حسين مرتضى يكشف عن خفايا اليوم الثاني من اجتماعات استانا

حسين مرتضى يكشف عن خفايا اليوم الثاني من اجتماعات استانا
السبت ٢٨ يناير ٢٠١٧ - ٠٥:٢٢ بتوقيت غرينتش

انتهى اليوم الاول من اجتماع استانا، وكان يوماً لرسم الخطوط العريضة بامتياز، وفي مساء ذات اليوم كانت الوفود جميعها تعمل كخلية نحل، تحضيراً لليوم الثاني، والذي كان من المقرر فيه ان تبدأ الاجتماعات، سواء العامة او بين الوفود المشاركة، لكن الخلافات التي ظهرت كانت سببا في عدم عقد اي اجتماع بالمعنى الرسمي، حيث كانت جميع الاجتماعات اما ثنائية واما ثلاثية.

العالم - سوريا

التوتر كان سيد الموقف، حراك لم يهدأ، وحركة الوفود تشي بأن هناك خلافا تعمل الدول الضامنة على انهائه، هنا بدأنا بجمع المعلومات، وبدأ التوتر ينتقل الينا، وبعد محاولة عدة، استطعنا فهم ما يجري، وعرفنا ان محاولة ضغط  من قبل التركي، الذي حاول القفز الى نقاط مابعد وقف اطلاق النار ومحاربة المجموعات المسلحة، والوصول الى نقاط وبنود العمل السياسي، لكن فاته ان العمل السياسي لم يكن مطروحا على الطاولة في استانا بالاضافة الى ذلك علمنا ان الطرف التركي حاول الذهاب الى بعض مطالب المسحلين والحديث عن تحديد طبيعة الحكم والحل السياسي وتشكيل الحكومة، هذه المواضيع كلها كانت كفيلة بتوتير الاجواء، ولكن حسمت من قبل جواب صلب وقوي من الوفد السوري وسانده الجانب الايراني في هذا الاطار، ان لا حديث سيدور حول ما يتعلق ببعد وقف اطلاق النار، واننا هنا لبحث تثبيت وقف اطلاق النار والاتفاق على محاربة الارهاب.

وبعين المراقب لمجريات التفاوض والاجتماعات، برز امامنا ما يمكن وصفه بالاستراتيجية الايرانية المتبعة في مؤتمر الاستانا حيث كان الدورالايراني واضحا وحدد لنفسه مايريد، مبتعداً عن الواجهة الاعلامية ولا يريد ان يكون هو المهيمن على الحل من الناحية السياسية، على العكس حيث اثبت الطرف الايراني في محادثات استانا نه يتعاطى معها لمصلحة حل الحرب في سوريا كون الوفد الايراني كان يرى ان وجوده في المؤتمر ليس لتوتير الاجواء.

بدأت الوفود تتحضر ليوم ثان من العمل الشاق، وكنا نبحث عن مفاصل الاخبار والتفاصيل، بالرغم من برودة الجو التي كانت قادرة على تجميد اي ملف، الا ان الملف السوري كان الاكثر حرارة في الاستانا ومن المميز قبل أي اجتماع او لقاء، كان اصرار وفد المجموعات المسلحة على الادلاء بتصاريح كثيرة، وهذا ما جعله يفرغ ما بجعبته من كلام او حتى اطروحات، وشكل له ارباكا امام الصحفيين وجعله سهل الاستفزاز، اما الوفد السوري فقد كان مقلاً في كلامه للاعلاميين، وما ان يطل رئيس الوفد حتى يترك الجميع ما بيده وينطلق نحوه للحصول على اي كلمة او معلومة، وعبر ملامح وجه السفير بشار الجعفري كنا نخمن ما يجري داخل القاعات المغلقة، وبالذات عندما ظهر على السطح الخلاف حول البيان الختامي للاجتماع، حيث رفض الطرف السوري وضع توقيعه على بيان المؤتمر الختامي حتى لا يوضع توقيعه الى جانب التوقيع التركي, حيث من الممكن ان يصدر بيانا تضمنه الدول الراعية وملزم للدول الاطراف، والدولة السورية ليس لديها اي مشكلة مع موضوع الالتزام، وهذا الخلاف كان احد اسباب توتر الجانب التركي، واظهر تخبطه اكثر، وخلال وقت قصير من البيان الختامي حاولت تركيا التصعيد احيانا والحديث عن ضرورة ان يكون هناك بيانا صحفيا مشتركا ولقاءات جانبية وبيان مشترك، لكن الوفد الحكومي السوري كان دائما يرفض هذه الاطروحات.

تنفسنا الصعداء وبدأنا نعد انفسنا للبيان الختامي، حيث عكفت الوفود جميعها على اعداد البيان، وكنا نجمع كل ما يتردد صداه في الاروقة  عن بنود ذلك البيان، وما كان يصلنا منه كان لا يشبع فضول الصحفي في الالمام بالمعلومة كاملة، وهنا كان لابد من الحصول على المعلومات، لنكتشف ان عقبات قد برزت في وجه صياغة البيان الختامي، وهذه العقبات كانت عبارة عن محاولة تركيا من جديد زج نقطة طبيعة الحكم او الحديث عن مرحلة انتقالية، السعي لموضوع تشكيل لجنة قانونية، واخرى عسكرية لبحث الاليات في المرحلة القادمة، هذه كانت النقطة الاساسية التي كان يركز عليها التركي وطرحها بقوة ، لكن الطرف السوري رفضها من جديد بقوة.

بدأ الوقت يمضي ببطء، وبدأت تسريبات البيان الختامي تصل تباعاً، لكن الامر كان اكثر صعوبة مما تخيلنا، حيث كان هناك مختصون من الجانب الحكومي السوري يدققون في المصطلحات، ويختارون الترجمة الدقيقة لكل كلمة او مصطلح سيرد في البيان، كي لا يكون هناك تأويل لأي مصطح او مفردة , من الممكن ان تستفيد منه المجموعات المسلحة او تركيا، هذا التدقيق رفع وتيرة التصعيد، والغى الكثير من القضايا التي كان مقررا ان يتم بحثها في جلسة عامة  في اليوم الثاني قبل البيان الختامي، مضت الساعة والجميع ينتظر، وتم التوصل لاتفاق يقضي بعقد لقاءات ثنائية، تركية - ايرانية، وحول تنسيق أمني أكبر فيما يتعلق بالخرائط وتحديد طبيعة المجموعات المسلحة، وان يشترك ضباط ايرانيين واتراك في تحديد اماكن تواجد المجموعات المسلحة، وبنك الاهداف، الذي تتواجد فيه تلك الجماعات، وتجنيب المجموعات الموقعة على بيان الاستانا من سير الاستهدافات العسكرية، عبر لقاءات سيعقدها ضباط اتراك وايرانيين.

تصاعد الدخان الابيض من مدخنة الفندق، وتم الاتفاق حول البيان الختامي، وهنا لا نكشف سراً ان الجانب السوري قبل وصوله لاستانا كان رافضاً من دمشق، فكرة أي مؤتمر صحفي مشترك في نهاية الاجتماع لا مع المسلحين ولا مع الطرف التركي في البلد المضيف.

بدأنا مع انتهاء الاجتماع بحزم حقائبنا، واتجهنا نحو المطار وصعدنا الى الطائرة مع الوفد الحكومي، وكان هناك بعض الجلسات الخاصة مع الدكتور الجعفري وغيره مع أعضاء الوفد الحكومي، تبادلنا الاحاديث وكان هناك ارتياح كبير والابتسامة كانت تعلو وجوه الوفد الحكومي المشارك، وكانت دليل ارتياح اعضاء الوفد المشارك للنتائج، والخلاصة التي خرجنا بها من اللقاءات على متن الطائرة، حقق ما اراد من هذا الاجتماع، والحديث الذي لا ينسى هو كلام السفير الجعفري عن بعض الضغوطات التي مورست على الوفد الحكومي اثناء الاجتماع وكيف كانت ايام صعبة من جهة التأسيس للمرحلة القادمة، لكون ما يرسخ الان في استانا يرسم معالم المرحلة القادمة ، فبعد كل هذه الظروف والضغوط والمواقف والثبات الذي اظهره الوفد الحومي فأنا أرى بأن الوفد الحكومي هو من انتصر، وهذا ما يميز العمل المؤسسات المحترف، عن غيره من الوفودن فبنظرة سريعة اثناء عودتي في الطائرة، كانت مقارنة سريعة تمر في ذهني،  وكنت اقول، اولا ان العمل حق وواجب وليس معيبا ابداً لكن كيف يعقل ان يكون رئيس وفد يفاوض حول مستقبل بلد بائع خضار والناطق الرسمي باسمهم يعمل بمجال تأمين السيارات، لمن يريد أن يسأل كيف رضت الحكومة السورية ان تجلس معهم على طاولة استانا وهنا كان الجواب مع ابتسامة.. هذه الشخصيات هم نخبة الجماعات المسلحة وصفوتهم، واذا رفض الحوار معهم او الجلوس معهم قد يأتي من يكون أبعد منهم عن السياسة ، وهنا نؤكد اننا نحترم جميع المهن ولكن يجب القول وبشكل قاطع ان هذه المجموعات ليس لديها اي قيادة سياسية واعية لحجم المرحلة الراهنة وتحدياتها.

* حسين مرتضى - العالم

106-10