سري وعاجل: وزارة " للوزراء السابقين"

سري وعاجل: وزارة
الثلاثاء ٠٢ مايو ٢٠١٧ - ١٢:٣٤ بتوقيت غرينتش

"عندما يصبح الإنسان بلا أسنان، يصبح من السهل عليه أن يقول من العار أن تعضوا أيها الرفاق"، عبارة "زوربا اليوناني" هذه تضجّ في رأسي وأنا استمع لحديث وزير ترك الحكومة لأسباب لها علاقة بسوء الأداء أو النزاهة، أو حتى نتيجة لتغيير تمّ وفقاً للأطر الدستورية.

العالم ـ مقالات وتحلیلات

"كيفك سيادة الوزير؟"، سؤال ما أن تتفوه به حتى تفتح على نفسك "صندوق باندورا السوري" حيث تتجمع شكاوى المسؤولين السابقين فيستفيض "معاليه" في "بق" كل ما في داخله من أشجان وهموم حول "الحقبة المريرة" من حياته والتي قضاها وزيرا، فيشرح لك كيف (أنهم) "ما خلّوه يعمل شي" حتى يساعد "المواطنين المعترين"، عبارة يكررها بكثافة لا تقل عنها كثافة المكالمات التي ترده على جواله، وجلّها من أفراد عائلته الذين يشتكون تأخر السائقين عن مواعيدهم، وهو أمر لم يكن معهودا "أيام اللولو".

لكن ما لا يستطيع "معاليه وأهله" استيعابه ـ ولو إلى حين ـ هو أن التأخير بات أمراً طبيعياً لأنَّ السائقين لم يعودوا من موظفي الدولة، وبالتالي سيعانون من زحمة الحواجز والانتظار على البنزين.

وللبنزين حكاية أخرى مع "معاليه"، حكاية "يسفّ" أثناء سردها من حبتين إلى ثلاث حبات ضغط، "معاليه" اليوم من "دون بنزين" بعد أن كان يتلقى شهرياً 1875 ليتر منه موزعة على السيارات الأربع الأولى التابعة لمكتبه، وبقيمة إجمالية وقدرها 421875 ل.س شهريا، وذلك عملا بالتعميم الصادر عن رئاسة الوزراء في 13 آب 2015 والمعطوف على كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 13773/1 تاريخ 3/9/2014، وقد أوضحت رئاسة الوزراء حينها بأنّ تحديد حصة الوزير بـ1875 ليتر شهريا يأتي "في سياق ضغط الإنفاق الإداري والحفاظ على المال العام من الهدر وتحقيقاً للمساواة بين السادة الوزراء بخصوص كميات الوقود المخصصة لهذه السيارات".

طالما كانت المناصب الوزارية في أوروبا فرصة ذهبية لتمكين أصحابها من تحقيق قفزة نوعية في حياتهم السياسية والمهنية على حد سواء، فعلى المستوى السياسي يتفاني الوزراء في تنفيذ البرنامج الحكومي الذي نال ثقة البرلمان بعد التصويت عليه، هذا البرنامج ليس إلا نسخة عن البرنامج الانتخابي الذي طرحه الحزب الحاكم على الناخبين وحصل على ثقتهم، وبالتالي، يتوجب على الحزب الحاكم أن ينفذ تعهداته الانتخابية تحت طائلة المخاطرة بالخروج من القصر الرئاسي.

من هنا يعمل هذا الحزب على اختيار خيرة خبراته، ويعينهم وزراءً لتنفيذ برنامجه الحكومي، وكلما قدم هؤلاء أفضل ما لديهم كانت فرصهم أكبر ليس فقط في الإرتقاء في الصفوف القيادية لحزبهم، بل وفي تأمين مستقبل مهني مربح في القطاع الخاص بعد خروجهم من الوزارة.

من هنا يكون الوزير محظوظا للغاية إذا شهد عهده أزمات بنيوية تهدد كيان الدولة، فالنجاح بتجاوزها سيُنسب إليه بالرغم من أنّه كان أحد أعضاء الفريق الذي اجترح الحلول، لكن حذاقته في اختيار هذا الفريق تدل على منهجية في العمل لا يتقنها إلا المبدعون، وهذا أمر يلتقطه القائمون على الشأن العام والقطاع الخاص على حد سواء.

ولنا في السيدة الفرنسية "كريستين لاغارد" ـ الرئيسة الحالية لبنك النقد الدولي ـ خير مثال، فما أن شغلت "لاغارد" منصب وزيرة الاقتصاد في حكومة ساركوزي (2007 ـ 2011) حتى ضربت العالم الأزمة المالية العالمية (2007) وتبعتها الأزمة الاقتصادية العالمية (2008)، وجدت "لاغارد" في هاتين الأزمتين فرصة ذهبية لإثبات كفاءتها العلمية فاستطاعت تجنيب بلادها التبعات الأشد خطورة لهما دون أن ترهق المواطن الفرنسي بضرائب إضافية، لأنَّ في ذلك خروج على البرنامج الانتخابي لحزبها، لذا لم يمضِ أسبوع على خروجها من الحكومة بتعديل وزاري اعتيادي (29/6/2011) حتى استقطبها بنك النقد الدولي (5/7/2011).

في سورية، بعض الوزراء السابقين (وكلمة بعض هنا مستخدمة للتمويه) يتعاطى بحذر مشوب بالأمل مع كل من يستهل كلامه بعبارة "كيفك سيادة الوزير؟"، إذ يظن "معاليه" أن من يطرح عليه هذا السؤال هو شخص "مبعوت من فوق" لكي يستشف استعداده لتولي وزارة جديدة، عندها سينهمك "معاليه" بعرض حزمة واسعة من الأفكار التي يجزم بأنها ستقضي على الفساد، وترفع من سوية التعليم والعلم، وتحفظ كرامة ولقمة المواطن، وتحصن القضاء وأوضاع القضاة.

اللافت أنَّ هذه الأفكار تتعلق بعمل أربع أو خمس وزارات دفعة واحدة، إضافة إلى حزمة لا تنتهي من المشاريع التي (ما خلّوه ينفذها) عندما كان وزيرا، من هنا أرى أنه من الضروري أن يتم إحداث وزارة جديدة نسميها "وزارة الوزراء السابقين" تكون وظيفتها تجميع الأفكار التي لم يستطع هؤلاء تنفيذها خلال توليهم مهامهم الوزارية، وسأترك لكم تخمين عدد الوزراء الذي سيقبلون الانضمام إلى هذه الوزارة في حال منعنا عنهم مخصصات البنزين، والسيارات الأربع، والمرافقة، ومدراء المكاتب.

* عصام التكروري ـ صحيفة "صاحبة الجلالة"

104-3