أفيخاي أدرعي.. صورة ضعف وارتداع

أفيخاي أدرعي.. صورة ضعف وارتداع
السبت ١٦ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٥:٣٣ بتوقيت غرينتش

أثار الناطق باسم قوات الاحتلال الاسرائيلي أفيخاي أدرعي، قبل أيام على الفيسبوك، عاصفة من التعليقات، وأحياناً السجالات، على مواقع التواصل الاجتماعي، بظهوره حاملاً قطعة ورق مقوى (كرتون) وعليها عبارة "إن تجرأتم فاجأناكم". أدرعي تحوّل خلال السنوات الأخيرة، إلى نجم إعلامي، مدعوماً بفريق مخابراتي متخصص يعمل على توجيهه، وفق خطوات مدروسة بدقة. لكنه في ظهوره الأخير حَوَّلَ تلك "الأيقونة" الإعلامية الصهيونية، إلى مادة للسخرية المحضة، التي ربما تؤدي الى الإطاحة بكل ما أنجزه. حيث سقط في فخ السذاجة نفسه، الذي سقط فيه متابعوه العرب، على صفحات التواصل الاجتماعي، واستغلهم هو بدهاء وخبث.

العالممقالات

أولاً، من حيث الشكل، بدا أدرعي مستلباً تماماً، ومستسلماً لإعجابه الدفين بالمقاومين ولخشيته منهم، عندما استخدم، وبجدية تامة و"صرامة" واضحة، وسيلة تسلية هؤلاء، في سوريا وفي الجرود اللبنانية، للمزاح خلال أوقات استراحتهم من القتال. فكان أقرب إلى المهرج، منه إلى الإعلامي الذكي "الظريف" الذي يجذب الشباب العرب للسجال، مقدمة للصداقة ثم التطبيع. أراد أن يبدو واثقاً ليوصل رسالة تهديد تصيب وعي البيئة الحاضنة للمقاومة. لكن ما أفصحت عنه الصورة والعبارة المكتوبة على قطعة "الكرتون" هو التالي:

1- أن الإسرائيليين باتوا عاجزين عن الإبداع في خطابهم الإعلامي المباشر، الذي يراد له أن يكون أكثر تأثيراً في البيئة العربية عامة، وفي بيئة المقاومة خاصة، ويلجأون إلى اعتماد التقليد الذي يبدو صورة مشوهة عن الأصل، وبعيدين عن اجتراح "الجديد المدهش".

 2-  العبارة تستبطن نزعة دفاعية، "إذا هاجمتمونا سنفاجئكم". وهذه انتكاسة واضحة في وعي كيان اعتاد الهجوم من دون الشعور، في أي وقت، بالحاجة إلى التهديد أو التحذير.

3- ليس مفاجئاً استخدام عبارة (سنفاجئكم)، فهي مصطلح، حفره أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، عميقاً في كيّ الوعي الإسرائيلي. لكن السيد نصر الله، وحزب الله، تجاوزوا هذا المصطلح (الاستراتيجية) بعد عام 2006، وباتوا اليوم يتحدثون عن القتال في الجليل وما بعد الجليل، وعن حصار هذا الكيان براً وبحراً، وربما جواً. فيما يشي استخدامه من قبل الإسرائيليين بتراجعهم إلى مرحلة ما قبل عام 2006.

4- عندما استخدمت المقاومة مصطلح "المفاجآت"، لم تكن حينها أكثر من ميليشيا تقليدية بالنسبة للإسرائيليين، لكنها فاجأتهم خلال الحرب، بمنظومة عسكرية متطورة أدمت أنوفهم.

5- السؤال هنا، هو كيف، وبماذا، سيفاجئ الإسرائيليون المقاومة؟ ففي حروبهم المتتالية، منذ عام 2006، استخدموا كل ما في ترسانتهم من أسلحة تكتيكية واستراتيجية (باستثناء النووي) بإفراط وبلا هوادة. فقوتهم واضحة ومعروفة الحجم والقوة النارية والبشرية.

6-  لو كانت لدى الإسرائيليين مفاجآت، ما الذي يدفعهم الى الحديث عنها، سوى ارتداعهم وخوفهم وعدم ثقتهم بقدراتهم وبنوايا المقاومة وامكاناتها، فيلجأون الى أسلوب متهافت، للتهويل على المقاومة وبيئتها. إن استخدام هذا الخطاب الإعلامي، دليل يأس من إمكانية ردع هذه البيئة، التي اختبرت جبروتهم طيلة سبعة عقود، فكان دافعها للاعداد لهزيمتهم.

7- يعتقد البعض أن الحرب تُحسَمُ إعلامياً قبل حسمها في الميدان. والجلي هنا، أن الإسرائيليين مهزومون إعلامياً، ليس "بنيران" إعلام المقاومة، الضعيف والفقير، بل بنيران وعيهم الذي كوته تجربة المقاومة.

ثانياً، بشأن السجال حول نشر الصورة على نطاق واسع، الذي اعتبره البعض وقوعاً في فخ إسرائيلي. هنا، ينبغي التمييز بين التطبيع، الذي يقتضي علاقة مباشرة وسجالاً مباشراً، وقبولاً بمناقشة بديهيات، تقتضي بدورها الاتفاق مع العدو على محددات وضوابط لهذا النقاش، ستؤدي حتماً إلى القبول بشرعية ما للمحتل، أو ببعض الشرعية والحق في الأرض، وربما التشكيك في عدوانه واغتصابه الأرض. وبين أن يوفر لك خطأ عدوك مادة إعلامية دسمة، يُمكنكَ استخدامَها لإفشال محاولاته تبخيس الحق والقضية، وتحويلهما إلى مادة للتسلية.

ثالثاً، أن سجال معظم المؤيدين لمحور المقاومة مع أدرعي بالمستوى الذي أثاره على الفايسبوك لم يرق إلى مستوى إنجازات محور المقاومة الميدانية والاستراتيجية. ولا يزال منفعل معظم الوقت، يستبطن سردية الهزيمة، ويعتمد على التهويل العاطفي، بسبب غياب الرؤية الإعلامية الصلبة والموحدة. وبينما ينتقل المحور عمليا من مرحلة سابقة إلى مرحلة تاريخية صاعدة، يغرق بعض إعلامه في خندق ردود الفعل مكتفياً بأدواتِ وأدبياتِ مرحلةٍ كانت فيها المقاومة ترزح تحت ظروف ضاغطة، ونقص الخبرة وشح الخبراء. فمثل هذه السجالات التبسيطية مع أدرعي وأمثاله تجاوزتها المقاومة، لكن الخطاب الإعلامي بشكل عام لم ينتقل بعد إلى آفاق جديدة من موقع القوي الفاعل، في مواكبة صلابة الخطاب، الذي أسس له السيد نصرالله، ومصداقيته، إعلامياً وسياسياً واستراتيجياً.

وصفي الأمين - الميادين نت

216