البشير والرقص على اشلاء الثوار

البشير والرقص على اشلاء الثوار
الجمعة ١١ يناير ٢٠١٩ - ٠٣:٥٦ بتوقيت غرينتش

استوقفتني اليوم مشاهد بثها التلفزيون الرسمي السوداني عرض خلالها خطاب للرئيس عمر البشير امام جموع من انصاره تحدى خلاله المتظاهرين ضد نظامه ودعاهم للمواجهة في انتخابات وصفها بالحرة والنزيه واكد انه لن يزيحه من الحكم الا صندوق الاقتراع.

والمفارقة هنا ان البشير نفسه لم يصل الى هذا الحكم الا من خلال انقلاب عسكري وكال التهم كما كان متوقعا لمعارضيه واتهمهم بالارتهان الى دوائر استخباراتية خارجية واختتم خطابه برقص واهازيج اجدر مايقال عنها انها محاولات استفزازية لاسيما انها جاءت في وقت عصيب ومرحلة حرجة من تاريخ حكمه الذي امتد الى ثلاثة عقود. بالامس شهدت مدينة ام درمان حراكا شعبيا هادرا تلخصت مطالبه في كلمتين (تسقط بس)، واكدت الجماهير التي هرعت الى عاصمة السودان القومية من كل حدب وصوب على سلمية حراكهم ضد من وصفوهم بـ"الحرامية" الا ان قوات الامن كانت لهم بالمرصاد واستخدمت الرصاص الحي كما افاد شهود عيان والغاز المسيل للدموع فاردت ثلاثة من المنتفضين قتلى وجرح العشرات، الامر الذي زادهم اصرارا وعزيمة على مواصلة الحراك السلمي حتى تحقيق المطالب المشروعة كما قال قادتهم.
وبالرجوع الى المشهد الاول حيث امتلأت الساحة الخضراء جنوب العاصمة الخرطوم بجيوش من موظفي الخدمة المدنية ومنتسبي الحزب الحاكم كما اكدت مصادر موثوقة، وذكرت مواقع سودانية معارضة ان السلطات اجبرت موظفي الخدمة المدنية على المشاركة واشارت الى وصول اعداد كبيرة من المركبات محملة بالبسطاء من اطراف العاصمة اجبرتهم ظروف الحياة القاسية والفقر المدقع على المشاركة مقابل حفنة من الجنيهات والحديث للمواقع انفة الذكر، وحمل هؤلاء لافتات كتب عليها (تقعد بس) وتظهر مشاهد تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي جمعا للمشاركين وقد حمل اللافتة مقلوبة غير مكترس ولامبالي بما كتب عليها او انه لم يقرأها اصلا، هذا المشهد يقابله مشهد اخر لثوار خرجوا بصدور عارية لمواجهة قوات امن لاترحم ايمانا منهم بحتمية التغيير وتتوقا لغد افضل.
يرى مراقبون انه كان الاجدر بالرئيس السوداني الدعوة الى مصالحة وطنية ومواساة اسر القتلى في خطوة ربما طيبت النفوس وهدأت روع الامهات الثكلى وربما كانت تلك الخطوة ستميل كفة الاعداد الكبيرة من السودانيين الذين لايزالون يقفون موقف الحياد من الازمة التي تعصف بالبلاد الى صالحه لاسيما ان الشعب السوداني معروف بصفات التسامح والصفح.
سبق خطاب البشير مقابلة اجراها نائبه الاسبق علي عثمان محمد طه "عراب مفاصلة رمضان الشهيرة التي شقت صف الحركة الاسلامية وزجت بقياداتها الى صفوف المعاضة وان كانت معارضة خجولة". طه هدد الشعب السوداني في تلك المقابلة بجيوش من القوات الشعبية الموالية للنظام مؤكدا انها رهن الاشارة وستتصدى للمحاولات التي وصفها باليائسة لزعزعة الامن او اسقاط النظام. وجدد طه ايضا خطاب الانقاذ الذي يستلهم ادبياته وينتقي مفرداته من الدين في محاولة لربط السماء بالارض كما يدعون الا ان المفارقة دائما ان النجاح يعد انجازا للنظام والمشروع الحضاري والاخفاق ابتلاء من قبل الله تعالى.
هذه الخطابات اثبتت فشلها دائما والتجارب العربية الاخيرة او ما سمي بالربيع العربي خير مثال لذلك فكلما تهدد الحاكم شعبه ازدادت حماسة ذلك الشعب المقهور واصراره على اسقاط جلاده.
خطاب البشير اليوم وزهوه بنصر لم يكتمل ورقصه على اشلاء شباب بلاده كان مخيبا للامال ومذكرا بخطاب العقيد القذافي والجامع بينهما انهما كان في ساحة خضراء مع اختلاف الجغرافية. "والعاقل من اتعظ بغيره".

*اسامه شیخ