عبد الباري عطوان: ترامب جاء بطلب استفزازي جديد للعراق!

عبد الباري عطوان: ترامب جاء بطلب استفزازي جديد للعراق!
الأحد ٠٢ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٤:١٢ بتوقيت غرينتش

وقاحة ترامب وجشعه وابتزازه تمتد إلى العراق.. طلب تريليونات الدولارات نفطا من العبادي تعويضا عن الغزو والاحتلال فجاء رد الأخير صادما وغير متوقع.. لماذا؟ إليكم التفاصيل المذهلة..

العالم - العراق

لا يخامرنا أدنى شك في أن تركيبة شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي خليط من الغباء والحماقة والابتزاز والجشع، ولكن لم يخطر ببالنا مطلقا أن يصل به الأمر إلى درجة مطالبة السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي السابق بضرورة دفع بلاده (العراق) تكاليف غزو الولايات المتحدة لها عام 2003، وبقائها فيه حتى عام 2011، وذلك عندما التقيا في واشنطن في آذار (مارس) الماضي.

والأغرب من طلب ترامب رد السيد العبادي الذي قال له “نحن نعمل عن كثب مع العديد من الشركات الأمريكية النفطية التي لها مصالح في العراق”، أي أن الثروات الكبرى التي تقدر بآلاف المليارات تكفي لتغطية هذا المطلب الابتزازي الاستفزازي.

كنا نتوقع من السيد العبادي، أن يعكس السؤال، ويطالب الرئيس الأمريكي بتعويضات بعدد من التريليونات من الدولارات عن الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على العراق لأكثر من 12 عاما بعد غزو الكويت، وهو الحصار الذي أدى إلى استشهاد أكثر من مليون طفل، وتدمير معظم مدن العراق وبناه التحتية بسبب القصف الأمريكي عام 1991، ثم بعد ذلك الإجهاز على ما تبقى من العراق، وقتل مليون عراقي إضافي على الأقل أثناء الغزو والاحتلال عام 2003، حسب مجلة “لانست” الطبية العالمية المحترمة.

لا نستغرب أن يصمت السيد العبادي إزاء هذا الطلب الاستفزازي الوقح من قبل الرئيس الأمريكي، ولم يرد عليه بالشكل المطلوب، لأنه كان يريد دعمه للبقاء في السلطة لدورة أخرى، وقد تأكد ذلك بكل وضوح عندما تعهد بالتزام العراق بتنفيذ العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران قبل أيام معدودة من فرضها، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة داخل العراق وخارجه.

موقع “إكسيوس” الأمريكي الإلكتروني الذي كشف المحادثة هذه بين الرئيس ترامب وضيفه العبادي في البيت الأبيض في آذار (مارس) الماضي، أكد أن هيربرت مكماستر، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق الذي عزله ترامب، اعتبر تكرار رئيسه لهذا العرض أمرا مسيئا لسمعة الولايات المتحدة، بينما رأى فيه وزير الدفاع الحالي جميس ماتيس أنه يشكل انتهاكا للقوانين الدولية، وربما تكون معارضة ماكماستر هي التي عجلت بفصله، ولا نستبعد أن يدفع ماتيس الثمن نفسه لهذا السبب، بالإضافة لأسباب أخرى.

ترامب اشتكى أثناء حملته الانتخابية الرئاسية قبل عامين من أن الولايات المتحدة أنفقت تيرليونات الدولارات، وخسرت آلاف الأرواح (حوالي أربعة آلاف جندي و30 ألف جريح)، ولكنها لم تحصل على شيء في المقابل، وانتقد الحكومات السابقة التي لم تحتل آبار النفط العراقية وتسيطر عليها لعقود قادمة، ولهذا أراد من السيد العبادي تعويضات من عوائد النفط العراقي.

الشركات الأمريكية حصلت على عقود احتكار لاستغلال النفط العراقي والتنقيب عن آبار جديدة لمدة ثلاثين عاما، ويعود الفضل في هذا للسيد حسين شهرستاني، وزير النفط العراقي الذي اختاره الحاكم العسكري بول بريمر لهذا المنصب، ومن أجل هذا الغرض، ويبدو أن هذه المكافآة الثمينة لم تشبع جشع الرئيس ترامب، وربما لو استمر السيد العبادي في منصبه لحصل على هذه التعويضات كليا أو جزئيا، فالذين حكموا العراق بعد الاحتلال كان هدفهم الأساسي هو إرضاء المستعمر الأمريكي بكل الوسائل، حتى لو جاء ذلك على حساب الشعب وسيادة البلاد، ورهن ثرواتها.

بوب وودورد، مؤلف كتاب “الخوف… ترامب في البيت الأبيض”، كشف أن الأخير طالب مساعديه بالبحث واستخراج معادن نادرة في أفغانستان مثل الذهب والفضة واليورانيوم لتمويل تكلفة الحرب الأفغانية، وقوبل طلبه هذا بالاستهجان بسبب سيطرة الطالبان على أكثر من 74 بالمئة من الأراضي الأفغانية، وتدهور الأوضاع الأمنية في البلاد.

العراقيون هم الذين يجب أن يطالبوا أمريكا بالتعويضات المالية عن كل ما لحق بهم وبلادهم من قتل ودمار جراء غزوها لبلدهم واحتلاله لثماني سنوات تحت أسباب ثبت كذبها وهي أسلحة الدمار الشامل، ولكن الأمر المؤسف أن حكام العراق الحاليين، أو معظمهم، لا يجرؤون فقط على المطالبة بهذه التعويضات المشروعة، وإنما أيضا بإخراج 6000 جندي أمريكي ما زالوا يتواجدون في قواعد على الأرض العراقية، ويشكلون انتهاكا لسيادة البلاد.

أمريكا دمرت العراق، ونهبت ثرواته، ومزقت وحدته الوطنية الترابية والديموغرافية، وحولته من دولة إقليمية عظمى إلى دولة متسولة مستدينة غارقة في الفساد والطائفية، وبدون هوية وطنية جامعة، ومع ذلك هناك من يدافع عنها، ويقدم الحكم هدية لمن أوصلوا بلدهم إلى هذا الوضع المزري والمخجل.

كلنا ثقة بأن الشعب العراقي الذي قاوم الاحتلال الأمريكي وهزمه، وأجبره على الرحيل مهزوما سينتفض في وجه هذه الغطرسة الأمريكية، وسيثأر لشهدائه الأبرار، وسيعيد العراق إلى المكانة التي يستحقها في صدر الأمم.. ونراها قريبة بإذن الله.. والأيام بيننا.

* عبد الباري عطوان