في ظل لهاث الأنظمة العربية للتطبيع..

هل سينجح "الناتو العربي" في انجاز ما لم يحققه"كمب ديفيد"؟

هل سينجح
الإثنين ٢٩ أكتوبر ٢٠١٨ - ١١:٠١ بتوقيت غرينتش

لم يكن إنعقاد مؤتمر المنامة الذي انهى اعماله يوم امس الاحد، دون خلفية سابقة، بل جاء بعيد الإستدعاء الأمريكي رؤساء اركان الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي زائدا مصر والأردن الى مؤتمر عقد الشهر الماضي في الكويت وبحضور الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الامريكية لبحث فكرة تشكيل "ناتو عربي".

العالم- تقارير

فمؤتمر الكويت العسكري طرح فكرة تشكيل "ناتو عربي- سني" لمواجهة ايران ومدها الشيعي على حد تعبير المؤتمرين على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، ووضع حجر الأساس وأملى الفرامين الامريكية على المؤتمرين، وطالبهم بالعمل والتمهيد للخطوات القادمة.

اما مؤتمر البحرين الأخير فقد إتسم بالجدية الأمريكية أكثر من نظيره الذي إنعقد في الكويت، حيث قاده وزير الدفاع الامريكي جيم ماتيس بنفسه، وعلى مدى ثلاثة ايام أملي فيه على وزراء خارجية مجلس التعاون "المحتضِر" ما يجب تحضيره من قبل المشاركين وقادتهم ليشاركوا طائعين في المؤتمر الذي سيستدعيهم له سيد البيت الأبيض بدايات العام القادم في واشنطن ليوقعوا (دول مجلس التعاون زائدا مصر والاردن) على كل ما يملى عليهم، بدءا من التمويل المالي، مرورا بالمخططات المدروسة سلفا للمنطقة، وانتهاءا بتجديد البيعة والولاء لسمسار البيت الأبيض المتعطش للأموال ونهب الثروات العربية.

وفي هذا الخضم أطل وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة على وسائل إعلام بلاده ليقول ان "الناتو العربي السني" "سيُسهِم في تعزيز الأمن والاستقرار في المِنطَقة، ويُساعَد دولها في مُواجَهة التَّحدِّيات"، على حد زعمه.

وبعيدا عن اي تعليق على كلام وزير خارجية البحرين، فإن الاوضاع التي تسود المنطقة، والإجتماعات المتتالية، ونوع الشخصيات التي تشارك فيها تؤكد التحضير لمخططات رهيبة، لايجرؤ حتى كبار القادة الذين يشاركون في الإجتماعات التي تحضر لها، التفوه بها، خاصة وانهم سيكونون المعنيين بها قبل غيرهم، حسب تأكيدات سيدهم نزيل البيت الأبيض الذي اكد اكثر من مرة، أن أكبر هذه الدول وسيدها اي السعودية وملكها سلمان، لايمكن ان يبقى في السلطة لأكثر من اسبوع دون الدعم الأمريكي.

وحتى لو أحسنا الظن بهذه المؤتمرات، سنجد انها لم تكن وليدة ساعتها، بل انها حلقة في سلسلة مؤامرات طالت المنطقة، وفشل مخططوها في تطبيقها على ارض الواقع بدءا من إحتلال القبلة الاولى للمسلمين قبل حوالي سبعة عقود، مرورا بإعتداءاعتهم على الشعبين الفلسطيني واللبناني المتواصلة خاصة عدواني الكيان الإسرائيلي المحتل على لبنان في تموز 2006 وعلى قطاع غزة في 2008، وإلى استمرار الإعتداءات الصهيونية المؤيدة بصمة الأنظمة العربية على مسيرات العودة التي فاقت الثلاثة وثلاثين مسيرة حتى الآن.

وما يبعث على الأسف ان الأنظمة العربية الخانعة، لا تتعظ بالتجارب التي مضت عليها، وتبقى أسيرة الرهانات وتهديدات ساسة البيت الأبيض والكنيست الصهيوني. خاصة وانها رأت بأم عينها فشل تحقيق الشرق الاوسط الكبير على ارض الواقع، كما لمست عن كثب تجربة تمزيق العراق، وسوريا واليمن، وهاهي اليوم تعيش صفقة إنهاء القضية الفلسطينية، لكنها مازالت تنخدع بمواعيد معسولة وتسميات لامعة كـ "الناتو العربي السني" الذي سيضم دول مجلس التعاون اضافة الى مصر والأردن ومساعدة دول صديقة اخرى، أي الكيان الاسرائيلي المحتل.

ويرى المراقبون ان هذه الخطوة التي ستأتي على متقبليها قبل غيرهم، هي استمرار للإتصالات التي كانت سرية حتى الأمس القريب بين الأنظمة الرجعية والكيان الإسرائيلي المحتل، لكنها شهدت تبجحا فريدا بالرأي العربي والإسلامي العام في الآونة الأخيرة، حيث استضافت العاصمة القطرية الدوحة فريقا رياضيا من الكيان الإسرائيلي المحتل الشهر الماضي وتجلت الإستضافات بإستقبال ابوظبي وزيرة الشباب والرياضة للكيان الاسرائيلي الاسبوع الماضي التي رافقت فريقا رياضي الطابع وأمني المهمة، أدى الى عزف النشيد الوطني للكيان الاسرائيلي في صالات ابوظبي على مرأى ومسمع حكام الإمارة.

ترى ما الذي يريد تحقيقه الناتو العربي السني، الذي تفاءل به وزير الخارجية السعودي في مؤتمر البحرين وجزم بأنه "سيهزم ايران ومشروعها الظلامي في المنطقة" على حد زعمه؟

نظرة سريعة على تطورات الساحة الاقليمية وما شهدته من اتصالات لحكام عرب بفرامين سمسار البيت الابيض تؤكد أن الذين سيشاركون في التحالف المزعوم، سيتم قيادتهم من قاعدة امريكية اخرى غير الدوحة خاصة وان الرياض التي تعرض عرشها لهزات مدمرة إثر قتلها للصحفي المعارض جمال خاشقجي لم تعد القاعدة الآمنة كليا للقوات الأمريكية وقيادتها في قضايا مصيرية بالنسبة للقيادة الامريكية ومصالحها في المنطقة، وعليهم ان يتلقوا الأوامر والتعليمات من أورشليم وعاصمة عربية اخرى بعد اليوم مباشرة.

وهذا ما يتطلب تبادل زيارات ووفود بين هذه الانظمة الرجعية الفاقدة لأي خيار أمام سيدها الذي يسكن البيت الأبيض من جهة، والتي تعيش هواجس مرعبة جراء الصحوات والإحتجاجات اليومية التي تتنامى في بلدانها ضد لهاثها وراء سراب التطبيع مع عدو لم تنال منه سوى التقريع والإهانة وتوسيع رقعة الإحتلال.

ترى هل ان التحالف المعني سيكون هو الذراع القوية لتطبيق وتنفيذ ما يسمى صفقة القرن حرفيا، ليطلق رصاصة الرحمة على القضية الفلسطينية؟ وماهي الحظوظ التي يمكن ان يحظى بها "الناتو العربي" لتحقيق ما لم يتمكن من تحقيقه مؤتمر "كمب ديفيد" على مدى أكثر من ثلاثة عقود؟

وهل سيكون التحالف العربي السني المسمار الأخير في نعش المقاومة المتنامية في المنقطة والمتمثلة بمسيرات العودة، من خلال تدمير ايران وتقطيع اذرعها المتمثلة بفصائل المقاومة الفلسطينية؟

تساؤلات قد تثير دهشة الغارقين في سبات الربيع الخريفي، الذي يعصف بالمنطقة وحكامها، لكنها حقائق تكشفها تداعيات الإتصالات المتسارعة بين الإستكبار وذيوله وعملائه في المنطقة.  

*عبد الهادي الضيغمي