تظاهرات السودان.. الازمة مفتوحة على كل الاحتمالات!

تظاهرات السودان.. الازمة مفتوحة على كل الاحتمالات!
الإثنين ٣١ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٥٤ بتوقيت غرينتش

يدخل الحراك الشعبي في السودان يومه الثالث عشر، مع سقوط 19 قتيلاً، منهم 2 من القوات النظامية، بحسب رواية الحكومة السودانية، و37 قتيلاً، حسب رواية منظمة "العفو" الدولية، في ظل اتهام الحكومة الأحزاب المعارضة بـ"العمل على زعزعة الاستقرار والأمن في البلاد، والقيام بأعمال تخريبية، استغلالاً للظروف الاقتصادية الحالية".

العالم - تقارير

هذا واستخدمت قوات الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين خرجوا في العاصمة الخرطوم، اليوم الإثنين، ضمن تحرّكات دعت إليها المعارضة من أجل مواصلة التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام.

ونجح مئات الأشخاص، في تجاوز الحواجز الأمنية والوصول لمنطقة وسط الخرطوم، استجابة لدعوة وجهتها نقابات وأحزاب معارضة للتجمّع والانطلاق في مسيرة توجهت إلى القصر الرئاسي، لتسليم مذكرة تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير.

وللتأكيد على سلمية مسيرتهم، بدأ المحتجون بالجلوس على الأرض، ثم هتفوا كالمعتاد "سلمية سلمية" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، لكن سرعان ما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع، لينسحب المتظاهرون لمناطق أخرى.

كما قال شهود عيان، إنه دارت عمليات كر وفر بين القوات الأمنية ومتظاهرين بحي السجانة، جنوب الخرطوم، الذي انسحب إليه المتظاهرون بعد تفريقهم من وسط الخرطوم.

وأغلقت المحلات التجارية والشركات في وسط الخرطوم أبوابها، وسارت في بعض الأحيان السيارات في شوارع تستخدم باتجاه واحد.

كما وردت أنباء عن خروج احتجاجات أخرى بحي الثورة، شمالي أم درمان، ومدينة الحصا حيصا، وسط السودان.

وشهدت الخرطوم، قبيل التظاهرات، وجوداً أمنياً مكثّفاً، حيث انتشرت وحدات من الشرطة والأمن والجيش عند المداخل المؤدية لتقاطع القندول، وهو المكان الذي حدّدته نقابات معارضة للتجمّع، ثم الانطلاق في المسيرة نحو القصر الرئاسي.

ولقيت دعوة النقابات التي تنضوي تحت اسم تجمّع المهنيين المعارض للتظاهر، اليوم الإثنين، دعماً من كافة الأحزاب السياسية المعارضة وحركات مسلحة.

كما حثّ تجمع المهنيين المواطنين على مواصلة التظاهر، خلال الاحتفالات بأعياد الاستقلال ورأس السنة، حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الأول من العام الجديد.

وبدأت في 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، احتجاجات في معظم ولايات السودان (الإجمالي 18 ولاية) ضد الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار، لا سيما بعد رفع سعر الخبز، رفع المتظاهرون خلالها سقف مطالبهم إلى إسقاط النظام.

في غضون ذلك، نفّذ محامون معارضون إضراباً عن العمل، منذ صباح اليوم الإثنين، ويستمر ليوم واحد، وذلك تضامناً مع الحراك الشعبي في البلاد.

وقال المحامي المعارض معز حضرة، إنّ "نسبة تنفيذ الإضراب كبيرة جداً وسط شريحة المحامين الذين تمتعوا بحقهم الدستوري في الإضراب".

وأوضح أنّ "المحامين المضربين وجدوا تجاوباً من قضاة المحاكم الذين تفهموا دوافع الإضراب، ولم يتخذوا أي إجراءات سوى تأجيل الجلسات".

وحثّ حضرة "أجهزة الشرطة والأمن والجيش على التعامل مع احتجاجات اليوم المقررة بمثل تعامل القضاة، وذلك بحماية الحق الدستوري للمتظاهرين وعدم التعامل معهم بعنف، بل حمايتهم"، وفق قوله.

ويرى بعض المراقبين ان استمرار التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في ظل استمرار القمع الحكومي، يمكن ان يسهم في خلق حرب اهلية جديدة على الرغم من الوعود الرسمية والوعود والمساعدات العاجلة التي قدمتها بعض الدول العربية، ووعد الرئيس السوداني عمر البشير المواطنين، بإصلاحات حقيقية "لضمان حياة كريمة" لهم.

وأضاف خلال خطاب جماهيري، أن "ما يحدث من ضائقة هو ابتلاء سنصبر عليه حتى ينجلي لأن الحكم والقوة والأرزاق بيد الله وهو أمر تأمرنا به عقيدتنا"، بحسب صحيفة "الانتباهة".

وزاد: "الأزمة الاقتصادية الله بحلها (سيحلها). الناس في عهد الصحابة أكلت صفق الأشجار"، وفقا لصحيفة "التيار" الورقية.

وقوبلت هذه التصريحات باستياء لدى كثير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي، فقال أحدهم: "يعني من الواضح أنه لا يملك حلا للأزمة الاقتصادية".

كما قال البشير إن السودان يتعرض، ودولا عربية، لمحاولات الابتزاز الاقتصادي والسياسي من الدول الكبرى. وأوضح في خطاب ألقاه في حفل لتخريج قادة عسكريين في الخرطوم، أن تلك الدول تسعى "لفرض التبعية على الشعوب والذات الوطنية وتركيع الأنظمة ودفعها تجاه تحقيق مصالحها في السيطرة على موارد الشعوب"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية.

وسخر البشير ممن يطلقون شائعات حول هروبه والقبض عليه، مؤكدا أنه باق في مكانه ولن يرحل إلا بأمر الشعب.

البشير يحذر..

الى جانب ذلك حذر الرئيس السوداني عمر البشير المواطنين من ”الاستجابة لمحاولات زرع الإحباط“ في أول تعليقات علنية له في الاحتجاجات المناهضة للحكومة بالعاصمة الخرطوم.

وقالت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إن البشير اجتمع بمساعديه الأمنيين ونقلت عنه قوله إن الدولة مستمرة في ”إجراء إصلاحات اقتصادية توفر للمواطنين حياة كريمة“.

واستهدف المتظاهرون مرارا مقار حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يتزعمه البشير، وهتفوا بإنهاء حكمه المستمر منذ 29 عاما. وألقى مسؤولون بالحكومة باللوم في الاحتجاجات على ”مندسين“.

من جانب اخر بدأ في السودان إضراب عام في إطار موجة احتجاجات تشهدها البلاد منذ رفعت الحكومة أسعار الخبز وأعقبها تحرّك احتجاجي تخلّلته صدامات دامية قد يكون الأضخم على الإطلاق خلال ثلاثة عقود من حكم الرئيس عمر البشير.

ولبّت قطاعات مختلفة الدعوة إلى الإضراب التي أطلقها الأحد "تجمّع المهنيين السودانيين"، في حين كانت التظاهرات لا تزال مستمرة في مدن عدّة، ولا سيّما أم درمان، المدينة التوأم للعاصمة الخرطوم.

اثار الاحتجاجات..

وقال الطبيب محمد الأصم عضو تجمّع المهنيين إنّ "الإضراب بدأ والآن تجري عملية حصر لعدد المستشفيات التي نفّذ فيها الإضراب في كل السودان وعدد الأطباء الذين شاركوا فيه، لكن لدينا تجارب سابقة في الدعوة الى إضرابات شاركت فيها كل المستشفيات الحكومية بكل مناطق السودان". ورأى محلّلون بناء على هذه التطوّرات أنّ الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، معتبرين أنّه إذا كان المحرّك الأساسي للاحتجاجات هو الوضع الاقتصادي فإنّه في النهاية مرتبط بسياسات الحكومة.

وقال عبد اللطيف البوني عميد كليّة الاقتصاد في الجامعة الوطنية إنّ "السبب الأساسي للاحتجاجات اقتصادي ومرتبط بغلاء الأسعار، إلاّ أنّ الأزمة الاقتصادية جذرها سياسي ومتمثّل في فشل السياسات الحكومية وارتكابها أخطاء وسوء إدارة". لكنّ المتحدّث باسم حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) ابراهيم الصديق اعتبر أنّ اسباب الاحتجاجات اقتصادية لكنّ "البعض" استخدمها خدمة "لأجندات سياسية".

وقال "هناك سببان للأحداث أحدهما الضائقة الاقتصادية وهذا مفهوم الاحتجاج ضدّه والحكومة معترفة به والناس خرجت بسبب شحّ الخبز والوقود والسيولة النقدية وهذا من حقّها". وأضاف "أمّا السبب الثاني فهو أجندات سياسية بعضها داخلي لأحزاب يسارية تريد خلخلة بنية الدولة وبعضها أجندة خارجية مرتبطة بالمجموعة التي أُعلن أنّها ضبطت وتنتمي لحركة عبد الواحد نور المتمردة وجاءت من اسرائيل وهي من تسببت في حرق المؤسسات".

لكنّ المحلّل السياسي محمد لطيف وهو كاتب زاوية يومية في صحيفة "اليوم التالي" رأى أنّه "في ظلّ شحّ الموارد الذي تعاني منه الدولة وغياب أفق حلّ للأزمة الاقتصادية الخيار الوحيد المتاح حلّ سياسي بانفتاح الحكومة ومخاطبة مطالب الجماهير وفتح منبر الحوار مع كل المكوّنات السياسية السودانية دون استثناء".

غير أن البوني يعتبر أنّ "الباب مفتوح على كل الاحتمالات: إذا دخلت قوى خارجية على الخط وساندت الاحتجاجات، حتى لو إعلامياً فقط، فسيؤدي ذلك إلى تغيير سياسي. أمّا إذا لم يحدث ذلك، فستتراجع الاحتجاجات". وأوضح أنّ "سبب ذلك بسيط وهو أنّه ليس هناك مجال للمقارنة بين المعارضة الداخلية والقوة الأمنيّة للنظام". بحسب فرانس برس.

من ناحيته اعتبر لطيف أنّ "استمرار التظاهر يعتمد على ردّة فعل الحكومة، فإذا أصرّت على الحلّ الأمني والتصعيد سيحدث تصعيد من الطرف الآخر وسيصبح حينها الموقف مفتوحاً على كل الاحتمالات"، محذّراً من أنّه "في ظلّ التركيبة الهشّة للسودان وانتشار الكيانات المسلّحة يمكن للمستقبل أن يكون قاتماً". وأضاف "ليس هناك خيار سوى مراجعة التركيبة الحاكمة، وعلى الحزب أن يراجع علاقاته ومواقفه وإلا سيجد نفسه أمام وضع لا يحسد عليه، وأعتقد أن حزباً بهذه الهشاشة التي ظهرت لا يمكنه قيادة المرحلة القادمة لذا مراجعة مواقفه وهيكله حتمية".