ما هي الرسالة التي أرسلها الجنود السوريون في دير الزور ؟

ما هي الرسالة التي أرسلها الجنود السوريون في دير الزور ؟
الجمعة ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٥:٠٤ بتوقيت غرينتش

يكفكف أحمد دموعه وهو يشير الى صورة ابنته مريم، مرّ عامان وثمانية أشهر منذ ان طبع القبلة الاخيرة على خدها الناعم في مدينته النبك قبل ان يسافر الى دير الزور حيث أطبق الدواعش الحصار على المدينة الواقعة في الشرق السوري. كبرت مريم اليوم وصار عمرها ست سنوات.

العالم - مقالات

وعندما كانت تسأل عن أبيها كانوا يخبرونها بأنه يحارب الاشرار الذين احتلوا دير الزور فكانت تشعر بالفخر دون ان تعي من هم اولئك الاشرار فيكفي انهم كذلك في فطرتها الطفولية البريئة.

يجاهد احمد كي يسقط عنه صفة الضعف التي شعر ان دموعه المنهمرة قد الصقتها به، يشير بيده الى حويجة صقر التي يستولي عليها الدواعش صارخاً: "سأكون اول المقتحمين للحويجة وربما لن أرى مريم ثانية لكنهم سيخبرونها ان أباها كان شجاعا ومقداما وانه يحبها كثيراً".

حال احمد الذي عاد من اقتحامه سالماً غانماً كان أفضل بكثير من حال خلف الذي لم يكتب له بعد ان يرى ابنه دحام الذي شاهد النور حين كان والده مرابطاً في كمينه عند محيط مطار دير الزور العسكري يرد عنه مفخخات "داعش" التي تحطمت جميعها على اسواره. ثلاث سنوات وخلف يناغي طفله على الهاتف ويترقب بشوق الولهان ما يمكن ان يجود به الانترنت المتعثر من مقاطع فيديو لدحام الذي راح يحبو على الأرض وعلى قلب ابيه ايضاً.

يوضح خلف لـ"موقع العهد" انه "يشعر في الكثير من الاحيان بأن حكمة الله سبحانه وتعالى شاءت الا يرى دحام، فهو يخشى ان يتعلق به اكثر فيزيد همه حين فراقه وتُضعضع الذكرى رجولته الطاغية وهو لا يريد لهذه الصورة ان تتغير".

علي عريس مع وقف التنفيذ كان قد وعد زوجته بعرس يليق بأحلامها حين عودته من دير الزور في أول إجازة. سنوات ثلاث مرت على الوعد دون ان يتمكن من العودة جراء الحصار. وفي لحظة شجاعة أخبرها انه لن يقف عائقاً في وجه أحلامها فلا شيء في الأفق يوحي بقرب كسر الحصار واقتراب الحصول على إجازة، وإذا ما أرادت ان تتركه فهي في حل من الزواج الذي كتب في المحكمة ولم يصل الى بيت الزوجية. ردت حنان على طريقتها التي لم تخل من الدعابة قائلة: "لا بد أنك قد تعلقت بفتاة من دير الزور وتبحث عن حجة للتملص وانا لن امنحك هذه الفرصة". لكنها كانت تنتظره ليعود اليها عريساً يحمل فوق رأسه تاج النصر..

حصار "داعش" الطويل لدير الزور وحرمان طائرات المطار العسكري من التحليق خارجه نتيجة الاستهداف المركز لمدارجه والرمي على الطائرات داخله جعل حصول العسكري على إجازة امراً بالغ الصعوبة وشبه مستحيل، الأمر الذي جعل مسألة فك الحصار عنه السبيل الوحيد للقاء الأحبة المحتمل. لكن السنوات الأولى للحصار شهدت انكفاء الجيش السوري داخل حيين من أحياء المدينة فضلاً عن وجود حامية المطار التي استبسلت في الدفاع عنه قبل ان يتقدم الجيش السوري والحلفاء بهجوم كاسح فكّ الحصار وأمّن المطار، عندها اقترب الحلم من ان يتحول الى حقيقة بعدما كان مجرد سراب في صحراء دير الزور.

جورج ابن باب توما الذي دخل الى منطقة البغيلية في الريف الشمالي الغربي للمحافظة برفقة اخوة السلاح اكد لموقع العهد ان "الزمن الجميل قد بدأ وان قائده المباشر وعده بانه سيكون في الدفعة الاولى ممن يأخذون الإجازات بعدما أبلى البلاء الحسن في تفجير الخندق الذي عثر عليه الجيش هناك، قبل ان يُفجر بالقوة المهاجمة ليختم كلامه بالقول "انه الزمن الجميل فلقد حررنا البغيلية وسنتوجه نحو الشمال بعد ان التقي امي واقبل يديها ورجليها وسأعود للمعركة أشد عزيمة وقوة".

روح الدعابة بين الجنود المشتاقين لعوائلهم تخفف قليلا من لواعج الشوق، وتشابه الظروف في ما بينهم جعل منهم اخوة من غير رحم او برحم المصير المشترك.

ولسان حال كل من التقيناه هنا في دير الزور يعبر عن حقيقة ان اقتراب الحسم جعلهم يستعجلون تصور مشاهد لقائهم بأحبتهم بعجالة من أوشك ان يفقد صبره، في حين ان ذلك لم يكن حين كان الحصار مطبقاً، فالهم الوطني حينها كان فوق كل هم وفوق كل شوق حتى شوق لقاء الاهل والاولاد فلكل مقام مشاعر.

محمد عيد / العهد

109-4