"غزوة سلفية" تستهدف الشيخ أحمد كريمة

الثلاثاء ٠٤ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٩:١٠ بتوقيت غرينتش

لا نكشف سرا من ان السلفية ما كانت لتتسلل الى مصر، وهي غريبة عن روحها ودينها وثقافتها، لولا سياسة الانفتاح التي انتهجتها الحكومات المصرية منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، ومنذ ان انتقل الالاف من المصريين للعمل في الدول الخليجية، وعادوا من هناك ومعهم الفكرالسلفي، الذي انتشر بعد ذلك في مصر على شكل مساجد ومراكز ومعاهد ومدارس وجمعيات ممولة بالمال الخليجي، في غفلة من الأزهر الشريف، باعتراف كبار مشايخه.

منذ ذلك الوقت خفتت الأصوات الدينية التي تمثل الإعتدال المصري المعروف تاريخيا، وكان الأزهر ورجاله هم الممثل الحقيقي لهذا الصوت، اما ترفعا عن مجادلة السلفية، واما ايثارا للسلامة، بسبب ما تمتلكه السلفية من امكانيات مادية واعلامية ضخمة، لا تقدر أي قامة دينية من الوقوف امامها اذا ما قررت شن هجوم ضدها، لاسيما لو علمنا ان السلفية المصرية مدعومة من مثيلاتها الخليجيات وخاصة السعودية، وعندها سيتم وبسهولة مقاطعة ومحاصرة أي شخصية مهما كان وزنها، لمجرد انها تجرأت وانتقدت السلفية.

من اكثر الشخصيات المصرية الكبيرة التي تحولت الى هدف للسلفية هو الشيخ الجليل احمد كريمة أستاذ الشريعة الاسلامية بجامعة الأزهر، بعد ان شعر بالخطورة التي تمثلها السلفية على الإسلام السني المصري، وضرورة ان يقف احد ما في وجهها قبل فوات الاوان، فانبري فردا يقف في وجه السلفية، ويطلق مبادرة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، لمعرفته الأكيدة، ان السلفية الى زوال في حال نجحت هذه المبادرة، فالسلفية لا يمكن ان تستمر بالحياة الا في اجواء الفتن والفوضى والتناحر.

بعد اطلاق الشيخ كريمة مبادرته، والتي لاقت ترحيبا من مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية على اختلافها، عدا السلفية، التي اعتبرتها تهديدا لها ولفهمها المشوه للإسلام وخاصة الإسلام السني، اصبح كريمة هدفا للسلفية الذين شعروا ان الدائرة اخذت تضيق عليهم، خاصة بعد مؤتمر غروزني الذي اخرجهم من اهل السنة والجماعة، حتى وصل حقد السلفية على الشيخ كريمة الى الحد الذي كفروه واتهموه بتهمهم الجاهزة والمعروفة لكل من يقف في وجههم وفي مقدمة هذه التهم “التشيع”!!.

قبل ايام استضافت احد القنوات التلفزيونية المصرية الشيخ كريمة، الذي اجاز في حديثه الى هذه القناة الإحتفال بالهجرة النبوية وغيرها من المناسبات والمواسم والأعياد، الا ان السلفي محمد عامر اتصل بالبرنامج، واطلق العنان للسانه، كما هو ديدن السلفية، دون ادنى مراعاة لأي اخلاق اسلامية حتى في حدودها الدنيا، وسنقتطع بعض ما جاء على لسان هذا السلفي دون زيادة او نقصان، بعد ان اعتبر الاحتفال بهذه المناسبات “بدعة”!!:

-“ كان أولى برجل ينتسب الى الدين (قاصدا كريمة) أن يستعدي قوى السلام ضد من يهدّمون ويقتلون الأطفال والرضع والشيوخ في حلب، ولكن الشيخ ” كريمة ” قلبه في النجف”!!.

-“ لو هو”راجل” ( اي “رجل” – يقصد الشيخ كريمة) يأتي اليك في البرنامج، وليُعط كل واحد منا نصف ساعة بلا تدخل، لأناقشه في كفر نُسب اليه”

-“ لو صح الكلام المنسوب الى أحمد كريمة، فشرعا يُستتاب، والحكومة تعرف مين محمود عامر”.

هذا كان كلام السلفي محمود عامر، وكان سيكون مستغربا لو لم يقل مثل هذا الكلام “التكفير والتهديد و..”، ولكن لنقرأ رد الشيخ كريمة على هذا الكلام “الداعشي” وهذه اللهجة البلطجية، حيث قال:”ما قاله من اتهامات، فأنا أشكوه الى الله، أما عن دعوته لي للمناظرة، فأنا أناظر عالما، فإن كان رجلا يحمل درجة العالمية “الدكتوراه” في كليات شرعية معتمدة في الدولة، فمرحبا بالمناظرة”.

وتابع كريمة ساخرا “أما المناظرة مع الحرفيين والمهنيين – مع احترامي لكل حرفي ومهني – فمقامي يجل عن ذلك، والأزهر الشريف الذي أنتمي اليه وأعتز به، يجل عن منازلة العوام”.

من الواضح ان الحرص الشديد للسلفية على ابقاء نار الفتن مستعرة حتى القضاء على “الاخر” ، والاخر لاينتهي من وجهة نظر السلفية،  فهو من اجل الإبقاء على حرائق الفتن في ديار المسلمين مستعرة يختلقون هذا الاخر المختلف اختلاقا، حتى لو لم يبق هناك من يختلفون معه، هذا التعطش للفتن والخراب هو السبب الرئيسي ل”الغزوة السلفية” ضد الشيخ كريمة، ويمكن تلمس ابعاد هذه الغزوة من خلال الجيوش الالكترونية السلفية، التي تشعل شبكات التواصل الاجتماعي ضد كريمة لتجرؤه على الدعوة للتقريب بين المذاهب.

من مصلحة الصهاينة والمستعمرين الإبقاء على الفتن والفوضى تستعر في ديار العرب والمسلمين، ولم يجدوا افضل من السلفية التكفيرية سلاحا يرفعونه ضد الامة للابقاء على الفوضى والإضطرابات والفتن فيها، وهدر كل مقاومات النهضة والفرص نحو التقدم والتطور واللحاق بركب الأمم، لذلك لا يمكن فصل خطر السلفية التكفيرية عن خطر الصهيونية، فالخطران يهددان حاضر ومستقبل العرب والمسلمين.

الحمد لله وببركة شخصيات كبيرة من امثال شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب والدكتور كريمة وامثالهم من الاجلاء، لم يعد بمقدور السلفية التكفيرية ان تصادر رأي اهل السنة والجماعة في مصر والعالم، بعد ان صالت وجالت السلفية التكفيرية في مصر وعلى مدى عقود دون حسيب او رقيب، وزرعت فيها الكراهية والتعصب والجهل، مكفرة من يعارضها، ساعية لنزع التسامح والإنفتاح عن الاسلام المصري الاصيل، والباسه لباس التكفير والتزمت والتطرف والعنف والجهل، فلم يعد رجال الأزهر يعيرون اهمية لصراخ وعويل السلفية واتهامها لمن يسعى للتقريب بين المسلمين، بتلك التهم الجاهزة والتي لن تخدع ولن تردع علماء مصر الاجلاء بعد اليوم.

• شفقنا

208