها جزءًا من برامجها ومن أبرز تلك القنوات هي الـ CNN والحرة سواء الإنكليزية أو العربية، وكذلك قناة الحرة، بالإضافة إلى هجوم من قبل منظمات حقوقية دولية منها أمريكية على الإعدامات التي تجري في السعودية، وقبل ختام هذه النقطة تجدر الإشارة بأن بلغ العجز في الميزانية المالية السعودية إلى عام 2015 محققه رقمًا قياسية بلغ 98 مليار دولار، وبالحديث المالي تزايد في نفقات التدخل السعودي في اليمن وتأثير أسعار انخفاض النفط على السعودية، وكذلك الإشارة المهمة الأخرى هي للسفير البريطاني في تصريح له في الرياض عبر فيه عن قلق بلاده تزايد التوتر في المنطقة بينما تبقى الولايات المتحدة عرضة لعداء بالكاد يمكن إخفاؤه حيث يتهمها السعوديون بأنها تميل ناحية إيران منذ توقيع الاتفاق النووي الصيف الماضي” مؤشرات عديدة تنبأ بتحليلات كبيرة منها من بالغ بها وآخر أعدم أهميتها!

بريطانيا تمكر بالسعودية:

أول خيوط التعاون الغربي- السعودي تم من خلالها، كيف ولا وبريطانيا العقل الاستعماري الذكي، هي الأخرى – عاصمة الضباب – جاءت مواقفها باردة سلبية تجاه الأزمة السعودية بالرغم من استنكار الوزير البريطاني حرق السفارة في اتصال هاتفي مع الأمير محمد بن سلطان، وكذلك بالرغم مما كشفه الكاتب البريطاني في صحيفة ديلي تلغراف “بأن الخارجية البريطانية قامت بتلقين وزير الخارجية السعودي في آخر زيارة له إلى لندن حول تسوية الخلافات بين المملكة ومنافستها إقليميًا إيران” وكما أضاف الكاتب بأن “الجبير” جاء في الخريف أملاً بأن يحصل على ضمانات من الخارجية البريطانية لن تتأثر بإعادة العلاقات مع طهران، ليثير من ذهولنا ويكشف عن التناقض الذي تمارسه بريطانيا تجاه الأزمة الراهنة قائلاً “تم إخبار الدبلوماسي السعودي الشاب بأن الخارجية البريطانية تريد استخدام العلاقة الجديدة لتسوية الخلافات بين القوتين العظيمتين إقليمًا بالرغم من هذه التفاصيل المثيرة التي كشفتها الصحفية يبقى الموقف الإعلامي البريطاني مناقضًا، حيث مارس هجومًا شديدًا على السعودية بعناوين مثيرة جدًا منها:

صحيفة “صانداي تايمز” البريطانية:

نشرت موضوعًا مقترنًا بالملك سلمان بن عبد العزيز، تحت عنوان “هل سيدمر هذا الملك بيت آل سعود”؟ مما كتب تحت العنوان “لم تمر سنة كاملة حتى الآن على تولي الملك سلمان البالغ من العمر 80 عامًا منصبه، إلا أن فترته واحدة من أسوأ السنوات في تاريخ المملكة، لتكمل مشيرة إلى أن العالم الغربي أصبح يدرك حاليًا أن “الفكر الوهابي الذي بنيت عليه المملكة هو سبب التطرف الذي يجتاح المنطقة، ومضت قائلة إن ذلك يتوازى مع «الأدلة والإشارات العديدة التي توضح وجود مشاكل في العائلة السعودية المالكة بسبب السياسة التمييزية التي ينتهجها سلمان ومحاباة ابنه المفضل محمد بن سلمان الذي تولى منصب وزير الدفاع رغم أن سنه لم يتخط الثلاثين عامًا وعين وليًّا لولي العهد”.

صحيفة “إندبندنت” البريطانية:

نشرت بدورها مقالاً  بعنوان “الإعدامات في السعودية مثل تصرفات تنظيم الدولة (داعش) فماذا سيفعل الغرب؟” جاء فيه “ما حدث من إعدام 47 شخصًا بهذا الشكل في المملكة العربية السعودية يعد تصرفـًا مشابهًا لممارسات تنظيم الدولة (داعش)”، وأضافت أن “قيام المملكة باستخدام مقاطع من القرآن لتبرير هذه الإعدامات يؤكد أنها تستخدم نفس أسلوب التنظيم”، وتعتبر  الصحفية “أن آل سعود ربما لم يكونوا راغبين بهذه الإعدامات سوى استفزاز إيران والشيعة في مختلف أنحاء العالم لإشعال صراع طائفي أكثر قوة على غرار ما يفعل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)“، وأكدت أن “الإجراءات السعودية ضد النمر في نفسها التي كانت ستستخدم ضده لو كان في قبضة التنظيم”.

صحيفة “تليجراف” البريطانية:

فيما ركزت على التعريف بأسباب العداء بين النمر والنظام الحاكم في السعودية في مقال بعنوان “نمر النمر: رجل الدين السعودي الجريء”، وأضافت أن “نمر النمر كان مصدر قلق مستمر في منطقة شرق المملكة العربية السعودية المليئة بالتوتر بسبب الأغلبية الشيعية التي تقطنه”، متابعة أن “رجل الدين صاحب الشخصية القيادية والذي كان يبلغ من العمر 56 عامًا أطلقت دعوات لتشكيل جبهة معارضة في منطقة العوامية التي ينحدر منها”.

صحيفة “الإندبندنت” البريطانية مرة أخرى:

تفاجئ اليوم الراي العربي بمقالة جريئة في وقت السعودية أكثر ما تكون بحاجة إلى إعلام وقوى تساندها في الأزمة التي تخوضها في مقالة نشرتها صحيفة الإندبندنت بعنوان “الأمير السعودي الساذج المتعجرف يلعب بالنار “تشير المقالة إلى أن الاستخبارات الألمانية نشرت مُذكّرة نهاية العام الماضي توضح “الخطر” من ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان. وأضافت أن، المذكرة ورد فيها أن “السعودية تعتمد سياسة متهورة في الآونة الأخيرة”.

ونقلاً عن المقالة، فإن المذكرة وصفت “ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – البالغ من العمر 29 عامًا والذي يتمتع بنفوذ عال، والمعروف بأنه الابن المفضل للملك سلمان الذي يعاني من داء الخرف – بأنه سياسي مقامر يعمل على شل العالم العربي من خلال تورطه بحروب بالوكالة في سوريا وإيران”.

وفي مقابلة أجراها كوبيرن مع وزير سابق في الشرق الأوسط – طلب عدم الكشف عن اسمه – قال إن “السعودية كانت تعمد في السابق إلى إبقاء جميع اختياراتها مفتوحة، وكانت حذرة”.

وقال تقرير وكالة الاستخبارات الألمانية إن “السعودية أضحت تنتهج خيارات أكثر عدوانية وسياسة محبة للحروب، كالحرب في سوريا واليمن”.

وختمت المقالة بالقول إن “المغامرات الخارجية التي بدأها الأمير محمد لم تكن ناجحة وليس هناك أية بوادر تشير إلى نجاحها لاحقًا”.

الأردن تتجاهل الأزمة السعودية:

اعتدنا رؤية الرجل السعودي يلاقي اهتمامًا وتعاملاً خاصة في الأردن من دون أشقائه العرب، حيث لا يخفى طبيعة العلاقة الأردنية السعودية التي بموجبها تقدم السعودية الدعم المالي إلى الأردن للنهوض باقتصادها المتهالك بين الحين والآخر أن لم نقل باستمرار، وبالمقابل الأردن تثمن هذه المساعدات عن طريق تبني مواقف تصب في صالح السياسة السعودية، لكن هل هذه العلاقة سوف يصيبها شيئا من البرود كبرود موقف الأردن من الأزمة الإيرانية- السعودية، إذ بالرغم من بيانات حلفاء السعودية ومؤيدي السعودية ومواقفهم الصريحة الداعمة القوية، إلا أن الحليف الأردني جاءت مواقفه باردة بالرغم من استقرار العلاقة بين البلدين إلى حد قريب..

ختامًا: عندما نرى ملخصات الأنباء ومجريات السياسيات الحالية، نجد أمامنا كمًا هائلاً من الكلمات المتقاطعة  “عجز في الميزانية السعودية، التدخل السعودي في اليمن يستنزف قواها وسياستها، انخفاض في أسعار النفط وتأثيره على الميزانية السعودية، اعمال شغب، القاعدة تهدد السعودية بالثأر، تزايد في خطر مؤيدي تنظيم الدولة (داعش) في السعودية، موقف أمريكي سلبي غير مسبوق مع السعودية، موقف بريطاني ماكر بين الدعم واللادعم، صحف بريطانية وأمريكية تشن هجمات شرسة ولا منطقية في السبب، الأردن تخذل، مواقف دول كان متوقع أن يكون موقفها أشد الإمارات مثلاً، فشل بالتحالف السعودي، خلافات داخل العائلة المالكة بحسب صحف غربية طبعًا .. إلخ.

لا أدعي بأن أمريكا تريد قذف السعودية في حرب مع إيران، ولا أدعي ذلك بأن السعودية مقبلة على "الربيع العربي" كما يتحدث “أنصار نظرية المؤامرة” بمناسبة مرور ذكرى المئة على اتفاقية سايكس-بيكو وإعادة صياغتها وما هذه المجريات إلا تنفيذًا للمشروع الجديد في المنطقة.

لكن أكتفي بالقول بأن المواقف الغربية سواء أكانت أمريكا أم بريطانيا وهجمات وسائلها الإعلامية على السعودية ليست من فراغ أو ردة فعل عفوية كذلك، وعليه أتساءل هل هذا المجريات بداية حرب أهلية في السعودية ليعقبها دولة نجد ودولة الحجاز.. إلخ مما ورد في مخطط “برناد لويس” كما يتحدث أنصار نظرية المؤامرة، أو هل هذه المواقف هي ضغوط تقليدية الغرض منها تهدئة الطرفين السعودية وإيران وخاصة أن الواقع السوري والعراقي لم يعد يحتمل أو يتحمل مجرياته الدول الغربية، فضلاً عن الانتخابات الرئاسية في لبنان وعجز الحكومة اللبنانية من انتخاب رئيس نظرًا للدور الكبير الذي يلعبه الطرفان، وهل الضغوط الأمريكية والغربية يعقبها ضغط على إيران لإنجاز سياسة جيدة تلتزم بها السعودية وإيران، تحليلات كثيرة لكن ما يتفق عليه الجميع أن هذه المواقف غير مسبوقة وبعيدة عن أية عفوية سياسية، ينجم عنها سياسة جديدة أو تتسبب بولادة أحداث مفاجئة في المنطقة، ماهي؟ السماء وحدها تعلم!

محمد رجا - ساسة بوست

114-2