ظروف العمل في البحرين وازدياد حالات الانتحار بين العمال الوافدين

ظروف العمل في البحرين وازدياد حالات الانتحار بين العمال الوافدين
الإثنين ١٦ يوليو ٢٠١٨ - ٠٥:٥٣ بتوقيت غرينتش

على مرّ أكثر من ثلاثة عقود، توافد إلى دول الخليج الفارسي لاسيما السعودية والبحرين الملايين من العمّال معظمهم قادمين من جنوب وجنوب شرق آسيا لاسيّما من الهند وبنغلادش وسيريلانكا  والفيليبين، أملاً في تحسين معيشة أسرهم في وطنهم الأمّ.

العالم - البحرين

وينحدر معظم هؤلاء العمّال والعاملات من بيئات فقيرة ذات درجة تعليمية ضعيفة وعلى الرغم من مساهمة هؤلاء العمّال الأساسية في حياة مضيفيهم الخليجيين، إلاّ أنّ كثيراً منهم يُعانون من انتهاكات حقوق الإنسان وحقوق العُمّال، التي تتضمّن الأجور غير المدفوعة والأجور الزهيدة، ومصادرة جوازات السفر، والقيود المفروضة على تنقلاتهم، المساكن دون المستوى، والحرمان من الطعام، والعمل المفرط والقسري، بالإضافة إلى الاعتداءات الجسديّة والنفسيّة والجنسيّة.

الاستغلال وانتهاك الحقوق العمال في البحرين

 وفي السابق قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير إن مئات الآلاف من العمال المهاجرين الذين يأتي أغلبهم من جنوب آسيا يواجهون الاستغلال وانتهاك الحقوق في البحرين، رغم الإصلاحات الحكومية التي قُصد بها حمايتهم.

التقرير المكون من 123 صفحة، "من أجل حياة أفضل: انتهاكات حقوق العمال الوافدين في البحرين وأجندة الإصلاحات الحكومية"، يوثق مختلف أشكال انتهاك الحقوق والاستغلال التي يعاني منها العمال الوافدون في البحرين، ويفصّل جهود الحكومة لتقديم الإنصاف والتعويض ودعم حماية العمال. وقالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات البحرينية بحاجة إلى تنفيذ الضمانات العمالية والآليات التعويضية القائمة بالفعل، وملاحقة أصحاب العمل المسيئين. ينبغي للحكومة أن تمد مظلة قانون 2012 لعمال القطاع الأهلي (الخاص) بحيث يشمل عاملات منازل، المستبعدات من تدابير الحماية الرئيسية.

 منتهكو حقوق العمال الوافدين لا يواجهون العقوبات

يواجه العمال الوافدون في البحرين أيضاً التمييز والانتهاكات من المجتمع البحريني بصفة عامة. قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق عدة اعتداءات عنيفة على عمال مهاجرين من جنوب آسيا في مارس/آذار 2011، في أثناء فترة اشتداد الاضطرابات السياسية. وقدم عمال باكستانيون أدلة لـ هيومن رايتس ووتش على هجمات أدت إلى وفاة عامل زميل وإصابة آخرين بجراح خطيرة.

اكتشفت هيومن رايتس ووتش أن أصحاب العمل الذين ينتهكون حقوق العمال الوافدين لا يواجهون في المعتاد العقوبات المنصوص عليها في القانون البحريني، ويندر أن يواجهوا العواقب الجنائية المبينة في قانون العقوبات والقوانين المضادة للإتجار في البشر، إذا واجهوها على الإطلاق. لم تجد هيومن رايتس ووتش أدلة على أن السلطات البحرينية استغلت التشريعات المضادة للإتجار في البشر، والمعمول بها منذ 2008، لملاحقة المخالفات العمالية جنائياً.

ازدياد حالات الانتحار بين العمال المهاجرين في البحرين

ارتفع عدد حالات الانتحار في البحرين على مدى العقد الماضي لا سيما بين العمال المهاجرين، ويمثل ازدياد حالات الانتحار دليلاً على الظروف السيئة التي يعيشها هؤلاء العمال، ومن الأسباب التي تودي بالعمال المغتربين إلى سلب حياتهم الإساءة الجسدية والسخرة والعمل الإجباري والدين وسوء ظروف المعيشة والعزلة، في حين أن الحكومة ليس لها علاقة مباشرة في ازدياد حالات الانتحار بين العمال الوافدين، فإن عدم تعاونها وعدم تعاون الشركات المعنية – على الرغم من الاحتجاجات العديدة التي أقيمت لمساعدة العمال المهاجرين – لم يكن عاملاً إيجابيًا.

وفقاً لدراسة من نشرة البحرين الطبية في سبتمبر 2013 فإن “التوتر كان أعلى بين أولئك الذين عملوا لأكثر من ثمان ساعات يومياً، وكان لدى الأشخاص الذين يحصلون على أقل من 100 دينار بحريني (265 دولار أمريكي) شهريًا أعلى معدل للتوتر والإجهاد.” بالإضافة إلى ذلك “أظهر العمال الغارقون في الديون ارتفاعًا في الإجهاد.” في كثير من الأحيان يمكن أن يسبب هذا التوتر ضغطًا معنويًا كبيرًا على هؤلاء العمال المهاجرين خاصة أن الكثير منهم يفتقر إلى الدعم العاطفي، علاوة على ذلك وجدت الدراسة أن “أولئك الذين يعملون أكثر من ثمان ساعات في اليوم كانوا أكثر قلقاً.” العديد من المغتربين الذين يحصلون على أقل من 100 دينار بحريني (265 دولار أمريكي) شهرياً والمشاركين في الديون أبلغوا عن “زيادة انتشار القلق.” وتختتم الدراسة بأن “أقوى مؤشر للتنبؤ بالاكتئاب هو قرض مستحق” وأن العامل الرئيسي لتوتر وقلق العمال المغتربين هو القضايا المالية.

بالإضافة إلى الصعوبات المالية والشعور بالوحدة وعبء العمل، فإن ظروف المعيشة البائسة تجعل محنة العمال المهاجرين أكثر صعوبة، في البحرين ، استقال أكثر من 100 عامل يقيمون في مخيمات العمل بسبب الأجور غير المدفوعة أو تم طردهم من قبل شركاتهم، ويعيش العديد منهم الآن في البحرين مع وضع قانوني غير منتظم لأن شركاتهم فشلت في تجديد تأشيراتهم.

ظاهرة انتحار العمال الأجانب لا تنحصر  في البحرين وحدها

لا تنحصر ظاهرة انتحار العمال الأجانب في البحرين وحدها، بل هي ملحوظة ويتزايد ضحاياها في جميع بلدان الخليج الفارسي. فلا تكاد تخلو صفحات الجرائد اليومية في هذه البلدان من خبر يومي يخصها. ورغم عدم توافر الإحصائيات الرسمية، ورغم إن الأرقام المتوفرة لا تشمل الحالات التي لا يتم تسجيلها او التي تُحتسب تحت تسميات أخرى، فلا يمكن تجاهل الظاهرة التي تختفي تحت بريق الأضواء الساطعة في مدن الخليج. لا تتشابه سير حياة الأفراد الذين يُضطرون إلى الانتحار. فلكل منهم قصص تختلف تفاصيلها عن غيرها.

وفي حين تتعامل السياسة الرسمية مع محاولة الانتحار باعتبارها سلوكاً منحرفاً ومخالفاً للقوانين المرعية وليس باعتبارها صرخة استغاثة من إنسان فقد القدرة على الوصول إلى مخرج مما هو فيه. ولهذا تعامل الأجهزة المعنية مَن يفشل في محاولته كمجرم، فتودعه في مركز توقيف. وبعد فترة قد تطول أو تقصر من التوقيف، يُحال المسكين إلى المحكمة التي عادة ما تصدر عليه حكماً بالتسفير خارج البلاد، علاوة على الغرامة أو السجن. وبطبيعة الحال لا يلقى من يُودع مركز التوقيف أو يُحكم عليه بالسجن الرعاية والعلاج النفسي اللازميْن، فتتفاقم الأسباب التي دفعته أصلاً لتلك المحاولة اليائسة. ولهذا يكرر بعض الموقوفين محاولاتهم وهم في عهدة الشرطة. ولهذا أيضاً نرى عبر تقارير صحافية أن الخوف من هذا المصير ربما دفع كثيرين في السنوات الأخيرة إلى اختيار وسائل للانتحار لا تحتمل الفشل!