مصير إدلب على طبق السمك بين بوتين وأردوغان..

مصير إدلب على طبق السمك بين بوتين وأردوغان..
الإثنين ٢٧ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٤:٣٣ بتوقيت غرينتش

قال وزير الخارجية التركية “مولود تشاويش أوغلو” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الرئيس أردوغان ينتظرك لتناول طبق السمك الذي اتفقتما عليه على البوسفور في اسطنبول، والمتوقع أن يلبي بوتين الدعوة أثناء توجهه إلى طهران لحضور القمة الثلاثية التركية الروسية والإيرانية هناك.

العالم - مقالات وتحليلات

الاجتماع الرباعي أمس في موسكو الذي ضم وزيري الخارجية والدفاع التركيين مع نظيريهما الروسيين، شهد حضورا مفاجئا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما أعطى المراقبين انطباعا أن ثمة قضايا حاسمة بحثها الجانبان تتعلق أغلبها بمصير الشمال السوري، وإدلب على وجه التحديد.

الأنباء الواردة من موسكو حول الاجتماع تؤكد أن ثمة مرونة تركية حصلت على صعيد هذا الملف، وإن اللمسات الأخيرة على مصير محافظة إدلب سوف توضع خلال قمة ثنائية بين الرئيسين أردوغان وبوتين على طبق السمك في اسطنبول قبل توجههما إلى طهران للمصادقة على اتفاق ثلاثي نهائي.

خلال الفترة الماضية كانت التصرفات التركية على الأرض تؤشر إلى هوة كبيرة في تعاطي تركيا وروسيا مع ملف مصير إدلب، فانقرة شكلت ما يعرف “بجبهة تحرير سوريا” من فصائل تابعة لها في الشمال ، وكانت أولى مهام هذه الجبهة هو اعتقال كل من تواصل مع مركز “حميميم” الروسي من أجل المصالحة، كما أنها أبلغت فصائل الشمال بنيتها تزويد نقاط المراقبة التي نشرتها في ادلب بأنظمة دفاع جوي لمواجهة اي هجوم محتمل للجيش السوري على إدلب، بالمقابل حشد الجيش السوري والقوات الروسية لمعركة فاصلة في ادلب وأكد الرئيس السوري أن الجيش سوف يدخل إدلب وينهي التواجد المسلح فيها.

لكن كل ذلك ربما يتغير بعد اللقاءات الروسية التركية ، فبرغم اعتبار أنقرة أن أي هجوم عسكري على إدلب سوف يتسبب بكارثة، وإطلاق مسؤوليها سلسلة تصريحات بأن تركيا سوف تمنع الجيش السوري من حسم المعركة عسكريا في ادلب ، إلا أن هذا وحسب تجارب سابقة في الميدان السوري، ليس موقفا نهائيا لانقرة، وعلينا أن نتذكر أن تركيا رفضت وحذرت من حسم الجيش السوري المعركة في حلب نهاية عام 2016، ولكنها عادت وتعاونت مع روسيا في إخراج المسلحين من المدينة، وكذلك كان موقفها من تحرير الغوطة الشرقية، لذلك لا يمكن الاعتماد على موقف تركيا الراهن من معركة إدلب باعتباره موقفا نهائيا، خاصة أن تركيا قد ضاقت أمامها الخيارات بفعل العديد من العوامل.

أبرزها تدهور علاقتها مع الولايات المتحدة، وعدم تقبل واشنطن لإمكانية مساومة أنقرة لها على الموقف من إدلب مقابل رفع العقوبات، والتركيز على المطالبة بالافراج عن القس الأميركي المحتجز في تركيا، وإلغاء صفقة شراء منظومة اس 400 الدفاعية من روسيا والالتزام بتطبيق العقوبات الأميركية على طهران، كما أن واشنطن عادت لدعم القوات الكردية الحليفة شرق الفرات، ونسقت معها لفتح معركة ضد داعش في معاقله الأخيرة هناك وهذا استدعى تزويدها بالمزيد من السلاح والعتاد.

العامل الآخر هو انفلات الوضع الامني بشكل غير مسبوق في ادلب، وانتشار عمليات الاغتيال والتصفية والسلب والنهب وانقلاب المزاج الشعبي للسكان ضد ممارسات الفصائل، ما ينذر بفوضى عارمة تضع أنقرة في مواجهة وضع صعب على حدودها.

وهناك عامل ثالث، يتمثل باستعجال موسكو تقرير مصير إدلب، قبل انطلاق محركات الحل السياسي، واستباقا لمعلومات بحوزة موسكو عن تصعيد أميركي مقبل في سوريا.

ما تم إنجازه حتى الآن هو قبول الجميع بالقضاء على معاقل “الحزب التركستاتي “الايغور الصينيون” في جسر الشغور، هذا ما سيتم المصادقة عليه فورا وبسهولة، وهذا يعني أن أول المعارك ستبدا هناك، والأقرب بعد ذلك حسم الاتفاق على سحق” جبهة النصرة” هيئة تحرير الشام، وهو هدف “روسي سوري ايراني” لا يقبل التسوية مع أنقرة، وسوف تصادق أنقرة عليه رغم صعوبته بالنسبة لها، لأننا لا نستطيع إخفاء التعاطف الكبير في داخل صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم مع جبهة النصرة والعلاقة الجيدة التي جمعتهم مع تركيا، ومحاولات الاخيرة خلال سنوات تلميع صورة الجبهة وأبعادها عن تهمة الإرهاب الدولي.

إلا أن تركيا لديها هامش مناورة على هذا الصعيد يتلخص بسحب جزء كبير من المقاتلين داخل صفوف الجبهة منها ممن تسطيع التأثير عليهم، وترك الجناح الرافض لذلك يواجهه مصيرة.

التكتيك الروسي بالتركيز على جبهة النصرة، استراتيجية تتسم بالذكاء، لأن “جبهة النصرة ” تعتبر العامود الفقري للتجمعات المسلحة في ادلب ، وتسيطر على مايقارب 60 بالمئة من مساحتها . والقضاء عليها يعني أن ثلاثة أرباع معركة إدلب قد انتهت عمليا.

مايتعين على أنقرة فعله ، وهو ما سيكون مطلوب منها في القمة المقبلة ، هو السماح للمدنيين بالعبور من خلال نقاط المراقبة التابعة لها في ادلب إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية ، واستيعاب اللاجئين من المعارك في الشريط الفاصل بين الحدود التركية السورية ، وبهذا تكون أنقرة قد ساعدت موسكو في التخلص من الضغط الدولي عليها تحت عنوان معاناة المدنيين في الحرب الحاسمة المقبلة .

لا نعرف بالضبط اذا كانت أنقرة على استعداد لهذا التعاون ، ولكن هذه عقبة تحتاج إلى التعاون التركي الكامل والصادق.

أخيرا من الصعوبة بمكان أن تقرر تركيا تسهيل وصول الجيش السوري الى ادلب الذي ناصبته العداء طوال سبع سنوات ونيف وحاولت هزيمته، وإسقاط النظام في دمشق، على حساب جماعات دعمتها و رعتها و اعتمدت عليها .

ولكن المشروع الذي انطلق عام 2011 سقط، وهذه الجماعات لم يعد لها أفق استراتيجي تعمل لأجله . فهل تذهب القمة الثلاثية في طهران إلى حد إعادة العلاقات التركية السورية بناء على الوضع الجديد في سوريا، هذا ممكن وممكن جدا وبقوة.

كمال خلف - رأي اليوم