تفاهمات القاهرة مع واشنطن

تفاهمات القاهرة مع واشنطن
الخميس ٠٩ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٥:٥٨ بتوقيت غرينتش

وزير الخارجية المصري يناقش تعديل بعض بنود خطة التسوية، ويجس نبض الإدارة الأميركية حيال نواياها في ليبيا.

العالم - مصر

وصل سامح شكري وزير الخارجية المصري، الاثنين، إلى الولايات المتحدة لإجراء مباحثات مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، في زيارة يتوقع مراقبون أن تؤرخ لمرحلة جديدة من التفاهمات السياسية بين البلدين.

واتت زيارة شكري استجابة لدعوة ووجها له بومبيو قبل نهاية الشهر الماضي، بهدف تعزيز التنسيق في عدد من القضايا الإقليمية، بعد أن لاحت في الأفق ملامح تحسن، افتقدت إليها القاهرة مع واشنطن الأشهر الماضية.

صفقة ترامب

وقالت مصادر دبلوماسية إن القضية الفلسطينية على رأس مباحثات الجانبين، وأن هناك توافقا صاعدا بشأن الوصول إلى حل في أقرب وقت ممكن، يساهم في تخفيف حدة التصعيد على المستوى الداخلي الفلسطيني أو على مستوى الصراع العربي الاسرائبلي.

وأضافت أن المشاورات التي استؤنفت مؤخرا بين البلدين، أفضت إلى اقتناع الولايات المتحدة بإدخال تعديلات على رؤيتها حول صفقة ترامب، وإعادة النظر في بعض بنود الصفقة بما يراعي بعض الخصوصية الفلسطينية والعربية.

وأكدت أن جولة المصالحة التي تقودها القاهرة بين حركتي فتح وحماس، ورعاية جولة التهدئة بين الأخيرة وتل أبيب وتخفيف المعاناة عن المواطنين وفك الحصار عن غزة، حظيت بترحيب أميركي وأممي.

وكشفت أن شكري ناقش بعض البنود المرتبطة بـ”صفقة ترامب”، وتتعلق بالخطوط العريضة التي تعتمد عليها التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، ومنها مراعاة رغبة القاهرة في أن تكون هناك حلول خلاقة لا تتقيد برؤية تل أبيب تماما، ومراعاة الحد الأدنى لحقوق الشعب الفلسطيني يمثل عملية غاية في الأهمية، لأنها تضمن تثبيت السلام.

وأشارت إلى أن القاهرة تسعى كي يكون إعلان الدولة الفلسطينية مرتبطا بالسيطرة الكاملة للسلطة على المنطقتين "ألف" و"باء"، وهما منطقتان تشكلان أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية ولا تتواجد فيهما قوات أمن فلسطينية، غير أن المصادر استبعدت أن تكون هناك مفاوضات بشأن عاصمة الدولة الفلسطينية قبل إنهاء الخلافات الداخلية بين القوى الفلسطينية.

وقال عبدالمنعم سعيد، الخبير في الشؤون الدولية والأكاديمي الزائر بعدد من الجامعات الأميركية، إن واشنطن ترى أهمية في تمكين السلطة الفلسطينية من قطاع غزة، تمهيدا لتنفيذ خطة إعلان الدولة وفقا لما تضمنته التسريبات التي حوتها “صفقة القرن”، وهو ما تسعى إليه القاهرة من خلال الضغط على حركتي فتح وحماس للعودة إلى المصالحة الفلسطينية.

العلاقات الأمريكية المصرية

وأفرجت الولايات المتحدة عن مساعدات عسكرية لمصر بقيمة 195 مليون دولار، تعود إلى العام المالي 2016، كانت حجبتها بسبب مخاوف تتعلق بسجل القاهرة في مجال حقوق الإنسان، ورأت أن مصر اتخذت خطوات دفعتها إلى الإفراج عنها دون أن تفصح عن طبيعتها.

وذكرت الخارجية المصرية أن الزيارة شملت عقد لقاءات مع كبار المسؤولين ورؤساء شركات تريد الإستثمار  في مصر، وشخصيات عاملة في مراكز البحث معنية بالعلاقات مع القاهرة ومنطقة الشرق الأوسط.

ويدفع التداخل المصري مع العديد من القضايا الإقليمية واشنطن إلى فك الجمود الذي خيم على العلاقات مؤخرا، وهو ما ظهر خلال تنظيم لجنة الشرق الأوسط بالكونغرس الأميركي لجلستي استماع الشهر المنقضي، ارتبطتا بشكل مباشر بتقييم العلاقات مع القاهرة ومدى أهمية التعاون معها في تسوية القضية الفلسطينية والأزمة الليبية ومكافحة الإرهاب.

وبدا واضحا أن هناك تغيرا في النظرة الأميركية التي أضحت ترى ضرورة في التوظيف السياسي للقاهرة لحل بعض الأزمات الساخنة في المنطقة، والتي لدى مصر رؤية فيها تقوم على ضرورة التسوية السياسية.

وتدرك الولايات المتحدة أن عدم انخراط مصر في صراعات مسلحة إقليمية، يمنحها ميزة مع بدء تداول أفكار جادة للحلول السياسية، والرهان على المفاوضات لإنهاء بعض الأزمات.

وأوضح عبدالمنعم سعيد أن الولايات المتحدة تدرك أن عدم الوصول إلى المصالحة يعني استحالة تطبيق رؤيتها لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في وقت يسعى فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لترسيخ دوره  ليضمن الأمن الإسرائيلي، وفقا لسياسة في معالجة ملفات إقليمية كالعلاقة مع كوريا الشمالية وروسيا.

ويذهب البعض من المراقبين إلى التأكيد أن الولايات المتحدة تبحث عن موطئ قدم في الملفات التي لا يتداخل فيها الجانب الروسي بشكل كبير، من هنا تولي اهتماما كبيرا بالقضية الفلسطينية، وتخشى أن تؤدي الأخطاء المتراكمة إلى منح روسيا فرصة للدخول وتحقيق تقدم جديد، يضاف إلى تقدمها اللافت في عدد من ملفات المنطقة.

الدور المصري في أمن ليبيا

وبدت القاهرة منسجمة مع واشنطن نسبيا في ضرورة إنهاء الخلافات الفرنسية الإيطالية في ليبيا، والتفرغ لمواجهة الجماعات المتطرفة.

وعلمت من مصادر دبلوماسية أن التفاهم يتزايد بعد سلسلة من الحوارات جرت مؤخرا، وهناك قناعة مصرية بأن واشنطن سوف تمارس المزيد من نفوذها الأمني والسياسي، وربما تزيح كلا من باريس وروما، وتتقدم هي المشهد في الفترة المقبلة.

وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن زيارة سامح شكري ترمي إلى توجيه دفة الاهتمام الأميركي ناحية السيطرة على الميليشيات والتنظيمات المسلحة، كمدخل أساسي للتسوية السياسية، لأن هذه الجماعات تمثل الركيزة التي تمنح بعض القوى السياسية، مثل الإخوان، سندا للاستقواء ومناهضة الحلول السياسية، حتى لو جرى القبول بها علنا.

وقال السفير حسن هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري سابقا، إن التعاون العسكري بين البلدين سوف يعود إلى طبيعته الفترة المقبلة، بعد الإفراج عن 195 مليون دولار مساعدات عسكرية، وسيكون حصول القاهرة على طائرات “درونز” لمراقبة الحدود الشرقية والغربية بكفاءة عالية، أحد علامات توثيق العلاقات.

ولم يستبعد السفير هريدي في تصريحات أن تستثمر واشنطن الدور المصري في سوريا، وقد تدخل الولايات المتحدة كداعم للهدنة التي قامت مصر بالوساطة فيها مع قوى سورية مختلفة، وبرعاية روسية، وفي سياق تفاهمات أشمل يجري طبخها بين واشنطن وموسكو لحل الأزمة السورية، بما يضمن أمن الكيان الإسرائيلي.

 

كلمات دليلية :