هل عزل إبن سلمان ينهى أزمة السعودية والأمة؟

هل عزل إبن سلمان ينهى أزمة السعودية والأمة؟
الخميس ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٧:٥١ بتوقيت غرينتش

تشغلنى منذ سنوات أزمة الأمة وكيفية الخروج منها؟، وأنظر بألم شديد إلى القضايا والأزمات التى تثقل كاهل الأمة حتى جعلتها لا تقدر على الحركة الصائبة للخروج من تلك القضايا والأزمات، بل أجبرتها على الحركة إما فى نفس المكان أو للرجوع إلى الخلف أى التدهور.

العالم - مقالات وتحليلات

أستطيع أن أقول ان منهج التفكير في الأمة ، إن كان موجودا، فإنه يحتاج إلى مراجعة وتصويب يخرج الأمة من الضبابية إلى الشفافية، ومن الصراع عموما إلى الحوار المثمر الجاد، فتبرز التحديات ويتضح العلاج حسب الأولويات. يقول الشاعر:

إنَّ اللبيبَ إذا بَدَا من جسمه *** مرضَانِ مختلفانِ داوى الأخْطرا

تمر الأمة بأزمات متلاحقة ، إذ أن المسؤولين مشغولون بتثبيت أركان سلطانهم، وغالبا بالبطش والقهر داخليا، وبالاستجداء والتخاذل خارجيا، وهذا هو النهج لأهل الهيمنة وأصحاب التسلط والجبروت في الوقت الحالي وفي السابق وفي المستقبل. وأصحاب المعارضة في الوطن العربي خصوصا يقعون في الصراع ولا يستطيعون الخروج منه. أذكر أزمتين جديدتين أو تحديين، أخصهما بالذكر هنا للايضاح:

الأزمة الأولى: تتعلق بفهم الشريعة وطبعا تطبيقها. والذى أثار هذه الأزمة قانون المساواة بين الجنسين في الميراث في تونس العزيزة مؤخرا، حيث هناك من العلماء ، فضلا عن أهل السلطان وأهل الاستفادة، من أيد هذه الخطوة من جانب تونس، وهناك من إعترض عليها قدر الحرية المتاحة له، وقدر الرغبة في البقاء في الصورة، وهذا يحتاج إلى مقال خاص للتوضيح. وفي نفس الاطار رأى بعضهم أن هناك مواجهة تحتية أو مستترة تظهر إلى العلن أحيانا كما وقع عند حديث الرئيس السيسى وشيخ الأزهر أثناء الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى مصر الحبيبة، أو أحاديث غير المتخصصين عن الشريعة، ومحاولات إنكار السنة والاكتفاء بالقرآن الكريم فقط أو بروز القرآنيين. وهذا يحتاج كذلك إلى مقال خاص للتفصيل.

أما الأزمة الثانية : التى قامت ولم تقعد حتى اليوم. فقد كشف عنها مقتل الاعلامي السعودي خاشقجي رحمه الله تعالى . لا أتكلم هنا عن البشاعة والخسة والنذالة في القتل، بل عن تداعيات تلك الجريمة البشعة. الدنيا كلها أبدت إهتماما بهذه الواقعة رغم أن عالمنا العربي خصوصا، يشهد عشرات القتلى الأبرياء يوميا، ومن الأطفال والنساء في اليمن وسوريا والعراق والصومال وليبيا، ويشهد جرائم يندى لها الجبين في فلسطين المحتلة من الصهاينة وبمعاونة الغرب عموما والأمريكان خصوصا أو على الأقل السكوت عن تلك الجرائم البشعة.

الذى يلفت النظر هنا إتجاه الأنظار إلى أميركا للخروج من أزمة مقتل خاشقجي، ويراه بعضنا في ضرورة تدخل أميركا لإقصاء إبن سلمان عن الحكم بإعتبار مسؤوليته، وبعضنا يدعو أن يقف ترامب إلى جانب قرارات الكونجرس بشأن العقوبات أو حتى رؤية السي آي إيه. وأرى أن البحث عن الخلاص والحق والعدل عند أميركا أزمة أكبر في الأمة.

أتابع الاعلام العربي والعالمي لمعرفة الوقائع، ثم أستخلص ما أستخلص لنفسي بموضوعية وحيادية، لأن التحليل يختلف من فرد لآخر ومن إعلام لآخر ومن خلفية إلى أخرى. خذ على سبيل المثال الأخبار بشأن مقتل الاعلامي السعودي خاشقجي. الأنظار العربية تتجة إلى أميركا، الموالاة والمعارضة على السواء. الموالاة لابن سلمان ترجو إبعاد التهم عنه مهما كلف الأمر من مال وكذب وخداع وخضوع ، والمعارضة تتمنى أن يغير ترامب موقفة حسب القيم الأميركية كما يزعم معظم أو جميع أعضاء الكونجرس والبرلمان من الجمهوريين والديموقراطيين الذين يرون ويريدون معاقبة إبن سلمان بإعتبار أنه المسؤول الذى أصدر أوامر القتل أو أن هذا القتل البشع لا يمكن أن يتم دون معرفة الرجل على الأقل. أنا مع التخلص من كل الملكيات الفاسدة والجمهوريات التي إنقلبت إلى ملكيات ولاتزال تحتفظ بالاسم فقط.

أقول: هب أن الأمريكان إتفقوا ، وأصدر الكونجرس عقوبات على السعودية، وترك ابن سلمان الحكم، بل وتركت الأسرة السعودية كلها الحكم، هل تتقدم السعودية أو تصبح الأمة ديموقراطية، وتسود الحريات ، وتنتهي أزمات الأمة ، وتخرج من التخلف والجهل والمرض والفساد والعنف والارهاب؟ .

ترك القذافي الدنيا كلها مقتولا وتشتت أسرته أو الباقي منها بعد السيطرة والبطش والهيمنة، وشنق صدام حسين في العراق، فهل خرجت ليبيا أو العراق من الأزمات؟

وهل تقدمت ليبيا أو العراق بعد ذهاب الطغاة أو الاستبداد القذافي أو الصدامي؟. أظن أن الأوضاع ساءت في العراق وساءت أكثر في ليبيا. وقل ما شئت عن الأوضاع في سوريا والصومال واليمن. وقد إنفصلت جنوب السودان في عهد الاسلاميين، فهل خرجت السودان أو جنوب السودان من الأزمات؟ وقد جاء البشير بإسم ثورة الانقاذ ولايزال يستمتع بالبقاء في الحكم منذ ثلاثين سنة بعد أن قام بتغيير الدستور . نفس الطريقة والمنهج الذي يفكر به النظام في مصر والموالاة، وبقية الدول في العالم العربي إلا قليلا وبدرجات متفاوتة. كلنا نفرح عندما يذهب ديكتاتور مستبد عن الحكم وننسى أن هناك من هو أكثر استبدادا ينتظر أو من يعده الأعداء لنا. ولكن التقدم والخروج من الأزمات يحتاج أكثر من ذلك.

ترك مبارك الحکم في مصر أو إضطر لأن يترك الحكم في مصر بعدما حكمها ثلاثين سنة ، وحكمها المجلس العسكري ثم الاخوان ثم السيسي سواء جاء بعد ثورة أو بإنقلاب كما يرى الاسلاميون وآخرون، فهل تقدمت مصر وخرجت من الأزمات المحيطة بها؟ أكثر من ذلك كما قلت منذ عدة أسابيع فى القناة التليفزيونية التاسعة بعد تردد حتى لا يساء الفهم، هل لو أهلك الله تعالى الصهاينة و"إسرائيل" ومن يساعدهم ويعترف بهم، ونحن ندعو بذلك ليل نهار، وهناك مقاومون منصورون بإذن الله تعالى على الصهيونية و"اسرائيل" والهيمنة ولكن ، هل تتقدم الأمة وتخرج من أزماتها إن أهلك الله تعالى الصهاينة ومن وراءهم؟ ستنهى قضية بل القضية المركزية التي شغلتنا سنوات عديدة ولكن هذا لا يكفي في ظني للخروج من الأزمات والتحديات في الأمة، تلك التي إزدادت بل وتزداد بسبب منهج التفكير الخاطئ؟

وسؤال آخر لعله يوضح المقصود من هذا المقال. هناك من يتمنى ألا يكون في الأمة شيعة، وهناك من يود ألا يكون فيها سنة، ولكن السؤال هل لو اختفت الشيعة أو السنة أو المذاهب كلها تتقدم الأمة؟.

علينا أن نتخلص من السلبيات الداخلية والتحديات الخارجية واحدة وراء الأخرى وأن نبدأ بالبناء حتى يتم كما فعلت دول أخرى.

وهذا يحتاج إلى تفصيل، كيف نخرج من التحديات سواء القضايا والأزمات، وقد بينت ملخصاً لذلك في مبادرة السلم المجتمعي في أبريل الماضي، ورفضها من لم يفهمها أو من يحب أن نظل في صراع. ويحتاج البناء إلى الخروج من الهيمنة أولا في داخل أنفسنا ثم البناء كما بنت دول أخرى نفسها في عقد أو عقدين أو أكثر ولكننا نراوح مكاننا اليوم كما الأمس.

متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرُك يهدم

د. كمال الهلباوى