الاعلان الاميركي عن خروج قواته من سوريا بين الواقع والحقيقة

الاعلان الاميركي عن خروج قواته من سوريا بين الواقع والحقيقة
السبت ٢٢ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٤:١٧ بتوقيت غرينتش

يعود الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى تقلب قراراته، هذه المرة بإعلانه ان قوات الاحتلال الامريكي ستخرج من سورية، هذا القرار شغل كل وسائل الاعلام ودوائر القرار في العالم، القرار السريع جاء بعد مواجهة السوريين بكافة شرائحهم، المخططات الانفصالية التي كانت تقودها الولايات المتحدة الامريكية في شمال شرق سورية، والعجز عن تحقيق اي مكسب او خرق مقابل انجازات الجيش والدولة على الصعيدين العسكري والسياسي.

العالم - سوريا

بالطبع إن اي قرار سياسي يصدر من دولة ما، يحتاج الى مؤشرات وانذار سابق، الا قرار الرئيس الامريكي هذا لم تسبقه اي مؤشرات، يُبنى عليها في سياسات الدول وحراكها، والمؤشرات الوحيدة التي سبقت القرار الامريكي كانت تشير الى نشاط ملموس وامدادات متدفقة للقوات الامريكية وحلفائها من المجموعات المسلحة الى الداخل السوري، ويؤكد ذلك تصريحات المسؤولين الامريكيين قبل ايام من قرار ترامب، ومنهم بريت ماكغورك، مبعوث أمريكا لدى ما يسمى بالتحالف الدولي في الحرب على الإرهاب في سورية، ان القوات الامريكية باقية لبعض الوقت، بينما حذر رئيسه جيم ماتيس، وزير الدفاع ، اكثر من مرة هذا الشهر من أي انسحاب متسرع من سورية، وكرر الشيء نفسه السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المقرب من الرئيس ترامب، وما يثير الريبة ان هذا القرار قد صدر من ادارة ترامب اكثر من مرة، وكان يؤجل ضمن حجج عديدة، منها مراجعة السياسية الامريكية، من الناحية العسكرية والدبلوماسية، وارتباط هذا القرار بحلفاء واشنطن في اوروبا ودول الخليج الفارسي. اضف الى ذلك ان الدولة العميقة في الولايات المتحدة الامريكية رفضت تنفيذ القرار لعدة مرات، وتم تأجيله لمواعيد لاحقة.

وبكل الاحوال، فإن هذا القرار إن نُفذ، فإنه يمثل خروج قوات احتلال دخلت بشكل مخالف للاعراف والقوانين الدولية، الى دولة ذات سيادة، تحت ذرائع واهية، لكن يجب الانتباه والملاحظة، ان هذا القرار لا يعني مطلقا انتهاء الاطماع الامريكية في سورية، وانتهاء المخطط الامريكي للمنطقة والذي يُعتبر من ثوابت السياسية الامريكية، كون سورية تحديدا تشكل المفصل الرئيسي في سياسة الامريكي في هذه البقعة من العالم، وتتاقطع فيها عدة ملفات مهمة بالنسبة للكيان الاسرائيلي ودول الخليج الفارسي وتركيا، ومنها الوجود الايراني والفوبيا الصهيونية منه، والتشابك بين ايران ودول الخليج الفارسي، ولا ننسى انها جسر العبور لمحور المقاومة يصل ايران بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وتأتي تعقيدات المشهد السياسي الدولي ايضا الى الواجهة، ومنها العلاقة الروسية الامريكية، والعلاقة التركية الروسية والامريكية وحلف الناتو، والكثير الكثير من هذه الملفات، ما يدلل على ان المناورات السياسية الامريكية، تخدم بشكل اساسي استراتيجية امريكية واضحة في المنطقة والعالم.

الجميع يدرك ان دونالد ترامب لا يتقن في هذه الحياة الا الصفقات التجارية والسمسرة العقارية، وبالمقابل الجميع يدرك انه بدأ يُتقن دور الممثل الكوميدي، بعد ما قاله عن هزيمة داعش الذي يندرج تحت بند " النكتة الساذجة"، في حين ان الحقيقة هي ان من هزم داعش في عمق الاراضي السورية كان الجيش السوري وحلفائه و المقاومة وبمشاركة المستشارين الايرانيين والدعم الروسي، وان دعمه لما تبقى من داعش انطلاقا من قاعدة التنف وحتى مناطق ريف دير الزور الشرقي، مثُبت بالادلة والوقائع، فعن اي هزيمة حققها التحالف يتحدث ترامب، بعد ان كانت قوات الاحتلال الامريكي المساند لجماعة داعش بالعتاد والخبراء والتكنولوجية، وحتى بالمعارك على الارض، وتوثيقنا لمجريات الحرب في سورية، تؤكد على ان الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من عرب الخليج، حتى بعض الدول الاقليمية الاخرى كانوا على ضفة داعش، وهُزموا كما هُزم، وانتهى مشروعهم، وما كان يقوم به الامريكي طوال هذه الفترة هو اطالة امد تواجد تلك المجموعات الارهابية.

المفارقة الحقيقية ان من راهن على وجود الاحتلال الامريكي لسنوات، وقاتلوا احيانا الجيش السوري وحلفائه، انهم لم يتعلموا من دروس التاريخ والجغرافية، ان الولايات المتحدة الامريكية، وبكل بساطة، تتخلى عن ادواتها في الوقت الذي ينتهي فيه الاستثمار السياسي لهم، ويضعونهم كبيضة ضمن البازار السياسي الذي يخضع لاهداف الامريكي واستراتيجيته، وان التضليل الامريكي الذي مارسته الادارات المتلاحقة، لا تخطؤه العين او الاذن، ولا حتى الادلة، التي تؤكد من جديد، على ان سورية كعامود لمحور المقاومة هي المستهدفة.

حسین مرتضی- قناة العالم