تأملات في تفجير الكنيسة المرقسية

تأملات في تفجير الكنيسة المرقسية
الإثنين ١٢ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٩:٢٣ بتوقيت غرينتش

التفجير الارهابي الذي استهدف يوم الاحد 11 كانون الاول / ديسمبر الكنيسة المرقسية في القاهرة، واسفر عن مقتل 25 شخصا واصابة 50 اخرين، رغم انه لن يزيد معلومة الى معلوماتنا حول خطر الجماعات التكفيرية، الذي يهدد حاضر ومستقبل بلداننا العربية والاسلامية، الا انه يمثل فرصة للتذكير ببعض النقاط التي تستحق ان نستذكرها على وقع هذا التفجير.

العالم - مصر

على جميع الحكومات العربية والاسلامية، وكذلك النخب الفكرية والثقافية والسياسية، وفي مقدمتها الدينية في الدول العربية والاسلامية، ان تعيد النظر في موقفها المتراخي من القراءة المشوهة والمتطرفة للاسلام، التي تعتبر الخزان الفكري الذي يمد هذه الجماعات بالافكار العبثية التي تسترخص ارواح الناس مهما كان دينها ومذهبها، وان تكف عن التملق وسياسة الاحتواء لهذا الفكر الظلامي، وان تسمي الاشياء بمسمياتها، قبل ان تنحدر الاوضاع الى هوة سحقية لا يمكن تداركها.

كلنا يتذكر بيانات بعض هذه الحكومات والنخب الدينية والسياسية والثقافية والفكرية، والتي لم تتجاوز التنديد والاستنكار اللفظي، ازاء المجازر التي كانت ومازالت تستهدف المسيحيين وباقي الاقليات الدينية والمذهبية والقومية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، على يد الجماعات التكفيرية، بل انها كانت وللاسف تبرر وبطريقة ما هذه المجازر، من خلال تحميل “الشيعة ” في العراق، و”العلويين” في سوريا، و “الحوثيين” في اليمن، وحزب الله في لبنان، مسؤولية ما جرى، عبر تكرار كلام لا يمت الى الواقع باي صلة، كـ”التهميش والاقصاء” و “التدخل الايراني” و “المشروع الصفوي” و “ابادة السنة” و.. والى اخر تلك المزاعم الواهية.

لم تجد بيانات وتصريحات ومواقف، العراقيين والسوريين واليمنيين واللبنانيين، حول حقيقة ما يجري في العراق وسوريا واليمن ولبنان،  اذنا صاغية لدى الحكومات والمرجعيات الدينية والنخب الثقافية والفكرية والسياسية العربية والاسلامية، التي فضلت الاصغاء فقط للجهات المغرضة، التي تستقي اخبارها من الجماعات التكفيرية.

على سبيل المثال لا الحصر، ليس لهذه الحكومات والمرجعيات الدينية والفكرية والثقافية والسياسية، ادنى فكرة حقيقة عن قوات الحشد الشعبي في العراق، وان كانت فهي فكرة مشوهة، استقتها من مصادر لا تضمر الخير لا لشيعة العراق ولا لسنته، وهذا الامر هو الذي دفع الازهر الشريف، وهو اكبر مرجع ديني لدى السنة في العالم، الى ان يتخذ موقفا سلبيا من الحشد الشعبي، بينما الحشد يتألف من خيرة شباب العراق، الذين تركوا كل ما يملكون وراءهم وتوجهوا لقتال الجماعات التكفيرية وعلى راسها “داعش”، دفاعا عن السنة والمسيحيين والايزديين وباقي الاقليات الدينية والمذهبية والقومية في العراق، وقدموا في سبيل ذلك الالاف من الشهداء والجرحى.

لا نريد ان نتهم احدا او نذكر اسماء، ولكن يكفي نظرة سريعة الى مواقع شبكات التوصل الاجتماعي، لنرى مئات الافلام لمشايخ مصريين من حملة الفكر التكفيري، وهم يبررون ليل نهار فظائع “داعش” والجماعات التكفيرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بحرية مطلقة، بل وصلت سطوة مشايخ التكفير هؤلاء حدا، انهم اخذوا يؤثرون حتى على قرارات الازهر الشريف ومواقف بعض اعلامه، ازاء ما يجري في البلدان المنكوبة بالجماعات التكفيرية وخاصة في العراق وسوريا.

ما حدث في مصر يوم الاحد، يجب ان يكون جرس انذار لتلك المراجع والنخب الدينية، ليكفوا عن تكرار ما تروجه  الجماعات التكفيرية، ازاء ما يحدث في العراق وسوريا، واعتبارها ردة فعل “سنية” على “عدوانية الشيعة والروافض والعلويين والنصيريين والصليبيين والايزديين ..” ، فهذه الجريمة النكراء تؤكد بما لا يقبل الشك، ان الجماعات التكفيرية ليست بحاجة لتبرير ممارساتها الدموية، فهذه الممارسات نابعة من ادمغتهم المشحونة بالفكر الظلامي التكفيري الدموي، الذي يرفض الاخر مهما كان هذا الاخر مسالما، كحال المسيحيين في العراق وسوريا ومصر.

مرة اخرى نتوجه الى الاحزاب والجهات والشخصيات اللبنانية على مختلف انتماءاتها الدينية والمذهبية، كما توجهنا اليها من قبل بعد كل اعتداء آثم على المسيحيين في الشرق، ونتساءل، هل مازلتم تُحمّلون حزب الله مسؤولية ممارسات التكفيريين في سوريا ولبنان ضد المسيحيين والاخر بشكل عام، اذا كانت الاجابة نعم، ترى ماذا تقولون عن جريمة استهداف المسيحيين المصريين المسالمين الابرياء؟، هل هي ايضا بسبب محاربة حزب الله للتكفيريين في سوريا ؟، ام ان العكس صحيح، وهو ان محاربة حزب الله للتكفيريين في سوريا، هي التي ابعدت الخطر عن مسيحيي لبنان، كما كانت ضمانة للعيش المشترك والسلمي الاهلي في لبنان؟.

حسنا فعل الازهر الشريف عندما  قرر إلغاء الاحتفال بالمولد النبوي الذي كان مقررا بالجامع الأزهر في نفس اليوم الذي اُستهدفت فيه الكنيسة المرقسية، تضامنا مع المسيحيين المصريين، ولكن على الازهر الا يكتفي بهذا الاجراء، وان يقف بالمرصاد للعلة الاصلية التي افرزت هذا المعلول، المتمثل بالتفجيرات والقتل والارهاب، وهذه العلة ليست سوى الفكر الظلامي التكفيري الذي غزا مصر منذ عقود، وشوه القراءة المصرية السمحاء للاسلام العظيم، والتي مر الازهر من امامها مرور الكرام، اعتقادا منه ان هذه الافكار الظلامية ستبقى معشعشة في الرؤوس التي تحملها، الا ان ما يجري اليوم من فظائع في سيناء وفي القاهرة واماكن اخرى من مص ، يؤكد خلاف ذلك.

المصدر : شفقنا

109-4