سفاح نيوزيلندا تسلّح بأداة أخطر من بندقيته..تعرف عليها

الأحد ١٧ مارس ٢٠١٩ - ٠٥:٤٠ بتوقيت غرينتش

سفاح نيوزيلندا لم يحمل كما الناس العاديين، كاميرا ليلتقط بها صورة سيلفي مع اصدقاءه، صورة لطعامه في مقهى، للبحر خلال ارتشافه فنجان قهوة. لحفل تخرج شقيقته أو حتى زفاف قريبه. علّق كاميرا "غو برو" على رأسه، أمسك سلاحه ودخل المسجد مقرراً أن لا يواجه ضحاياه المصلّين ويهينهم فقط، بل أن يواجه العالم كلّه بستة عشر دقيقة من النقل المباشر على "فيسبوك".

العالم - اسيا والباسفيك

"الاسلاموفوبيا"، "الارهاب"، "اليمين المتطرف". مصطلحات أكبر من أن يتسوعبها عقل مليارات البشر الذين شاهدوا أمس ١٦ دقيقة من مأساة يُصعب وصفها في نيوزيلندا. عادةً ما يتسلّح القاتل بأداة الجريمة قبل ارتكابها. ببندقية، حزام ناسف، أو سكين، يواجه ضحاياه وجهاً لوجه ويلتقط الخوف من عيونهم ليتغذى منه حقداً أكبر.

كيف تجرأ على تصوير جريمته؟"، سؤال سمعناه كثيراً منذ واقعة نيوزيلندا المأساوية أمس الجمعة. وأجوبة كثيرة تكررت: "مريض نفسي ليس غريباً ان يفعل ذلك"، "من يقتل هل سيستصعب تصوير جريمته؟". أمّا الجواب الأقل استغراباً كان: "داعش صورت كل جرائمها، لما لن يفعل هو ذلك أيضاً؟".

كنّا بدأنا كشعوب متعبة من الحروب والدمار والمآسي وكثرة الضحايا، أن نعتاد على واقعنا.

كنّا نحاول تناسي أن هذا العالم فيه الكثير من الحقد المتفجر بأشكال مختلفة، يصفها زعماء العالم في لقاءاتهم ومؤتمراتهم الصحفية بمصطلحات لن تغيّر من حقيقة شعورنا بالظلم والأسى. كنا بدأنا نتابع مشاهد الدمار والموت كأنها روتين يوميّ لا يمكن الاستغناء عنه.

ساعدتنا السوشيل ميديا كثيراً، والصور والفيديوهات التي توثق المآسي تحديداً، على الاعتياد. الى أن جاء ذاك الفيديو ليعيدنا الى صدمتنا الاساسية: لا نستطيع تقبل تلك المآسي مهما فرضت علينا كواقع لا مفر منه.

كانت عدسة الكاميرا سلاح أقوى من أداة القتل في كثير من الجرائم التي وقعت في السنوات الأخيرة. داعش، القاعدة وغيرهم الكثير استخدموا الكاميرا كأداة تخويف، ومشاهدها كحرب نفسية بنتائج سريعة.

تلك العدسة نفسها أيضاً، التي أضاءت على جرائم التحالف السعودي في اليمن، والتي وثقت فظائع الاحتلال الاسرائيلي في كل من فلسطين ولبنان، والتي كشفت لنا الكثير من انتهاكات حقوق الانسان في العالم، جعلتنا أمس بعد مشاهدة فيديو سفاح نيوزيلندا، نلعنُ عصر التكنولوجيا والفيسبوك الذي عجز عن ايقاف فيديو مؤلم من ١٦ دقيقة.

شاهدنا عجزنا، خوفنا، ضعفنا، كل آلامنا في ذلك الفيديو الذي جعلنا نستشرف في دقائقه ما ينتظرنا من مآسي مستقبلية. حتى أمس، كانت لا تزال وسائل الاعلام تتجادل في مسألة شرعية نشر لقطات عنف على منصاتها من عدمها. جدل عقيم بين مؤيد ورافض، في خضمّه لم ننتبه ان نفكر ان تلك اللقطات اصبح انتشارها ابعد بكثير من وسائل الاعلام. اصبحنا نشاهدها كل يوم ونحن ننام على فراشنا، ونحن نأكل وجباتنا، ونحن نضحك لنكتة سخيفة رويت على مسامعنا.

سيشكل سفاح نيوزيلندا مادة إغراء للكثير من السفاحين الصامتين المنتظرين دورهم. ارهابيين كانوا، عنصريين أم متطرفين. كم مجرماً سيوثق جريمته بعد اليوم؟ كم بثاً مباشراً سنشهد لقتل أبرياء؟ كم عدسة كاميرا سيمسك بها المجرم مع سلاحه في الوقت نفسه؟ كم خوفاً سيُزرع في قلوب الناس بعد أن زُرع الموت في عيونهم المتعبة من اضاءة الهاتف الذكيّ؟. أسئلة كثيرة جوابها صعب، ولكن الأكيد أنّ انتشار السوشيل ميديا والهواتف الذكية، منح المجرمين أداة قوية لاستعراض ذاتهم.

لا يمكننا أن نعتبر اليوم السوشيل ميديا والكاميرا، إلا لاعباً محورياً في مسلسل الاذلال الإنساني. طبعاً نحن بحاجة إلى أبحاث نفسية واجتماعية أكثر لتشرح لنا سبب ذلك الفعل وتأثيره. ولكن تصوير سفاح نيوزيلندا لجريمته، حمل رسالة ومعنى وهدفاً أقوى بكثير من الجريمة نفسها. كان وكأنه يقول لنا: "شاهدوا مصيركم بأنفسكم".

للأسف، اللقطة الوحيدة التي تعجز الكاميرات عن تصويرها في مثل فاجعة مماثلة، هي تعابير وجوهنا الخائفة، نحن الأبرياء، المغلوب على أمرنا في صراعات الكبار، خلال مشاهدتنا لموتنا المنتظر في عالم مليء بالارهاب في فيديو من ١٦ دقيقة!.