الشيخ سعيد فودة: السلفية "التيّمية الوهابية" انحرفت عن عقائد السلف

الشيخ سعيد فودة: السلفية
الثلاثاء ٢٠ سبتمبر ٢٠١٦ - ٠٢:٤٨ بتوقيت غرينتش

أكدّ الداعية والمنظر الأشعري الأردني، الدكتور سعيد فودة، أن مشاركته في المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين، المنعقد في مدينة غروزني، عاصمة جمهورية الشيشان، في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، كانت علمية محضة، وليس لها أي أبعاد سياسية كما تشيع أطراف مختلفة.

وأوضح الداعية الأشعري فودة في مقابلة خاصة مع "عربي21" أنه عالم وباحث مستقل، ولا ينتمي إلى أي اتجاه سياسي، ولا يرتبط بأي دولة من الدول، ولا يعني حضوره للمؤتمر موافقته على أي سياسات ظالمة، أو مباركة أعمال القتل التي تقترفها بعض الأنظمة السياسية في بعض البلاد الإسلامية وفي أنحاء الأرض.

وبيّن فودة أن إخراج السلفيين من مسمى أهل السنة والجماعة بحسب المفهوم من البيان الختامي للمؤتمر، يتوافق تماما مع ما هو مقرر في كتب الأشاعرة والماتريدية، ولم ينفرد المؤتمر بذلك، وهم يعنون بالسلفيين أتباعَ ابن تيمية، ومن بعده محمد بن عبد الوهاب، وكل من تابعهما في تقريراتهما واختياراتهما العقائدية، والتي انحرفا بها عن عقائد السلف المقررة في مجموعة من المسائل المعروفة للعلماء.

ولفت إلى أنه يختلف مع المدرسة السلفية المعاصرة، اختلافا عقائديا أصليا،وهو يصرُّ على تسميتها بـ"التيّمية الوهابية" لأن انتماءها الفكري والعقدي المسلَّم به هو لابن تيمية ولمحمد بن عبد الوهاب، ولا يسلَّم رجوع مبادئها وآرائها للسلف الصالح، ويأتي في مقدمة هذه الاختلافات مجموعة مسائل وأحكام في الإلهيات.

وأضاف فودة: "فابن تيمية شيخ السلفية الحالية يثبت لله الحدود، بمعنى أن الله محدود، وله نهايات وغايات في وجوده وله حيز يشغله بمعنى أنه ممتد في الأبعاد، مع إثبات معنى الجوارح والأعضاء التي نصَّ الإمام الطحاوي وغيره من أعلام السلف على نفيها عن الله تعالى، والحركة لله، وقيام الحوادث به، ما يلزم منه إثبات معنى الجسمية لله. وهذه بعض المسائل الأصلية التي يخالف فيها التيميةُ الأشاعرةَ والماتريديةَ مخالفة صريحة، ولا يوجد لديهم عليها حجة من الكتاب والسنة ولا من السلف الصالح بحسب فودة.

واستغرب فودة استنكار جهات وشخصيات سلفية وهابية عدمَ دعوة القائمين على المؤتمر للمؤسسات السلفية الرسمية والشخصيات العلمية السلفية لحضور المؤتمر والمشاركة فيه، متسائلا: "متى كان السلفيون وقد عقدوا مئات المؤتمرات من قبل يدعوننا إلى مؤتمراتهم؟ فلماذا يطالبوننا بذلك وهم يعلمون ما بيننا وبينهم من خلافات عقائدية أصلية؟".

* لماذا تم استثناء المؤسسات الدينية الرسمية والشخصيات السلفية من المشاركة في المؤتمر؟

- كثير من الناس أثاروا هذا الأمر وكأن الواجب أن يدعو هذا المؤتمر جميع الناس على ظهر الأرض، وما دام لم يتمّ دعوة مندوبين عن هذه الجماعات أو المدارس فقد تمَّ استئناؤهم خلافا للأصل المفترض، ولكن في نظري أن الموضوع ليس استثناءً بهذه الصورة، ويركز كثيرون على أنه لم لم يتم دعوة السلفيين (التيمية والوهابية)، وهذه مغالطة أخرى، فالوضع الطبيعي أن لا تتم دعوتهم من الأساس، لأنهم مخالفون للمؤتمرين مخالفة أصلية، بل إن أتباعهم هم من سبَّب الفتنة لأهالي تلك البلاد التي نظمت المؤتمر، فلماذا يُدعون إلى مؤتمر يرون أهله من أتباع العقائد الضالة والمنحرفة؟ ثم متى كان السلفيون يدعون الأشاعرة والماتريدية إلى مؤتمراتهم وندواتهم؟ ونحن لا نغضب من ذلك فلماذا يطالبوننا بدعوتهم إلى مؤتمراتنا وندواتنا؟

وأود في هذا السياق توضيح قضية هامة، فبلاد الشيشان وسائر الجمهوريات الإسلامية الأخرى، جمهوريات إسلامية قديمة، ووصلها الإسلام منذ عهد الصحابة، والمذاهب الفقهية المنتشرة عندهم هي الشافعية والأحناف، وعقائديا الأشاعرة والماتريدية، ولا يعرفون غير ذلك، ودخول السلفية إلى بلادهم كان أمرا طارئا منذ ما يقارب العشرين سنة، وأنا أسميهم (تيمية ووهابية)، وهذا توصيف لما أراه يطابق الواقع مطابقة تامة، وبعد دخول ذلك المذهب (التيمي الوهابي) إلى بلادهم بدأت موجات التكفير والتبديع والتضليل، مع عدم مراعاة الطارئين الجدد لمذاهب الآخرين واحترامها، بل أرادوا فرض عقائدهم ومناهجهم على الآخرين، عبر احتكار مسمى أهل السنة والجماعة، وقصره عليهم، من هنا جاءت فكرة المؤتمر، لتقرير من هم أهل السنة والجماعة، ومن الطبيعي أن يُدعى إلى ذلك علماء الأشاعرة والماتريدية، وليس مَنْ أحدث المشكلة وأثارها هناك وهم أتباع المذهبين التيمي والوهابي.

وقد تمت دعوة بعض الشخصيات العلمية السعودية، كالدكتور الشريف حاتم بن عارف العوني، لما يعرف عنه من إنصاف وموضوعية، وسعة أفق وقبوله بالآخر، وقد كان مناقشا ومعارضا أتيحت له الفرصة الكاملة بالمداخلات والتعقيب على كثير من الكلمات والأوراق المطروحة في المؤتمر، وقد سعدت بلقائه ومناقشته بكل ودٍّ واحترام مع وجود اختلافات بيننا في مجموعة من المسائل.

وتمت دعوة كثير من الشخصيات والعلماء من اليمن والأردن والسعودية والكويت والإمارات والبحرين.

* ما هي أبرز الموضوعات التي طُرحت في المؤتمر وأهمها؟

- فكرة المؤتمر المركزية تمحورت حول تحديد من هم أهل السنة والجماعة، لأن أصل الدعوة الموجهة للمشاركين كانت تريد منهم الرد على تشكيك (التيميين والوهابيين) بأن الأشاعرة والماتريدية ليسوا من أهل السنة والجماعة، فجاءت أوراق المؤتمر لتبين من هم؟ ولتبين تاريخ نشأتهم، وما هي أصولهم وعقائدهم، وما هي خصائص أهل السنة والجماعة الأصولية والفقهية، والآثار التي تترتب على ترك مذهب أهل السنة والجماعة، والمشاكل والتحديات التي تواجه الأشاعرة والماتريدية المعاصرين، وكل الأوراق المعدة للمؤتمر كانت تخدم هذا التوجه، وكذلك سائر المناقشات والمداخلات.

 

* بماذا ترون أن السلفية الحالية خالفت منهج السلف الصالح؟ وبماذا أخرجتم أتباعها من أهل السنة والجماعة؟

- السلفية التي نتحدث عنها هي سلفية ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وقد تابعهما السلفيون الحاليون عليها، ومن أبرز وأهم القضايا التي أخطأ فيها ابن تيمية وخالف بها عقائد السلف، وبها نخرجه من أهل السنة والجماعة، إثباته الحد لله تعالى، بمعنى أن الله له طول وارتفاع وعرض، بما يلزم منه أن يكون الله جسما، فالله عنده له مقدار، ويشغل حيزا، وله في ذاته حجم، وأن الله محدود من كل الجهات الست.

كما أن ابن تيمية يعتقد أن الله يتحرك، وتقوم في ذاته الصفات الحادثة، وأن الله يوجدها في ذاته، وأن الله يتصرف في نفسه، ويحدث لنفسه صفات لم تكن موجودة من قبل، ويقول بأن الله لا يكون خالقا إلا إذا خلق بالفعل، وهنا نشأت مسألة القدم النوعي للعالم، لأن قوله ذلك يقتضي أن يكون مع الله خالقا في كل وقت منذ كان، ونحن نقول إن الله خالق وإن لم يخلق، ولا يلزم أن يخلق بالفعل حتى يوصف بالخالقية، فهو خالق قبل الخلق سبحانه لأنه سبحانه قادر على الخلق، وهذا ما قررته العقيدة الطحاوية بكل وضوح.

ولا ندري كيف أوجب ابن تيمية على الله أن يكون خالقا في كل وقت؟ وأنه إن لم يخلق في وقت ما كان ذلك نقصا لله تعالى! فالله خالق قبل الخلق وبعده، كما يقول أبو جعفر الطحاوي في عقيدته المشهورة: "ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري". وهذه هي مسألة قدم العالم النوعي التي أخطأ فيها ابن تيمية بسبب تصوره أن اسم الخالق يقتضي أن يكون خالقا في كل وقت وحين، ما يلزم منه وجود نوع من الخلق مع الله منذ الأزل.

وما أود تأكيده في هذا السياق أن المؤتمر الذي شاركت فيه، أخرج سلفية ابن تيمية والوهابية من مسمى أهل السنة والجماعة، وليس صحيحا ما قاله الدكتور علي القرة داغي، والدكتور أحمد نوفل من الجامعة الأردنية، وغيرهم من أن المؤتمر أخرج الإخوان المسلمين من أهل السنة والجماعة، لأن الإخوان حركة دينية سياسية، ولا تتبنى مذهبا عقائديا محددا، ففيها السلفي والأشعري والماتريدي والصوفي واتجاهات أخرى، فكيف يخرج المؤتمر الإخوانيَّ الأشعري أو الماتريدي؟ هذا ليس صحيحا وقد انساقوا وراء ما قالته الجزيرة ووسائل إعلام أخرى.

وليس صحيحا كذلك ما قالوه عن حضور عدنان إبراهيم، وأحمد حسون، لأنهما لم يحضرا.

كما أنني أستغرب تماما من إصرار الشيخ القرضاوي على إدخال السلفية في أهل السنة، واعتبارهم قطاعا واسعا، مع أنه ينبغي عليه أن يعلم تماما الخلافات الظاهرة بينهم وبين الأشاعرة الذين يقول عنهم في بعض لقاءاته المسجلة إنهم يشكلون 95% من المسلمين. وكان عليه أن يعترف بوجود نزاعات بين الفريقين وأن يدعوهم إلى المراجعات العلمية لإزالة ما يمكن إزالته منه، لا غضّ الطرف عما هو واقع يستلزم حلاً علميا، لمجرد أغراض سياسية مخالفة لأصول البحث العلمي الواجب عليه بصفته مشتغلا بالعلوم الدينية، ولا يخفى أن ضمّ الفريقين تحت لقب أهل السنة يستلزم التناقض الداخلي في أصولٍ بين أهل السنة وهو ما لا ينبغي لباحث منصف أن يقع فيه.

وفي الحقيقة أنا أستغرب ما قاله الدكتور أحمد نوفل في حديث إذاعي (مع محبتي الشديدة له وتقديري الكبير لشخصه)، أن المؤتمر أخرج الإخوان المسلمين من أهل الملة، وهذا يعني أن المؤتمر كفرهم! وهذا ليس صحيحا.. وما أكثر الدعاوى والتشنيعات التي ألصقت بهذا المؤتمر بغير حقٍّ.

فالمؤتمر لم يخرج الإخوان المسلمين كجماعة دعوية وسياسية من أهل السنة، وإنما من كان سلفيا (تيميا وهابيا) منهم -وما أكثرهم!-  فقد أخرج هو نفسَه من أهل السنة والجماعة. وهذا يستلزم سؤالاً ينبغي أن يبعث قيادات الإخوان على إعادة أنفسهم!

* ما هي طبيعة خلافاتكم مع السلفية الحالية؟

- خلافاتنا معهم خلافات أصولية وعقائدية وبعض الاختلافات الفقهية فضلا عما يترتب عليها من تصرفات، ففي الإلهيات نختلف معهم اختلافا جذريا في مجموعة من المسائل وقد ذكرت أهم القضايا في الجواب السابق، وأزيد على ذلك أنهم يثبتون الصفات العينية (صفات الذات أو الأعيان)، فهم يثبتون ما يصدق عليه لفظ الأعضاء والجوارح لله على أنها صفات لله تليق به، كاليد والساق والقدم...

وابن تيمية ومن يتبعه مثل بعض شراح الطحاوية المعاصرين يقول إن نفي الأعضاء والجوارح عن الله تعالى، يستلزم نفي صفات ثبتت لله بالنص! وقولهم هذا غريب، فما هي الصفات التي ننفيها عن الله حينما ننفي الجوارح والأعضاء عن الله؟ وأهل السنة يؤوِّلون ما وردَ من ألفاظ توهم ذلك بما يناسبها من المعاني بحسب  الوارد في لغة العرب؟ نحن في هذا على ما قرره أبو جعفر الطحاوي في عقيدته المشهورة: "وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات".

وأود أن أضيف هنا أن كثيرا من السلفيين يستغربون حينما نقول لهم إن ابن تيمية يثبت الحدود لله، ويثبت له الجوارح والأعضاء، وما إلى ذلك من صفات التجسيم والتشبيه، يقولون بأن هذا افتراء على ابن تيمية، ونحن على استعداد لإثبات ذلك من كتب ابن تيمية، ولدينا الأدلة والبراهين على ذلك. وقد تتبعت ذلك كله وأثبته من كلام ابن تيمية في كتابي "الكاشف الصغير عن عقائد ابن تيمية" وفي غيره من الكتب كما أثبتُّ أنه قائل بالقدم النوعي للعالم ووجوب دوام كون الله خالقا بالفعل، الخ...

بالإضافة إلى مخالفتنا لهم في أمور أخرى مثل مسارعتهم في التكفير وعدم قبولهم للرأي الآخر، والمجازفة في التبديع والتفسيق، واتهام الناس بالباطل، وخروجهم عن المذاهب الفقهية المعتمدة في بعض المسائل.

* ألا ترى أن المؤتمر وقع في براثن التوظيف السياسي، وحشد علماء الأشاعرة والماتريدية لمواجهة خطر حركات السلفية الجهادية؟

- خلافات الأشاعرة والماتريدية مع السلفية التيمية والوهابية خلافات قديمة، وهي خلافات حقيقية في العقائد والأصول، وبالنسبة لي حينما أشارك في مؤتمر من المؤتمرات فإنني أقول ما أراه حقا، ولا يهمني إذا كان ذلك يوافق هذه الدولة أو تلك، فهذه عقيدتي وهذا مذهبي، وأنا أدعو إلى ذلك، وأسعى لنشره كتابة وتأليفا وتدريسا ومشاركة في المؤتمرات هنا وهناك، وما نفعله نحن الأشاعرة يفعله غيرنا، فلماذا ينتقدوننا بما يفعلونه هم تماما؟

نحن بكل صراحة وبوضوح تام نرى أن خطر التيمية والوهابية عقائديا ودينيا واجتماعيا خطر كبير، ومذهبهم العقائدي منحرف عن منهج السلف الصالح، ومن واجبنا الديني التصدي لهذا الفكر المنحرف، فهذا الفكر ينتج الغلوَّ والتطرف، وأتباعه لا يتورعون عن تكفير المخالف وتضليله وإخراجه من أهل السنة والجماعة، وليتهم توقفوا عند هذا الحد، بل تعدى الأمر إلى قتل المخالف وتصفية العلماء الأشاعرة والماتريدية كما في العراق وسوريا، تحت عناوين الردة والمرتدين، والتعاون مع الدول الكافرة والمرتدة على حد قولهم.

3