أميركا في سوريا: إجرام لا يصنع نصرا ... فما الأهداف؟

أميركا في سوريا: إجرام لا يصنع نصرا ... فما الأهداف؟
الثلاثاء ٠٤ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٦:٥٧ بتوقيت غرينتش

لا اعتقد ان الخبراء المحترفين كانوا بحاجة إلى الاستماع إلى تسجيل مسرب لكيري حول الوضع السوري وحدود الموقف الأميركي منه، وما تضمنه من إقرار بان أميركا لا تملك الشرعية القانونية الدولية للتدخل العسكري فيها، كما ان الكونغرس الأميركي لن يوافق على أرسال الجنود الأميركيين للعدوان على بلد مستقل ذو سيادة معترف بها سواء أقرت بذلك أميركا واتباعها أم رفضوا.

فأميركا ومنذ هزيمة "إسرائيل" في جنوب لبنان في مواجهة حزب الله في العام 2006 ، ومنذ اضطرارها للتراجع عن احتلالها للعراق بضغط من المقاومة العراقية، وطبعا بعد عجزها عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية في أفغانستان، فهي منذ تلك الصفعات قررت أغلاق الجبهات التقليدية وسحب الجيوش النظامية واعتماد استراتيجية القوة الناعمة القائمة على الحرب المركبة من نمطين: حرب مباشرة تشن مستهدفة الاقتصاد والمال والسياسة والأعلام وتتوسل الحصار والعقوبات  والحرب النفسية، وحرب ميدانية نارية بديلة تعتمد الجماعات الإرهابية التي صنعتها أميركا بفكر وهابي سلفي تكفيري ومال خليجي واسناد من مثلث الأجرام الإقليمي تركيا والسعودية وقطر.

بهذه الاستراتيجية المزدوجة الأنماط أضرمت أميركا النار في العالم العربي وأسمتها زورا ربيعا وكان نصيب ليبيا والعراق وسوريا واليمن الأوفر من الأجرام الأميركي التدميري. و تمكنت أميركا من تدمير ليبيا وتشتيت فرص بناء دولة فيها، وارتكبت الفظائع في العراق حتى كادت تعيد تسليمه لإرهابيها لولا الهبة الشعبية فيه، و في اليمن أجهزت على بنيته التحتية و جوعت اكثر من نصف شعبه و كادت ان تمسك به لولا وجود المقاومة التي مارسها الجيش و اللجان الشعبية ، أما في سوريا فكانت عقدة العقد بوجه أميركا، حيث أنها فشلت خلال ما يقارب السنوات الست من تحقيق هدفها في أسقاط الدولة كما أخفقت في فرض التقسيم الذي شاءته بدلا.

لكن أميركا التي نعلم في العمق أنها لن تقدم و ليس من مصلحتها ان تقدم على غزو سوريا لأنه غزو ان حصل سيلقى المصير ذاته الذي لاقاه الاحتلال للعراق أو مشروع الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في العام 2006 ، أميركا التي فرضت على الحلف الأطلسي مفهوما استراتيجيا لعشر سنوات تنتهي في 2020 يعتمد مبدأ أغلاق الجبهات و إدارة الأزمات من غير جنود يقاتلون في الميدان ، أميركا هذه تعود و تهدد بالعمل العسكري المباشر ضد سوريا، و هي تعلم أي مستنقع ستغرق فيه ان فعلت و أي انفجار استراتيجي بوجهها سيكون.

فالزمن الذي كانت أميركا في ظل الأحادية القطبية تعطي لنفسها الحق فيه بان تجتاح هذا البلد أو ذاك تحت شعار التدخل الدولي الإنساني و حق المجتمع الدولي في فرض النظام والاستقرار متخطيا سيادة الدول المستقلة، أميركا هذه تعرف ان هذا الزمن ولى وان الميدان السوري حتى و قبل انتهاء القتال فيه دفن النظام الأحادي ذاك و هيأ الفرص لإقامة نظام عالمي جديد لن يكون أحاديا قطعا ، كما انه اسقط نظرية التدخل الدولي الإنساني، و بات على أميركا ان تعرف أو توقن بان أي عمل تقوم به في سوريا من غير طلب أو موافقة من حكومتها الشرعية أنما هو عدوان بكل ما تعني الكلمة و بكل ما يترتب عليها من مفاعيل.

وقد يكون كيري هنا خدم أدارته عندما اقر في التسجيل المسرب بان لا شرعية للعمل لعسكري الأميركي في سوريا، وهنا نضيف أيضا بان لا شرعية مطلقة لوجود أميركي واحد على الأرض السوريا سواء كان مدنيا أو عسكريا فالمدني بحاجة إلى تأشيرة دخول والعسكري بحاجة إلى اذن أو طلب وترخيص من الحكومة السوريا التي هي تمثل الشرعية السوريا وتشغل بجدارة مقعد سوريا في الأمم المتحدة وبإقرار أميركي أيضا.

ومع هذا، ورغم قواعد القانون الدولي الحاسمة في رفض العدوان وانتهاك السيادة الوطنية لسوريا، ورغم إقرار أميركا بعجزها عن فرض حل عسكري في سوريا يكون لصالحها وتستند فيه إلى المجموعات الإرهابية التي إنشاتها ورعتها واستعملتها ولا زالت، نرى ان أميركا تتابع العمل العسكري غير المباشر عبر قيادتها ودعمها وحمايتها للمجموعات المسلحة الإرهابية تحت مختلف العناوين الأصلية أو المعدلة، فما الذي تريده أميركا من وحشية أعمالها الإجرامية التي ترتكبها في سوريا اليوم؟

قبل الإجابة لا بد من الإشارة إلى بعض هذه الجرائم التي تشمل قتل جماعي بغارات الطيران كما فعلت في منبج ومحيطها، أو استهداف مواقع الجيش العربي السوري كما فعلت في دير الزور، ولا يغير الاعتذار اللاحق عن خطأ مدعى لا يغير من طبيعة الجريمة والعدوان المخطط بكل تأكيد، وأخيرا بدأت أميركا بعملية تدمير ممنهج للبنية التحتية السورية كما فعلت على جسور الفرات قرب دير الزور.

وعلى هذا الأساس ومع يقيننا ان أميركا لن تستطيع ان تبلغ أهدافها بإرهابييها مهما فعلت ومهما أطالت أمد الصراع وهي تعلم وكما يعلم المختصون من الاستراتيجيين لديها ان حجم الأهداف الأميركية في سوريا هو أكبر من قدرة الأداة وان قوة الدفاع السورية هي أقدر وافعل في مواجهة قوى العدوان وهذا ما يؤكده الميدان وبإقرار أميركي، ورغم ذلك تتابع أميركا عدوانها فلماذا؟

أننا نرى ان أميركا التي اقتنعت بعجزها عن ربح الحرب رات ان تعوض عن عجز أدواتها وإخفاق استراتيجياتها المتتالية باعتماد استراتيجية عدوان إجرامية مركبة تقوم على الخداع والاحتيال والانتقام والعقاب، ومنع الخصم من استعجال الانتصار، ومنعه من استثمار نصره والتمتع به عندما يحصل.

ولهذا نرى ان أميركا باتت على يقين بانها خسرت الحرب في عدوانها على المنطقة وانها بدأت بترتيب أوضاعها على هذا الأساس وهنا يمكن فهم خلفية قانون "جاستا " الأميركي الذي سيكون مدخلاَ للأميركيين لوضع اليد على مليارات الدولارات السعودية تحت عنوان تعويضات عن أحداث 11ايلول 2001، لان القاعدة المعتمدة بين السيد والمتبوع والعميل أو الأداة المستعملة انه في حال الفشل في تحقيق الهدف فان السيد المتبوع يستغني عنه أو يعاقبه أو يصقله من جديد وأميركا يبدو أنها بعد الخسارة تتجه لصقل السعودية ومعاقبتها.

في ضل هذا الشعور يأتي أشعار كيري لمرتزقة سوريين يعملون تحت عنوان "المعارضة المعتدلة " بان عليهم ان يتحضروا للخبر الصاعق وتدبر أمرهم مع الشعب السوري ان كان سيرضى بإشراكهم في السلطة عبر انتخابات لن تستطيع أميركا ان تتحكم بمسارها، لان حلمهم بالحلول كرها محل الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس الأسد حلم لن يتحقق.

و عليه ان أميركا التي تعرف الآن حدود قدرتها في سوريا و التي سمعت جيدا الموقف الروسي الصلب حيال أي مغامرة عسكرية ضد الحكومة السورية الشرعية ، و التي اختبرت من قبل معنى مقاومة الشعوب، و التي لمست عجز أدواتها الإرهابية  عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر الحرب البديلة و حتى و لو تم تعديل أليات تلك الحرب عبر اشتراك أميركي مباشر بالنار الجوية و القيادة و التوجيه في غرف العمليات البرية ، ان أميركا التي هذا وضعها يبدو أنها اتجهت إلى استراتيجية الانتقام و العقاب و التدمير عملا بشعار المجرمين اللصوص "لنا أو للنار " و لكن هذه الاستراتيجية من المؤكد أنها لا تصنع انتصارا رغم أنها تنتج قتلا و دمارا إلى حين ، ثم تنقلب على صاحبها عندما ينجز المستهدف العناصر الرئيسية من معركته الدفاعية و هذا ما تفعله سوريا اليوم و لننتظر ما بعد حلب ...حلب التي تريد أميركا بشتى الوسائل الحؤول دون تطهيرها. . فانها ستطهر بعد ان باتت في المنطق العسكري إنجازا سوريا يقيني التحقق يستلزم بعض الوقت فقط. ويجب ان تتذكر أميركا ان الشعوب لا تنسى ولا تسامح من أجرم بحقها.
* امين حطيط - الثورة

107-4