زيارة بولتون لموسكو وأهدافها.. ما الذي أثار سخط بوتين؟!

زيارة بولتون لموسكو وأهدافها.. ما الذي أثار سخط بوتين؟!
الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٠:٤٨ بتوقيت غرينتش

وسط مخاوف أوروبية من عودة سباق التسلح المفتوح بين واشنطن وموسكو، على وقع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية، قام مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بزيارة عمل الى موسكو حيث أجرى محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

العالم - تقارير

أجرى مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، محادثات على مستوى عالٍ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عبّر له عن سخط موسكو ودهشتها بشأن قرار واشنطن الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى "اي ان اف" التي تم توقيعها أواخر الحرب الباردة.

وتحدث بوتين وبولتون أمام الإعلاميين على طاولة الحوار بشكل مقتضب قبل إغلاق الباب. وقال بوتين: "في بداية حديثنا، أود أن أذكر باللقاء مع رئيس الولايات المتحدة في هلسنكي. كان هذا، في رأيي، مفيدا…"، مشيرا إلى أن موسكو تستغرب من خطوات واشنطن غير الودية "بالنسبة لنا، نندهش في بعض الأحيان أن نرى كيف تتخذ الولايات المتحدة خطوات غير مبررة على الإطلاق تجاه روسيا (كقرار نقض المعاهدة)، لا يمكن أن نطلق عليها اسم ودية". ثم أشار بوتين إلى الشعار الأميركي الذي يصور طير عقاب رخماء يحمل في مخالب إحدى ساقيه 13 سهماً وفي مخالب الساق الأخرى 13 غصن زيتون، وسأل بولتون ممازحاً "هل أكل العقاب الرخماء جميع حبات الزيتون؟".

وأبدى الرئيس الروسي استعداده للقاء نظيره الأميركي في 11 تشرين الثاني المقبل في العاصمة الفرنسية باريس على هامش مشاركتهما في احتفالات ذكرى مرور 100 عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى. وأكد له بولتون أن "ترامب يتطلع إلى هذا اللقاء الشهر القادم".

وقال بوتين: "بالطبع سيكون من المفيد تبادل الآراء معكم حول مسائل الاستقرار الاستراتيجي، مسائل نزع السلاح والنزاعات الاقليمية. نحن على علم، ونتحدث كثيرا حول خروج الولايات المتحدة من طرف واحد من اتفاق الدفاع الصاروخي. وسمعنا منذ وقت قليل بنية الولايات المتحدة بالخروج من معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، ونحن على علم بشكوك الإدارة الأمريكية حول قضية تجديد معاهدة "ستارت-3"، ونسمع بخطط نشر بعض عناصر نظام الدفاع الصاروخي في الفضاء".

من جهته برر مستشار البيت الابيض للأمن القومي اعلان الولايات المتحدة عزمها على الانسحاب من معاهدة الاسلحة النووية، واصفا المعاهدة بانها "معاهدة ثنائية من الحرب الباردة في عالم متعدد القطب".

واستهدف بولتون في كلامه كوريا الشمالية والصين، موضحا ان "ما بين ثلث ونصف صواريخ (هاتين الدولتين) كانت ستشملها هذه المعاهدة لو كانتا من موقعيها". وتواظب الولايات المتحدة على اتهام روسيا بانتهاك المعاهدة "منذ اعوام عدة"، لكن موسكو تنفي ذلك.

واوضح بولتون ان "الدول الاخرى تتجاهل المعاهدة، وانطلاقا من ذلك فان المعاهدة تلزم بلدا واحدا هو الولايات المتحدة"، مدعيا ان انسحابا اميركيا لن تكون له تداعيات خطيرة على نظام الامن العالمي، على غرار انسحاب واشنطن في 2001 من معاهدة "ايه بي ام" حول الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية. لكن ردود الفعل الدولية اجمعت على دعوة واشنطن الى عدم التخلي عن المعاهدة المذكورة.

وقال بولتون في مؤتمر صحفي عقده في ختام زيارته: "نأمل بأن تتم المناقشة (مناقشة احتمال إجراء اللقاء الشامل بين الرئيسين) في باريس، وسيكون هناك احتمال لإجراء القمة الشاملة في واشنطن العام القادم في البداية. وبعد ذلك ستتم الزيارة الجوابية للرئيس ترامب إلى موسكو العام نفسه. لكن يتعين على الرئيسين مناقشة ذلك".

وردا على سؤال صحفي فيما إذا ما زالت الدعوة الموجهة إلى الرئيس بوتين لزيارة واشنطن صالحة أجاب بولتون: "نعم إنها لا تزال صالحة".

ووصف بولتون سلسلة محادثاته مع المسؤولين الروس بـ"الشاملة والمثمرة جدا"، ابرزها اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استمر ساعة ونصف ساعة.

وكان بولتون قبل لقاء الرئيس الروسي التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وفي حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عقب لقائه شويغو، وصف بولتون نقاشاته مع وزير الدفاع الروسي بأنها "مثيرة جداً للاهتمام ومثمرة للغاية".

وبات من المؤكد أن قرار واشنطن حاسم لجهة فض المعاهدة التي وقعها الرئيس الأميركي الاسبق رونالد ريغان والرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف عام 1987. وجاءت كلمات بولتون واضحة بأنه جاء إلى موسكو لإقناع الروس بأن إنهاء تلك المعاهدة أفضل للبلدين في ظل تطوير الصين المستمر لترسانتها النووية من دون رقيب أو حسيب، فقد صرح بولتون للـ"بي بي سي" قائلاً إن "وزير الدفاع شويغو يرى الصورة الكبرى للأمور في العالم. إن هذه معاهدة ثنائية من أيام الحرب الباردة. ولكن اليوم تغيرت التكنولوجيا وتغير الواقع الاستراتيجي، وعلينا أن نتعامل مع هذا التغيرات".

ويزعم ترامب أن روسيا انتهكت المعاهدة التي يريد نقضها، وفي المقابل ينفي الكرملين ارتكاب أي انتهاكات، ويُصر على اعتبار أن إلغاء المعاهدة سيكون تطوراً خطيراً قد يشعل سباق التسلح من جديد. وبرغم هذا الكلام التحذيري في العلن، إلا أن الإدارة الروسية راغبة على ما يبدو مثلها مثل إدارة ترامب في حل الاتفاقية، فجميع المسؤولين الروس الذين تحدثوا إلى وسائل الإعلام الروسية خلال زيارة بولتون تحدثوا بشكل إيجابي وتصالحي عنها، وعلى سبيل المثال في كلمة مقتضبة للصحافيين عقب لقائه بولتون قال شويغو إن "قمة هلسنكي التي عقدت في تموز الفائت بين الرئيسين بوتين وترامب أدت إلى استعادة تدريجية للحوار الثنائي بين البلدين".

وأضاف "أنا واثق من أنه حتى الخطوات الصغيرة سوف تفيد علاقاتنا وستُساعد على إعادة بناء الثقة، فهناك عدد هائل من المشاكل في العالم يمكن أن نعالجها من خلال الجهود المُشتركة".

تجدر الإشارة إلى أن زيارة بولتون إلى موسكو هي الثانية له بصفته مستشاراً للأمن القومي في إدارة ترامب، ما يشير إلى مدى حرص الرئيس الأميركي على الحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة مع روسيا، وذلك بالرغم من الضجة المُثارة في واشنطن بسبب التدخل الروسي المزعوم في مسار انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016.

وكان بولتون عقب لقائه أمين مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، أكد أنه شدد للطرف الروسي على ضرورة "عدم تدخل روسيا إطلاقاً في الانتخابات النصفية التي تشهدها الولايات المتحدة في السادس من تشرين الثاني المقبل، لأن هذا لن يكون في مصلحة موسكو ولا في مصلحة العلاقات الثنائية".

وكان ترامب في تصريحات صحافية لوح بأن الولايات المتحدة ستُعزّز ترسانتها النووية بهدف الضغط على روسيا والصين كي يتوقفا عن تطوير ترسانتيهما. وكرر مجدداً اتهامه روسيا بانتهاك معاهدة "اي ان اف" التي يُهدد الآن بالانسحاب منها. وقال الرئيس الأميركي "الولايات المتحدة سوف عزز ترسانتها النووية إلى حين عودة الناس (روسيا والصين) إلى رشدهم". وأضاف "إنه تهديد للجميع، تهديد للصين وتهديد أيضاً لروسيا ولأي طرف آخر يريد لعب تلك اللعبة". واعتبر ان "روسيا لم تلتزم بروح تلك المعاهدة أو بنصها نفسه".

يُشار إلى أن تلك المعاهدة حظرت على الروس والأميركيين على مدى الأعوام الـ30 الماضية إنتاج صواريخ نووية بمدى يراوح بين 500 و5500 كيلومتر، وكانت بمثابة خطوة حاسمة في اتجاه إنهاء الحرب الباردة من خلال وضع حد لتراكم الصواريخ النووية الأميركية والسوفياتية في أوروبا.

ومن خلال تصريحات أطلقها بولتون وبعض المسؤولين الروس، بدا أن الهدف من زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي إلى موسكو كان إقناع الروس بأن نقض تلك المعاهدة الثنائية أفضل للبلدين لأن الصين تعزّز ترسانتها النووية على هواها. وخلاصة ما سمعه بوتين من ضيفه الأميركي أن التغييرات الاستراتيجية وتعاظم النفوذ الصيني يفرضان على واشنطن سياسة نووية جديدة، لأن الأميركيين وجدوا أنفسهم منذ العام 2013 الطرف الوحيد المُلتزم بالمعاهدة بعد 6 سنوات من الانتهاك الروسي لها، بحسب المسؤول الاميركي.