بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية..

أهمية اللغة العربية والتحديات التي تواجهها

أهمية اللغة العربية والتحديات التي تواجهها
الخميس ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨ - ١١:٢٩ بتوقيت غرينتش

كتتويجٍ للغة العربيّة وإبرازًا لأهميتها ودورها في حفظ التاريخ ونقل العلوم من الحضارات المختلفة إلى العصر الحديث تمّ تحديد يومٍ للاحتفال باللغة العربيّة من قِبل منظمة اليونسكو على غرار اللغات العالميّة الأخرى كالإنجليزية والفرنسيّة والروسيّة والإسبانيّة والصينيّة وبدأ هذا التخليد في العام 2012م واختير اليوم الثامن عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر من كل سنة يومًا عالميًّا للغة العربيّة.

العالم - تقارير

اللغة العربية واحدة من اللغات العالمية فبحسب الأمم المتحدة هي اللغة السادسة في العالم إذ يبلغ عدد متحدثيها 422 مليون نسمة غالبيتهم في البلدان العربية وبعض الدول الإسلامية كتركيا وإيران ومالي وارتيريا وتشاد.

وتتكون اللغة العربية من ثمانية وعشرين حرفا أحدها حرف الضاد الذي لا نظير له في كافة اللغات الأخرى لذلك يطلق عليها لغة الضاد وتكتب من اليمين إلى اليسار كاللغة العبرية والفارسية وعدد كلماتها 12.3 مليون كلمة، ولغة الضاد هي اللغة الرسمية والأولى في كافة الأقطار العربية إضافة إلى مكانتها السامية لدى كافة المسلمين من العرب وغيرهم فهي لغة الصلاة وقراءة القرآن الكريم والدعاء والعبادات الأخرى.

يهدف اليوم العالمي للغة العربية إلى لفت انتباه العالم إلى واحدة من اللغات السامية والتي كان لها الفضل الكبير في النهضة الأوروبية الحديثة ثم في الثورة الصناعية نتيجة ما انتقل من علوم وفنون وفكر وفلسفة وحضارة وآداب من الحضارات القديمة باللغة العربية بعد أن قام العلماء العرب والمسلمون بترجمة علوم وفنون وآداب الإغريق والرومان واليونان ثم أضافوا عليها الشيء الكثير في وقت كانت فيه أوروبا غارقة في بحر من الجهل والظلام.

إن للغة العربية مكانة كبيرة وانتشارا واسعا بسبب كونها لغة القرآن الكريم، واللغة العربية معتمدة في العديد من الكنائس المسيحية الشرقية وقد كتب بها العديد من كتب الدين المسيحي واليهودي.

بدأ العالم يولي اهتماما باللغة العربية عن خلال اليونسكو فقد تقرر في عام 1948م في مؤتمرها الثالث اعتماد اللغة العربية كاللغة ثالثة للمنظمة إلى جانب اللغتين الإنجليزية والفرنسية وقد تمت ترجمت الوثائق وأوراق العمل إليها.

في عام 1960م اعترفت منظمة اليونسكو في مؤتمرها آنذاك بأهمية اللغة العربية وقدرتها على استيعاب منشورات المنظمة وتأثيرها الكبير في حال كتابتها باللغة العربية على الآخرين، وفي العام 1966م تم اعتماد الترجمة الآنية للغة العربية في جلسات منظمة اليونسكو، وفي العام 1968م وبفضل الفيلسوف الفرنسي رينيه ماه الذي كان يشغل منصب المدير العام تم اعتماد اللغة العربية كلغة عمل في المنظمة، وفي العام 1974م وبفضل جهود الدول العربية تم اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية لليونسكو.

ما هي الأخطار التي تهدد اللغة العربية؟

لغة جميلة..، هكذا تعودنا أن نصف اللغة العربية لكن هذا الجمال لم يشفع لها لتعاني الأمرين بين أبنائها، فلم تعد اللهجات المحلية هي مصدر التهديد الوحيد للغة الضاد فالمؤسف أيضا أن أجيالا جديدة أصبحت تنشأ على لغة "هجين" هي مزيج بين العربية والإنجليزية أو الفرنسية ليصبح استخدام أكبر قدر من الكلمات الأجنبية في الحديث العادي دليلا على الرقي والمستوى التعليمي الرفيع وليصبح اللحن في نطق العربية عاديا لا يثير الانتباه أو السخرية التي قد يثيرها الخطأ في نطق كلمة غربية، فهل يحتاج الأمر إلى وقفة حاسمة واستنفار حاد من أجل الحفاظ على لسان العرب قبل أن تتحول لغتنا الجميلة إلى لغة متحفية يدرسها الطلاب في أقسام الأدب؟

انتشار اللغات العامية

تعاني اللغة العربية من بعض الظواهر السلبية في مجتمعاتنا، إذ أصبحت تنوشها معاول الهدم وتنتقص من وجودها المشخص في الواقع اللغوي المتداول بين الناطقين بها، ولعل أكثر ما يحزن في هذا الجانب هو عدم اعتماد اللغة العربية الفصيحة لغة تدريس مقررة في المدارس على سبيل المثال.

تنتشر العامية انتشارا صارخا بين أبناء اللغة العربية، وتتنوع هذه العاميات، لتهدد اللغة الفصيحة الأم، والتي تجعل اللغة الفصيحة في مستوى ثان من التجسيد اللغوي، وتمنحها مكانة أقل في التعبير الحياتي بين أبناء اللغة.

السعي إلى تحويل اللهجات المحلية من المستوى الشفوي إلى الكتابي

ويرتبط بالخطر الأول خطر داهم، له شواهد كثيرة في بعض البلدان العربية، ألا وهو تحويل اللهجات العامية من المستوى الشفوي إلى المستوى الكتابي، وما يفرضه هذا التوجه من سيطرة العامية على اللغة ببعدها النخبوي الخاص، وهو مقدمة طبيعية لتجسيد لغة ثانية تبتعد بالكلية عن اللغة الفصيحة، إذ من المعلوم أن اعتماد الكتابة لأي لغة يحتم إقرار قواعد كتابية وإملائية وصرفية ما، فلا يعقل أن يترك الأمر هكذا نهبا لكل كاتب يقول ويكتب دون أن تتم مواضعات لتلك اللغة، وهنا تصبح اللهجات المحلية لغات معترف بها تحل محل الفصيحة، ما يعني أننا سنؤسس لقوميات لغوية على غرار القومية العربية، وهكذا حتى تفتت الأمة أكثر مما هي عليه من تفتت وتشرذم.

آثار العولمة في اللغة العربية

لعل أهم أثر من آثار العولمة هو ذلك المتفق عليه بين أغلب المفكرين والمنظرين السياسيين والتربويين، بأن العولمة تفرض سياقا ثقافيا واحدا، وتحارب التعددية الثقافية، ومنها اللغوية بطبيعة الحال، ومحاربة العولمة للتعدد الثقافي- اللغوي هو حتمي، إذ إن القوة السياسية والاقتصادية تفرض بالمؤكد واقعا ثقافيا ولغويا تابعا ومجسدا، شئنا أم أبينا، فنحن عندما نكون الأضعف سنكون حتما تابعين، مستهلكين غير منتجين، وهذا يفترض بالضرورة التعامل مع المنجزات الثقافية والسياسية والتكنولوجيا بما يريده لها أصحابها، وإن حافظت العولمة على بعض التنوع الثقافي اللغوي فهو لا يتعدى أن يكون هامشيا ومحصورا لا ينافس اللغة والمنتج والثقافة التي يسوقها أصحاب العولمة ومصدروها، وعلى الحكومات القائمة في العالم العربي أن تستشعر هذا الخطر.

استبعاد اللغة العربية في العملية التعليمية في التدريس الجامعي والتدريس في المدارس الخاصة

وأخيرا نقف عند مشكلة أخرى يعاني منها التعليم في البلاد العربية، وخاصة المدارس الخاصة غير الحكومية، والجامعات، وأحببت أن أفرد لهذا الخطر بندا خاصا لما له من عميق الأثر والخطر، وقد تحدثت سابقا عن بعض المشاكل التي تهدد التعليم بالعامية، وذلك في البند الأول، والآن أحاول أن أوضح خطر استخدام اللغات الأجنبية على التعليم، فقد شكلت اللغات الأخرى التي يتعلمها الطفل وخاصة في المراحل العمرية الأولى من الصف الأول الأساس وحتى الصف الرابع الأساس خطرا حقيقيا على تعلم اللغة الأم وإتقانها، والطالب بهذا التلقي لغة جديدة، وتداخل نظامين لغويين في عقله وتفكيره، وما يفرضه ذلك من اختلاف في التعامل الكتابي لكل لغة وخاصة فيما يتصل باللغة العربية واللغة الإنجليزية على سبيل المثال، سيجعل الطالب متأثرا سلبيا في إتقان اللغتين معا، ما يولد جيلا ضعيفا لغويا في المهارات الأربع التي تطمح كل لغة أن توجدها عند المتعاملين فيها (القراءة والكتابة والمحادثة والاستماع)، ويزداد هذا الخطر كلما تقدم الطالب في مراحله التعليمية، لتحل اللغات الأجنبية محل اللغة العربية في التعليم الجامعي، فتنبت الصلة بين المتعلم ولغته القومية، ويصبح تابعا ثقافيا وحضاريا لغيره.