التحالف "السني" الاسرائيلي اكثر خطورة من القنبلة النووية الايرانية الوهمية

التحالف
الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٧ - ٠٥:٤٥ بتوقيت غرينتش

من يتابع التصريحات المتلاحقة التي تصدر هذه الايام عن الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونائبه مايك بنس حول مزاعم "الخطر الايراني" الذي يهدد اميركا وحلفاءها في المنطقة، يعتقد ان الحرب باتت وشيكة جدا، وان صواريخها المجهزة برؤوس ذرية، جاهزة للانطلاق لضرب اهداف في المملكة السعودية وكيان الاحتلال الاسرائيلي.

العالم - فلسطين

فاجأنا السيد بنس اليوم عندما "اكد" ان ادارته ستبذل كل جهد ممكن لمنع ايران من ما وصفه بامتلاك اسلحة نووية تهدد "اسرائيل"، ولا نفهم كيف ستملك ايران هذه الاسلحة وهي ملتزمة بإتفاق مع الدول الست العظمى، يحظر عليها تخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاما مقبلة؟

السؤال الذي يحيرنا، ويصعب علينا ايجاد اجابة عليه يتعلق بالاسباب والمبررات، التي تدفع الادارة الاميركية الجديدة لقرع طبول الحرب، وتشكيل التحالفات العسكرية والسياسية في المنطقة لمواجهة ايران، وهي التي لم يمض عليها في الحكم غير ثلاثة اسابيع فقط، فهل ترى هذه الادارة اخطارا لم ترها الادارة السابقة، ومعها كل الدول الاوروبية، التي تفاوضت لاكثر من عامين لتوقيع الاتفاق النووي؟

لا نعتقد ان هناك خطر ايراني، وانما هناك محاولة لاحيائه وتضخيمه من قبل الادارة الحالية، وبتحريض من بنيامين نتنياهو، من اجل قيام "شرق اوسط" جديد على اسس مختلفة، عنوانه الابرز هو تشكيل حلف جديد يضم الدول العربية السنية الرئيسية، وهي معظم دول الخليج (الفارسي)، علاوة على مصر والاردن وتركيا، وبما يؤدي الى "تذويب" القضية الفلسطينية، او تخفيضها الى مراتب دنيا على سلم اولويات المنطقة والعالم.

بنيامين نتنياهو "فيلسوف" هذا الشرق الاوسط الجديد ومنظّره، قال في مقابلة مع محطة تلفزة اميركية (سي ان ان) انه يريد سلام شامل في الشرق الاوسط بين "اسرائيل" والدول العربية، واضاف بأن دولا عربية كثيرة لم تعد تعتبر "اسرائيل" عدوا، بل حليفا في مواجهة ايران.

الرئيس الاميركي ترامب اعلن تبنيه لما سماه بـ "المقاربة الاقليمية" التي يتحدث عنها نتنياهو، واكد سفيره الجديد في تل ابيب ديفيد فريدمان الداعم الاكبر لسياسة الاستيطان الاسرائيلية، "ان العرب والاسرائيليين يوحدهم القلق من ايران".

لان نعرف من هم هؤلاء العرب الذين لا يذوقون طعم النوم بسبب القلق والرعب من ايران، فهل الجزائريون، والمغاربة والمصريون والاردنيون والليبيون والسودانيون، ومعظم السوريين والعراقيين، اي الغالبية الساحقة من العرب يقلقهم فعلا الخطر الايراني، ويرون في "اسرائيل" المنقذ والمخلّص مثلا؟

لا ننكر مطلقا ان بعض الاسر الحاكمة في الخليج (الفارسي)، وعلى رأسها الاسرة السعودية، تشعر بهذا القلق، وتحاول تصديره الى شعوبها، تماما مثلما شعرت بالقلق نفسه، او اخترعته، من صدام حسين، وقبله الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت في ذروة الاطمئنان والسعادة والاسترخاء اثناء وجود الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان يتباهى بفارسيته، واحتقاره للعرب وعلاقاته الاستراتيجية بـ"اسرائيل".

ترامب وحليفه نتنياهو سيوحدان طرفي المعادلة المذهبية الاسلامية، اي السّنة والشيعة ضدهما، والحلفاء العرب الذين سينضوون تحت شرقهما الاوسطي الجديد الذين يريدان اقامته، مثلما سيوحدان "ارهاب" الطرفين ايضا الذي يمكن ان ينشأ كرد فعل على هذا التحالف الجديد، الذي لا نعتقد انه يملك اسباب القوة والمنطق التي تعتبر ضرورية لاستمراره ونجاحه في تحقيق اهدافه، ويذكرنا بالمصير الذي آل اليه حلف بغداد المشابه.

كان لافتا الحملة الشرسة التي شنتها المملكة العربية السعودية لاجهاض الزيارة المزمع ان يقوم بها الرئيس الايراني حسن روحاني الى الجزائر عبر اذرعتها الاعلامية الضاربة على "التويتر"، ووسائط التواصل الاجتماعي الاخرى، ولكنها تبخرت وبسرعة فور وصول السيد روحاني الى عاصمتين خليجيتين هما الكويت وسلطنة عمان، مما يعكس صعوبة هذه المهمة التحريضية في المستقبل.

ما يجعلنا اكثر يقينا بأن هذا الحلف العربي الاسرائيلي الجديد سيجد مقاومة شرسة، هو عدم ارتكازه على اسس عادلة لحل القضية الفلسطينية، وطرح بدائل ربما تفجر الدول المرشحة للانضمام اليه، ونقصد هنا كل من مصر والاردن خصيصا.

فالحل المطروح كبديل لحل الدولتين هو ما تردد على استحياء مؤخرا، وهو اقامة دولة فلسطينية في سيناء لتوسيع قطاع غزة، وضم الضفة الغربية للاردن، ولا نعتقد الشعب المصري الذي يعارض بقوة وبأغلبية ساحقة التنازل عن جزيري "صنافير" و"تيران" المهجورتين في مدخل "خليج العقبة" للمملكة العربية السعودية سيقبل بهذا الحل، كما ان الشعب الفلسطيني لا يمكن ان يقبل مثل هذه الحلول البديلة.

ان قمة الغباء في رأينا ان يراهن بعض الحكام العرب على الرئيس ترامب الذي تحاربه اقوى مؤسستين في اميركا، وهما الاعلامية الامنية، وتعملان بشراسة على تقويض اسس حكمه، علاوة على التحالف مع نتنياهو الذي يجسد العنصرية الاسرائيلية في ابشع صورها، ويعمل ليل نهار على تهويد مدينة القدس المحتلة.

هذا التحالف العربي الاسرائيلي الجديد في حال قيامه سيكون قنبلة تفجير للمنطقة، وربما للدول المنضوية تحت لوائه، وهي قنبلة اكثر خطورة من قنابل ايران النووية الوهمية بكثير.. وسيكون لنا اكثر من عودة الى هذا الموضع في الايام المقبلة.
103-4