وكاد بوغدانوف ان يولول !!

وكاد بوغدانوف ان يولول !!
الإثنين ٠٣ أبريل ٢٠١٧ - ٠٤:٤٧ بتوقيت غرينتش

الشيء الذي لم يفعله ميخائيل بوغدانوف هو انه لم يولول حين خرج من قمة البحر الميت. اذا اراد ان يرفع تقريراً الى فلاديمير بوتين حول القمة, قد يكتفي بكلمات قليلة «ثمة مشكلة في العقل الاستراتيجي العربي».

العالم - مقالات

قيل لنا ان مبعوث الكرملين الى البحر الميت بقي مشدوهاً طوال الوقت من الكلمات التي لا تعني اي شيء، في حين ان العالم العربي يشهد اربع حروب هائلة تدمر دولاً ومجتمعات، ودون ان يطرح اقتراح واحد من اجل وقف اي من تلك الحروب...
قيل لنا ايضاً ان بوغدانوف الذي لاحظ كيف يؤتى بالمبادرة الديبلوماسية العربية الخاصة بالتسوية مع "اسرائيل" من المقبرة لاحيائها, مع ان بنيامين نتنياهو لا يرى فيها اكثر من جثة يدوس عليها ذهاباً واياباً، دون ان تكون هناك مبادرة واحدة لمصالحة السوريين مع السوريين, والعراقيين مع العراقيين، واليمنيين مع اليمنيين، والليبيين مع الليبيين، وحتى الصوماليين مع الصوماليين...
يحق للديبلوماسي الروسي ان يشعر بالذهول، وبالصدمة، لاكتفاء العرب بالمقاربة اللغوية، دون المقاربة الديبلوماسية، لكل تلك الحروب التي تأكل الاخضر واليابس، ودون ان يستشعر ستة عشر ملكاً ورئيساً، اضافة الى الممثلين الاخرين، بأن الحرائق لابد ان تمتد الى دول اخرى «تتمتع» بكل المواصفات الايديولوجية والقبلية لاستضافة حرب مماثلة على اراضيها.
على احدى الشاشات استعاد بوغدانوف عبارة لاندريه غروميكو «عشر سنوات من الديبلوماسية افضل من يوم واحد من الحرب». القمة تعاطت مع الحروب على انها تجري على سطح المريخ ولا تتاخم دولاً لم تنتقل اليها النيران ليس لكونها تمتلك المناعة الداخلية، او انها مثال للديمقراطية والعدالة، وانما لان الاساطيل البحرية والجوية، ولان اجهزة الاستخبارات الكبرى، ترصد حتى دبيب النمل فيها على مدار الساعة...
عادة، حين يلتقي الاعداء، او الحلفاء، في قمة ما، فمن اجل الاعداد لحقبة من السلام. حدث هذا في مؤتمر وستفاليا عام 1648، وفي فيينا عام 1815، وفي فرساي عام 1919، وفي يالطا عام 1945، واقفلت حروب كبرى ذهب ضحيتها ملايين البشر...

لا وقف للحرب في سوريا الا اذا رحل بشار الاسد. الذريعة ان الرجل قتل شعبه. لنتذكر ان السبب، لدى اندلاع الازمة، كان النقص في الديمقراطية وفي العدالة. هل من معنى لهذين المصطلحين على امتداد العالم العربي وبعدما ذكرت معلومات العالم الآخر ان عظام يعرب من قحطان طلبت اللجؤ السياسي في جهنم؟
بطبيعة الحال، من الصعب الدفاع عن اي نظام عربي (من فضلكم انظروا الى احوالنا)، ولكن هل كان يفترض بالاسد ان يسلم سوريا لاولئك البرابرة الآتين من اصقاع الدنيا والذين وضعت بين ايديهم احدث الاسلحة فضلاً عن مليارات الدولارات التي، وعلى امتداد ست سنوات، لم تتمكن من ان تبقى او ان تضع يدها على اي من المدن الكبرى، ومن دمشق الى حلب وحمص واللاذقية وحماه...
الروس قالوا علناً انه اذا سقط النظام، فإن سوريا ستندثر في حرب المائة عام، وسيكون الوضع اكثر كارثية مما يحدث في ليبيا. هنا الجغرافيا اقل بكثير والديموغرافيا اكثر بكثير، وعلى التخوم السورية لا توجد مصر وتونس والجزائر، بل الذئاب العثمانية ومعها الذئاب الاسرائيلية...
هذه قمة اشقاء. بوغدانوف الذي يحضر القمة العربية للمرة الاولى كان يظن ان المشاركين سيطرحون افكاراً، ويضعون آليات, للانتقال من فظاعات الحرب الى آفاق السلام. خطابات فولكلورية، ومقررات فولكلورية يتكفل احمد ابو الغيط بمراسم نقلها الى مثواها الاخير...
في نظرالروس، اذا اقفلت الحرب في سوريا يخمد اوارها في سائر الدول الاخرى، وهم يلاحظون كيف ان وزير الخارجية الاميركية ركس تيلرسون رأى ان مصير الاسد يحدده الشعب السوري على المدى الطويل, والمندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي قالت ان اولوتينا في سوريا لم تعد ابعاد الاسد.
الاميركيون يقولون هذا، وهم آلهتنا، وهم اولياء امورنا, وهم حماة ديارنا، فلماذا الاصرار على استمرار الحروب الا اذا كانت جدران الدم، وجدران النار, لكي تختبئ وراءها انظمة لم يعد لها مكان لا في القرن، ولا حتى في القرون الغابرة...
حتى اللحظة لا يزال ميخائيل بوغدانوف مشدوهاً، هل حقاً انه دعا الى قراءة كلمة الرئيس ميشال عون مرة ثانية وثالثة. هنا العقل الآخر الذي يحتاج اليه العرب...

نبيه البرجي - الديار

114-4