مقارنة تطبيقية في التحالفات الدولية ضد "داعش"

مقارنة تطبيقية في التحالفات الدولية ضد
الأحد ١٨ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٨:١٠ بتوقيت غرينتش

"قاتلت" امريكا وحلفاؤها، التكفيريين قتالا "مريرا وقاسيا وعنيفا"، ولكن على شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد والمجلات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومن على منابر الخطابة فقط، في الوقت الذي كان فيه التكفيريون يستولون على ارض جديدة ويرتكبون فظاعات لا تعد ولاتحصى في العراق وسوريا.

العالم - سوريا

بدأت "حرب" امريكا وحلفائها على التكفيريين من "الدواعش" وغيرهم، في 19 أيلول / سبتمبر 2014، اي قبل اكثر من عامين، وضم التحالف الدولي بقيادة امريكا عشرات الدول، بينها فرنسا وبريطانيا واستراليا وكندا وايطاليا وبلجيكا وهولندا واسبانيا والنروج وتركيا ونيوزلندا، الا ان التكفيريين من "الدواعش" وغيرهم لم يستشعروا اي خطر من هذا التحالف الطويل العريض، فبقي التكفيريون متشبثون بالمناطق التي سيطروا عليها في العراق وسوريا.
بانت واتضحت جدية التحالف الدولي بقيادة امريكا، في المعارك التي جرت في العراق ضد الجماعات التكفيرية وعلى راسها "داعش"، بعد ان "عجز" هذا التحالف عن طرد "الدواعش" من اي مدينة او بلدة او قرية عراقية، الا بعد تدخل  قوات الحشد الشعبي، السند القوي للجيش العراقي، في تلك المعارك، وعندها فقط امكن طرد "داعش" من مساحات كبيرة من اراضي العراق.
اتضح جليا ان التحالف الدولي وعلى رأسه امريكا لم يكن راغبا بوجود قوات الحشد الشعبي في جبهات القتال، لذلك شن حربا نفسية واعلامية ضد الحشد الشعبي، شارك فيها اذنابه في داخل العراق، للحيلولة دون مشاركته في المعارك، بذرائع واهية وسخيفة، بل وصل الامر الى ان قامت طائرات التحالف بقصف مواقع قوات الحشد الشعبي، وتم تبرير عمليات القصف التي وقت اكثر من مرة، واسفر عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، بالخطأ غير المقصود.
المتابع لسير عمليات التحضير لمعركة "قادمون يانينوى" التي بدات في 16 تشرين الاول / اكتوبر 2016، وكذلك سير العمليات العسكرية الجارية الان، يرى وبوضوح ان هناك دورا امريكيا مشككا دائما بعمليات التحضير للمعركة، وبموعد بدئها، وبالجهات العراقية المشاركة فيها، وكثيرا ما تم الترويج لاحتمال وقوع خسائر بين المدنيين، و احتمال وقوع عمليات انتقام واسعة، و عدم قدرة العراقيين على حسم المعركة، و..، في محاولة واضحة لتثبيط عزائم الجنود العراقيين وقوات الحشد الشعبي، والشعب العراقي بشكل عام في حربهم ضد التكفيريين.
استنادا الى ما تقدم، اصبح هناك يقين لدى العراقيين، من ان الامريكيين غير جادين في القضاء على "داعش"، على الاقل في المستقبل القريب، وان هناك اهدافا تسعى امريكا لتحقيقها من خلال "داعش"، وهي اهداف لم يتحقق بعضها حتى الان، لذلك تعمل امريكا على ادارة "داعش"، وليس محاربتها، وهو ما يفسر عداء امريكا والمتحالفين معها، للحشد الشعبي العراقي، الذي اكدت المعارك التي شهدتها المناطق الغربية من العراق، عزمه على استئصال "داعش" من العراق والى الابد.
التفاف قوات الحشد الشعبي على الموصل، من الجهة الغربية ومحاصرتها، جاء بعد ان تبين ان امريكا ترفض محاصرة "داعش" في الموصل، وضغطت من اجل فتح الجهة الغربية من الموصل امام "داعش"، ليكون بامكانها الهرب الى سوريا اذا ما خسرت معركة الموصل، وشنت حربا اعلامية ونفسية وسياسية وحتى عسكرية، على الحشد الشعبي، بهدف رفع الحصار المفروض على "داعش" من الجهة الغربية.
في مقابل التحالف الدولي الذي تقوده امريكا والمؤلف من اكثر من ستين بلدا، ضد "داعش" في العراق، هناك تحالف سوري روسي ايراني الى جانب مقاتلي حزب الله، تشكل بعد عام من تشكيل التحالف الامريكي، وتحديدا في 30 ايلول / ديسمبر 2015، اثبت وعلى الارض، انه تحالف قوي ومصمم على استئصال الارهاب التكفيري من سوريا، وانجز ما لم ينجزه التحالف الامريكي الستيني خلال اكثر من عامين، ففي عام واحد تم تحرير مدن وبلدات وقرى استراتيجية في سوريا من الجماعات التكفيرية، واخر الانتصارات التي حققها هذا التحالف هو الانتصار الكبير والاستراتيجي في حلب، رغم وقوف التحالف الدولي بقيادة امريكا الى جانب التكفيريين والمسلحين في حلب وعلى راسهم مسلحي القاعدة (جبهة النصرة – جبهة فتح الشام).
تطورات المعارك في سوريا وخاصة في حلب، ورفض امريكا التصدي عسكريا لمسلحي جبهة فتح الشام (القاعدة)، رغم ادراجها على لائحة المنظمات الارهابية الامريكية، وتسليحها باحدث الاسلحة، عبر السعودية وقطر وتركيا، الى جانب تسويف ومماطلة امريكا، في حربها ضد "داعش" في العراق، ومعارضتها كل القوى العراقية التي تحارب وباخلاص وتفان "داعش"، كل ذلك يؤكد بما لا يقبل الشك، ان امريكا غير جادة في محاربة الجماعات التكفيرية، بل ان العديد من هذه الجماعات تستمد اسباب وجودها من امريكا وحلفائها في المنطقة، الامر الذي يؤكد ضرورة اعتماد الجيشين العراقي والسوري على قواهما الذاتية، وكذلك الاعتماد على الدول التي تقف الى جانب الشعبين العراقي والسوري، دون ان تسعى لتحقيق مصالحها فوق بحار من الدماء العراقية والسورية.

* شفقنا

205-4