مسرح الحرب العالمية الثالثة على اراضي الشرق الاوسط؟!

مسرح الحرب العالمية الثالثة على اراضي الشرق الاوسط؟!
الإثنين ١٠ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٨:٥٤ بتوقيت غرينتش

ما ان انهار الاتفاق الثنائي الذي عقد بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا للتوصل الى حل للصراع في سوريا، حتى بدأ الكلام عن إمكان نشوب حرب عالمية ثالثة انطلاقاً من الاراضي السوريّة.

لم يدم الاتفاق الثنائي سوى شهر واحد فقط، وفعلياً اقل من ذلك بسبب الخروقات التي تعرض لها والاتهامات المتبادلة بعدم احترامه من قبل الجهتين المعنيتين به.

وكثر في الآونة الاخيرة الحديث عن قرب اندلاع مواجهة عسكرية بين أميركا وروسيا فوق الاراضي السورية، وقد استند هؤلاء الى معطيات عدة أهمّها ما صدر في وسائل الاعلام الروسيّة عن إمكان حصول مثل هذه المواجهات، والكلام العالي السقف الذي أعلنه رئيس أركان الجيش الاميركي مارك ميلي بتهديده بالحاق هزيمة قاسية ضد كل عدو لأميركا يحاول إيذاءها (ذكر عدة دول بينها روسيا)، وإرسال القوات الروسيّة منظمّة الدفاع الجوي المتطورة "أس 300" وطرّادين حربيّين الى سوريا.

هذه الامور وقائع لا يمكن نكرانها، ولكن لا يمكن الركون الى الكلام فقط من اجل توقع حرب عالميّة، لأنه عندها يصبح الركون الى الخيال وحده. هل من السهولة بمكان اندلاع حرب عالمية فيما المشكلة في سوريا باتت في مراحلها الاخيرة؟ ليس خفياً ان الخلاف الدولي على التسوية يتعلق بحصص وتوزيع مغانم، وقد لعبت حلب في هذا الاطار دوراً مهماً لان استعادتها من قبل القوات الرسمية السورية المدعومة من روسيا سيحسّن دون شك شروط المفاوضة بالنسبة الى النظام ومن يدعمه، فيما سيخسر المعارضون وداعموهم في المقابل ورقة قوية كانت بحوزتهم.

ليس من السهل على الولايات المتحدة خوض حربٍ على هذا المستوى لاعتبارات كثيرة، فالانتخابات الرئاسية باتت على الابواب، والاعتماد على اوروبا موحدة لتدعمها اصبح غير مضمون، والدعم الخليجي والتركي الاعمى لها بات موضع شك كبير، ناهيك عن المشكلة الاهم والرئيسية وهي حجم الخسائر المادية والبشرية التي قد تتكبدها فيما الرأي العام الاميركي ابعد ما يكون عن الاستعداد لدفع مثل هذا الثمن الباهظ.

في المقابل، لن تكون روسيا مهتمة بدورها بالدخول في مثل هذا "الكابوس"، فهي في طور استعادة دورها كممثلة للاتحاد السوفياتي السابق ولن تفرط بهذا الامر عبر العودة الى نقطة الصفر لأن نتيجة الحرب، اياً تكن، لن تصب في مصلحة احد بل ستؤدي الى تسوية بين الجانبين مع موقع اضعف بكثير مما هما عليه اليوم. وما تعاني منه اميركا في هذا المجال لناحية نقص الدعم الاوروبي والخليجي والخسائر التي ستلحق بها على الصعيدين البشري والمادي، ينطبق بشكل اكبر على روسيا ايضاً.

ولكن، لماذا ارسلت روسيا صواريخ "أس 300" الى سوريا، وهل يمكن اعتبارها بمثابة سيناريو مكرّر للصواريخ الروسية في كوبا خلال عهد الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي، والتي شاءت الصدف ان تكون حصلت عام 1962 في شهر تشرين الاول ايضاً؟

الجواب على هذا السؤال أتى من روسيا نفسها، وذلك في تغريدة للسفارة الروسية في الولايات المتحدة غمزت فيها من قناة الدعم الاميركي للمعارضة السورية من جهة، والتأكيد على انها لن توفر سبيلاً لحماية عناصرها وقواتها المتواجدة على الاراضي السورية تجاه اي خطر يتهددها.

بالتالي، يمكن اعتبار هذه الخطوة وكأنها تعبير واضح عن مدى عدم الثقة الروسية بالقوى العسكرية الاميركية والتي تجلت بالضربة الشهيرة التي استهدفت تجمعاً للجنود السوريين في دير الزور الشهر الفائت. ولا شك ان تواجد منظومة "أس 300" المتطورة ستجعل أي قوة عسكرية تفكر مرتين قبل التعرض لمكان قد يتواجد فيه الروس، وهذا يعني ان موسكو غير معنية بالتعرض للقوات السورية او الايرانية او عناصر "حزب الله" المتواجدة في سوريا، وانما هي تحذّر من ان اي تفكير بالتعرض لجنودها سيكون ثمنه باهظاً.

ومن غير المحتمل ان تسلم روسيا حرية التصرف للنظام السوري بهذه المنظومة، لان لا مصلحة لها في فتح جبهات وخلافات غير ضرورية مع "اسرائيل" او تركيا على سبيل المثال، وهو ما يعزز قبول منطق ان هذه الصواريخ هي للدفاع عن التواجد الروسي في سوريا فقط، ومنع قيام اي منطقة حظر جوي على الطائرات الروسية والسورية.

رغم كل الاجواء الكلامية التصعيدية والتي يجب اخذها بالاعتبار والحذر من خطورتها، الا انها تبقى تحت سقف لا يمكن خرقه وهو الابتعاد عن حرب تغرق العالم في سنوات من البؤس والعذاب والالم.
* طوني خوري ــ النشرة

4