منبج.. تطمينات اميركية لأنقرة وسط تحذير روسي

منبج.. تطمينات اميركية لأنقرة وسط تحذير روسي
السبت ٠٨ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٦:١٦ بتوقيت غرينتش

بينما تصرّ أنقرة على توسيع تفاهماتها الخاصة بمدينة منبج السورية مع واشنطن، لتشمل مناطق شرق الفرات، يحاول الجانب الأميركي كسب مزيد من الوقت ومحاولة إزاحة حليفه التركي بعيداً من صيغة أستانا، وضمان مصالحه شرق الفرات في الوقت نفسه.

العالم - تقارير

وعلى رغم الهجوم الأميركي غير المسبوق على مسار أستانا الذي ترعاه روسيا وإيران وتركيا، لم يرشح عبر وسائل الإعلام أية تصريحات تركية في هذا الشأن، خلال اليوم الأول من زيارة الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون سوريا، جايمس جيفري، إلى أنقرة.

وركّز حديث المسؤولين الأتراك، كما بيان ما سمي "فريق العمل المشترك" الأميركي ــــ التركي، على الملفات ذات الاهتمام الثنائي المشترك (في الشأن السوري)، لا سيما ما يخصّ منبج وشرق الفرات. الجولة التي ستحمل جيفري لاحقاً إلى الأردن، شملت أمس سلسلة لقاءات مع كل من الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ونائب وزير الخارجية سادات أونال.

ويفترض أن تستكمل بزيارة إلى مواقع التدريب المشترك للقوات الأميركية والتركية، الذي يتولى تحضير العسكريين للدوريات المشتركة في الريف الشمالي لمدينة منبج. البيان المشترك الذي خرج عن "فريق العمل المشترك"، ونشرته وزارة الخارجية التركية، شدد على ضرورة "تحقيق تقدم ملموس وسريع" في تنفيذ خريطة الطريق الخاصة بمنبج، بحلول نهاية العام الحالي، واستمرار "التخطيط المشترك للعمل في المناطق الأخرى" وفق ما تنص عليه تلك الخريطة. كذلك تضمّن البيان التزام الطرفين "سيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي سوريا"، مشيراً إلى "أهمية التقدم المستمر في مسار الحل السياسي للنزاع السوري بما يتفق مع قرار مجلس الأمن 2254".

ونص على عزم أميركا وتركيا على "محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره الناشئة من داخل سوريا وخارجها" إلى جانب "التصدي بفعالية للشواغل الأمنية لكلا البلدين، بما يتماشى مع التزاماتهما تجاه بعضهما البعض كحليفين". واختتم بتحديد موعد الاجتماع المقبل وفق الصيغة نفسها قبل نهاية شباط من العام المقبل، على أن يعقد في العاصمة الأميركية واشنطن.

صيغة البيان الذي صدر بعد اجتماع استمر لأكثر من خمس ساعات، لم تخرج عن لغة التعاون المشترك التي يتجادل ضمن إطارها الطرفان عادة، وهي تشير إلى أن الجانب الأميركي مستمر في سياسة شراء الوقت لمنع أي صدام بين حليفه التركي، والقوى التي يرعاها في شرق الفرات.

أنقرة تطالب واشنطن بالتخلّي عن نقاط المراقبة

غير أن التصريحات التركية تشير إلى أن أنقرة لن تقبل بالخطة الأميركية الحالية لتثبيت نقاط مراقبة على طول الحدود، من دون وعود واضحة المعالم لإضعاف نفوذ "وحدات حماية الشعب" الكردية على امتداد الأراضي السورية بين نهري دجلة والفرات. إذ يصرّ المسؤولون الأتراك على ضرورة توسيع إطار التعاون القائم في منبج لتشمل صيغته كامل تلك المناطق المحاذية لأراض تركية. وخلال اجتماعات أمس، أكد وزير الدفاع التركي ضرورة إنهاء الدعم الأميركي المقدم لـ"الوحدات" الكردية، والتخلي عن طرح نقاط المراقبة، مشدداً أمام ضيفه جيفري على أن بلاده "لن تسمح بإنشاء ممر إرهابي" على حدودها الجنوبية.

قصف اميركي عنيف على هجين

وبينما تعمل واشنطن جاهدة على ضمان الهدوء على الحدود السورية ــــ التركية شرق الفرات، تكثّف قواتها من الغارات الجوية على مناطق سيطرة جماعة داعش الوهابية في محيط بلدة هجين في الريف الشرقي لدير الزور. وتسببت كثافة تلك الغارات خلال الأيام القليلة الماضية بوقوع عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين، خلال محاولة "التحالف الدولي" تمهيد الطريق أمام "قوات سوريا الديموقراطية" لدخول بلدة هجين، أبرز معاقل "داعش" في وادي الفرات.

ولم تتمكن تلك القوات من تحقيق أي خرق لافت داخل البلدة، على رغم إعلاناتها المتكررة عن "تحرير مئات المدنيين" هناك. ويأتي هذا التصعيد من جانب "التحالف" في وقت قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال جوزف دانفورد أن قوات بلاده درّبت نحو خمس القوات اللازمة لحماية استقرار المناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش"، والتي يقدر عددها بين 35 ألفاً و40 ألف عنصر، مضيفاً في معرض ردّه على سؤال صحافي حول المدة المحتملة لبقاء القوات الأميركية في سوريا، إلى أن مهمة التدريب تلك قد تطيل تلك المدة أكثر.

"خارطة الطريق"

وفي حزيران/ يونيو الماضي، توصلت تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق "خارطة طريق" حول منبج، يضمن إخراج المسلحين الاكراد المناوئين لأنقرة وتصنفهم كحركات "إرهابية" من المنطقة، وتوفير الأمن والاستقرار فيها.

وتسببت مماطلة واشنطن في تأخير تنفيذ الخطة عدة أشهر، متذرعةً بوجود عوائق تقنية.

وفي 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بدأت القوات الأمريكية بتسيير دوريات عسكرية مع الفصائل المسلحة الكردية، على طول الحدود الشمالية الشرقية لسوريا، الأمر الذي رفضه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤكدا وقتها أن بلاده يستحيل أن تقبل بالخطوة، محذرًا من تداعياتها السلبية الخطيرة.

تصاعد حدة السجال الروسي الأميركي

تلاحقت أخيراً تصريحات المسؤولين الروس، التي تحذر أميركا من اللعب بالورقة الكردية في سورية، وانتقاد السلوك الأميركي في المنطقة التي باتت تُعرف بشرق الفرات، وصلت إلى حد اتهام واشنطن بمحاولة إنشاء كيان كردي مستقل في سورية، وهو أمر سيؤدي إلى تقسيم البلاد.

لكن أميركا تؤكد، في المقابل، أن وجودها في سورية مؤقت، ويهدف إلى دحر جماعة "داعش"، وأنها متمسكة بوحدة الأراضي السورية ضمن حدودها الحالية.

واتهم رئيس هيئة الأركان الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، الأربعاء الماضي، الولايات المتحدة بمحاولة إنشاء كيان كردي مستقل شمال سورية. واعتبر أن "الوضع شرق الفرات يتأزم"، مضيفاً: "تحاول الولايات المتحدة المراهنة على الأكراد السوريين لإنشاء كيان شبيه بدولة مستقلة عن دمشق شمال البلاد، ويقومون بتشكيل حكومة ما يسمى بفدرالية شمال سورية الديمقراطية".

وقال المسؤول الروسي، للملحقين العسكريين الأجانب في بلاده، إن "الأميركيين، عبر دعم التوجهات الانفصالية للأكراد بالآليات العسكرية، يسمحون لهم بمضايقة القبائل العربية".

وجاء تصريح غيراسيموف بعد أيام من تصريحات مماثلة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي انتقد تصرفات واشنطن في شرق الفرات السوري، معتبراً أن هذه التصرفات تمثل انتهاكاً سافراً لمبدأ وحدة الأراضي السورية. وقال لافروف، في مقابلة تلفزيونية، إن "ما يحدث على الضفة الشرقية لنهر الفرات غير مقبول"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة "تحاول أن تنشئ هناك مؤسسات حكومية بديلة، وتخصص مئات الملايين من الدولارات لإعادة إعمار هذه المناطق، لكنها في الوقت ذاته ترفض إعادة إعمار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية".

وأشار إلى أن أحد عناصر السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة في سورية هو "اللعب بالورقة الكردية"، معتبراً ذلك "لعبة خطيرة جداً، نظراً لحساسية المسألة الكردية بالنسبة إلى عدد من دول المنطقة؛ أي ليس بالنسبة إلى سورية فقط، بل وبالنسبة إلى العراق، وإيران، وتركيا بطبيعة الحال".

وتدعم أميركا "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تسيطر، تحت مظلة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، على معظم منطقة شرق الفرات، التي تشكل أكثر من ربع مساحة سوريا، إذ تسيطر على معظم أنحاء محافظة الرقة، وجزء كبير من ريف دير الزور شمال نهر الفرات، إلى جانب سيطرتها على معظم أنحاء محافظة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي لسوريا، باستثناء مربعين أمنيين لللجيش السوري في مدينتي القامشلي والحسكة، وأجزاء من ريف المحافظة. كما تسيطر على أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً، كما لا تزال موجودة في مدينة منبج شرق حلب وأجزاء واسعة من ريفها غرب نهر الفرات.