ترامب؛ قائد أوركسترا "بكاء الاطفال"!

ترامب؛ قائد أوركسترا
الخميس ٢١ يونيو ٢٠١٨ - ١٠:٠٢ بتوقيت غرينتش

تعيش عائلات من المهاجرين فر معظمها من العنف المزمن في أمريكا الوسطى، وتفرق أفرادها منذ أكتوبر(تشرين الأول) 2017، في الولايات المتحدة.

العالم - الاميركيتان

وتقوم دوريات حرس الحدود الأميركية باعتقال المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك، وتنقلهم الى معسكرات خاصة، في محاولة لاستخدام هذه السياسة كرادع للحد من عمليات الهجرة.

سياسة عدم التسامح تجاه المهاجرين

وكان وزير العدل الأمريكي جيف سيشنز أعلن في أبريل الماضي عن "سياسة عدم التسامح" تجاه العوائل التي تعبر الحدود جنوب غرب الولايات المتحدة بشكل غير شرعي. وكانت تقضي هذه السياسة بفصل أطفال المهاجرين غير الشرعيين عن عوائلهم بحجة أن الأطفال لا يمكن أن يبقوا مع ذويهم في مراكز الاحتجاز المؤقت.

وهناك حاليا في 17 ولاية أمريكية نحو 100 مخيم مخصص لأطفال المهاجرين. وابتداء من مايو الماضي تم فصل أكثر من ألفي طفل عن عوائلهم في الأراضي الأمريكية.

واكدت الإدارة الأمريكية الحالية أن هذه السياسة تتفق مع القانون، وتنتقد كل التسهيلات التي كانت تمارسها الإدارة السابقة تجاه المهاجرين الذين يصلون إلى الولايات المتحدة مع أطفالهم. واعتقدت إدارة ترامب أن السياسة الحالية ستردع سيل المهاجرين الذين يسعون لدخول البلاد بشكل غير شرعي.

وأثارت مشاهد آلاف الاطفال الباكين الذين وضعوا في مراكز مقسمة إلى ما يشبه الأقفاص أو في مخيمات، فضيحة. وفي نيويورك بثت قناة تلفزيونية مشاهد ظهرت فيها خمس فتيات يرافقهن بالغون وهن يتحدثن الاسبانية ويسرن في دجى الليل باتجاه مركز استقبال في حي في شرق هارلم.

فصل أكثر من 2300 طفل وقاصر عن أهاليهم

وأعلنت الحكومة الأمريكية، أنها فصلت في غضون 5 أسابيع أكثر من 2300 طفل وقاصر عن أهاليهم أو الأوصياء عليهم بعدما عبروا إلى الولايات المتحدة خلسة، في ارتفاع عكس لجوء إدارة الرئيس دونالد ترامب بصورة متزايدة إلى هذه الممارسة.

وصرح المدير التنفيذي لمنظمة "Border Network for Human Rights" فيرناندو غارسيا بأن البيت الأبيض منع دخول المنظمات الحقوقية إلى المخيمات التي يحتجز فيها أطفال المهاجرين من المكسيك.

وأضاف غارسيا: "نحاول الحصول على السماح بالدخول، لكن موقف الإدارة (إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) لا يزال غامضا، ولا توجد هناك أي شفافية في هذه المسألة".

وأشار إلى أن الأطفال يعيشون في المخيمات في ظروف لا يمكن تصورها، إذ تتراوح درجة الحرارة حاليا بين 40 و42 درجة. وأضاف: "لا نعرف ما هي الظروف الموجودة هناك لأن الحكومة لا تسمح بدخول الصحافيين والمنظمات الحقوقية إليها".

كما عبر عن اعتقاده بأن الرئيس ترامب "مارس المضاربة بخطر أزمة الهجرة" على الحدود المكسيكية لتحريك سياسته في هذا المجال.

ترامب يصر على فصل أبناء المهاجرين

وبالرغم من ذلك دافع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مجددا، عن سياسته بشأن فصل العائلات المهاجرة، مؤكدا أنه الخيار الوحيد لمحاربة الهجرة غير الشرعية بشكل فعال.

وقال ترامب: "لا أريد فصل الأطفال عن والديهم. عندما تعتقل الأهل بسبب دخولهم غير القانوني إلى البلاد، وهذا ما يجب فعله، عليك عندها أن تفصل الأطفال".

ومع تشديده على ضرورة محاربة المهربين، اتهم الرئيس الأميركي وسائل الإعلام بالتواطؤ معهم.

وأضاف: "لا نريد أن يتدفق الناس إلى بلادنا. نريدهم أن يأتوا من خلال عملية قانونية ونريد، في النهاية، نظاما قائما على الجدارة".

وتابع أن "أولئك الذين يتقدمون بطلبات لجوء من خلال الوسائل القانونية لا تتم مقاضاتهم، لا تذكرهم أبدا وسائل الإعلام، التي تنشر أخبارا كاذبة. إنها تساعد هؤلاء المهربين بشكل لا يمكن لأحد أن يصدقه".

وعلى غرار عادته، اتهم الرئيس الأميركي الديمقراطيين مجددا بالمسؤولية عن الأزمة الحالية قائلا إنهم يعطلون أي إصلاح بشأن الهجرة في الكونغرس.

مشاهد آلاف الاطفال الباكين الذين وضعوا في أقفاص أثارت فضيحة في الولايات المتحدة وخارجها ففي الداخل انضم أطفال المهاجرين إلى مشرعين ديمقراطيين على أرضية مجلس النواب، في الوقت الذي شجب المشرعون فصل العائلات على الحدود.

وقالت نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين بمجلس النواب الاميركي: "أي مستوى من الانحطاط ؟ ما هو مقياس شخصيتك وتعاطفك والتزامك لان ان تجعل أميركا أفضل، أنك تدافع عن سياسة سلب الأطفال من احضان آبائهم وأمهاتهم ".

تظاهرات واسعة ضد قرارات ترامب

وتصاعد الغضب في ولايات عديدة حيث عمت تظاهرات واسعة في مدن مختلفة ورفعت شعارت نددت بقرارات ترامب واعتبرت ان من الوحشية وضع الاطفال في الاقفاص.

ولاقت سياسة إدارة ترمب انتقادات حادة داخل أميركا، وتحديدا من ميلانيا ترمب زوجة الرئيس، ولورا بوش زوجة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، وكذلك من جانب الديمقراطيين وبعض المنتمين للحزب الجمهوري، وشاركت الأمم المتحدة ومنظمة العفو في توجيه الانتقادات إلى تلك السياسة التي ترمي للضغط على الديمقراطيين من أجل الموافقة على تمويل بناء جدار على الحدود بين أميركا والمكسيك.

وقالت متحدثة باسم زوجة ترمب، ميلانيا، إن أميركا يجب أن تكون دولة قانون ولكن دون التخلي عن الرحمة، في إدانة لسياسة فصل أطفال المهاجرين عن أسرهم. وكتبت لورا بوش أن هذه السياسة تعبر عن افتقاد البيت الأبيض لقيم التسامح.

وأعلن رئيس بلدية ​نيويورك​ ​بيل دي بلازيو​، انه صُدم حين علم أن السلطات ​الفدرالية​ نقلت الى مدينته 239 مهاجرا قاصرا ممن تم فصلهم عن ذويهم من دون ان تبلغ سلطات المدينة بذلك.

وقال متسائلا: "هل يعقل ان لا يعرف احد منا بأن هناك 239 طفلا هنا في مدينتنا؟ كيف يمكن للحكومة الفدرالية ان تخفي هكذا معلومات عن أبناء هذه المدينة وتمنع المساعدة التي يمكن ان يكون هؤلاء الاطفال بحاجة اليها".

وفي تصريح بعد زيارته مركز إيواء للاطفال ​المهاجرين​ في حي هارلم وذلك بعد ان صوّرت قناة تلفزيونية وصول خمس فتيات الى الملجأ ممن تم فصلهن عن ذويهن لدى دخولهم الاراضي الاميركية خلسة قادمين من ​المكسيك​، لفت الى أن "الاطفال الذين نقلوا الى مركز الايواء في هارلم هم من اعمار مختلفة ولكن اصغر من وصلوا الى هنا يبلغ من العمر تسعة اشهر فقط وغير قادر على التواصل".

وأشار الى أن "طفلا آخر عمره تسع سنوات وصل الى ​الولايات المتحدة​ من ​هندوراس​ ونقل الى نيويورك بعدما قطع اكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر في ​حافلة​ وهو لا يعرف ما اذا كان سيرى امه ام لا".

واعتبرت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي تلك المشاهد "صادمة للغاية" متحدثة عن "اطفال محتجزين في ما يبدو أنه أقفاص".

وقال رئيس الحكومة الكندية جاستن توردو لدى وصوله الى البرلمان الكندي "ان ما يحدث في الولايات المتحدة غير مقبول". ثم اضاف في بيان لمناسبة اليوم العالمي للاجئين "ان الطريقة التي نعامل بها الاشد ضعفا تحدد من نحن كأفراد وبلدان ومجتمع دولي".

كما أكد البابا فرنسيس في تغريدة "ان كرامة الشخص لا ترتبط بوضعه كمواطن او مهاجر او لاجىء. ان إنقاذ حياة من يفر من الحرب والبؤس عمل انساني".

من جانبه اعتبر ثوربيون ياغلاند الامين العام لمجلس اوروبا ان ترامب لم يعد "الزعيم الاخلاقي" للعالم ولم يعد بامكانه "التحدث باسم العالم الحر" في لهجة تقطع ما التحفظ التقليدي لهذه الهيئة المكلفة الدفاع عن الديمقراطية والقانون في أوروبا.

ونددت صحيفة لوموند الفرنسية بأنه "احتجاز رهائن" يباشره ترامب بهدف "دفع الكونغرس لتبني اجراءات متشددة في مجال الهجرة". واضافت ان في ذلك اشارة تجاه المهاجرين "بان الولايات المتحدة تخلت عن كل اشكال الانسانية حيالهم".

قسوة ترامب على الأطفال

ونشرت صحيفة "​الغارديان​" البريطانية تقريرا حول ملف ​المهاجرين​ بعنوان "قسوة ترامب على الأطفال صدمتنا لكنها لا ينبغي أن تفاجئنا"، أشارت إلى ان "​سياسة​ الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بفصل أطفال المهاجرين غير القانونيين إلى بلاده عن أسرهم تحمل اسمه شخصيا لكن الأمر الأكثر بشاعة هو أنها تنسب إلى ​الولايات المتحدة​ كدولة".

وأشارت إلى العديد من الأصوات التي ترفض سياسة ترامب داخل الولايات المتحدة والتي تقول جميعا إنها لاتعبر عن الهوية الأميركية وتنقل عن صديقتها الأميركية صاحبة الاتجاه التحرري قولها "ليست هذه سياستنا ولا هويتنا ولا تصرفاتنا".

واعتبرت أن جميع القصص التي تخرج في نشرات ​الأخبار​ حاليا من الولايات المتحدة قصص مدمرة ولايمكن وصفها إلا بأنها لطخة في ثوب وتاريخ البلاد، موضحة أن "الأطفال الذين يبلغون من العمر خمس سنوات يؤخذون من أسرهم بدعوى أن الموظفين الأمريكيين سيعطونهم حماما ثم بعد ذلك يخبرون الأسر بأنهم لن يروا اطفالهم مرة أخرى".

وأضافت أن "الأمهات يتعرضن للترحيل إلى مراكز بعيدة ويتركون أطفالهم خلفهم بالقوة من دون أي وسيلة اتصال بينهم ثم يتم حبس المئات من الأطفال في معسكرات وخلف سياج حديدي بينما يبكون طلبا لأمهاتهم ثم يخرج مسؤول يتندر على ما يحدث، قائلا: "إن بكاء الأطفال بمثابة أوركسترا موسيقي".

وخلصت إلى أن ترامب يمارس سياسات عنصرية وحملة معادية للأعراق الأخرى، ويستغل الصورة النمطية للمهاجرين التي تكونت على مدار عقود من الزمن الأمر الذي يجعل البعض راضين عما يقوم به وهذه هي النتيجة.

وارغمت هذه الاحتجاجات والضغوط الداخلية والخارجية ترامب عن التراجع عن قراره بفصل الأطفال عن ذويهم اللاجئين حيث وقع مرسوما لإنهاء فصل الأطفال عن ذويهم لدى توقيفهم وهم يحاولون عبور الحدود بطريقة غير قانونية، متراجعا بذلك عن سياسة عدم التهاون مع طالبي اللجوء بعد موجة من الضغوط في الداخل والخارج .

وقال ترامب: "وقعنا أمرا تنفيذيا مهما، "الأمر يتعلق بإبقاء العائلات معاً. ستكون لدينا حدود قوية جدا ولكننا سنبقي العائلات معا".

محمد امين الجرجاني