الملك الأردني يحصن نفسه قبل ان يضرب 'الربيع' مملكته!

الملك الأردني يحصن نفسه قبل ان يضرب 'الربيع' مملكته!
الخميس ٠٢ مايو ٢٠١٩ - ١٠:١١ بتوقيت غرينتش

تغييرات واسعة ومستعجلة طالت جهاز المخابرات الاردنية والديوان الملكي الاردني لاستدراك ماهو أعظم.

العالم - تقارير

عين الملك الاردني عبدالله الثاني مديرا جديدا لجهاز المخابرات العامة بعد سلسلة إحالات على التقاعد الشهر الماضي طالت خمسة من كبار ضباط الجهاز. وأصدر الملك قرارا بتعيين اللواء "أحمد حسني" مديرا للمخابرات العامة خلفا لـ اللواء "عدنان الجندي" في خطوة تغيير اعقبت تعيين اربعة مستشارين خاصيين للملك قبل اسبوعين.

قبل الديوان الملكي الأردني، في 23 من أبريل/نيسان الماضي، استقالة عدد من كبار المستشارين وكبار موظفيه، مع تعيين مستشارين جدد للعاهل الأردني، وجاءت هذه التغييرات في إطار إعادة الهيكلة بالديوان، بحسب وكالة "بترا" الأردنية الرسمية. وشمل الأمر الملكي تعيين اللواء "أحمد حسني حسن" مديراً لدائرة المخابرات العامة خلفاً لـ اللواء " عدنان الجندي".

ووجه الملك الأردني رسالة لمدير المخابرات الجديد قال فيها: “وقع اختيارنا عليك لتتولى إدارة دائرة المخابرات العامة، في هذه المرحلة الدقيقة التي تواجه فيها منطقتنا بأسرها تحديات جمة وغير مسبوقة، ويواجه فيها بلدنا الحبيب تحديات فرضتها عليه المتغيرات الإقليمية والمناخ العالمي العام الفريد والمتوتر”.

وأعرب الملك الأردني عن ثقته في أن تواجه هذه الأجهزة “بعض من يستغلون الظروف الصعبة والدقيقة التي نمر بها، والهموم المشروعة، التي نعمل لتجاوزها، لدى بعض الفئات في مجتمعنا، طلبا لشعبية زائلة، تاركين بذلك أنفسهم، سواء عن علم أو جهل، عرضة للاستغلال من جهات عديدة لا تريد لنا الخير وتسعى للعبث بأمن الأردن واستقراره”.

وكان حسني برتبة "عميد" لكن تم ترفيعه مؤخرا وعين مساعدا للجندي وبصيغة تبعد جنرالين اخرين عمليا عملا مع الجندي وكانا في موقع متقدم عن حسني مما يعني المزيد من الاحالات على التقاعد قريبا.

ولم يكشف النقاب عن متطلبات وإحتياجات التغيير الجديد في قيادة الجهاز الامني المهم في الاردن في وقت يتواصل فيه الحديث عن تزايد فرصة تعيين وزير جديد للدفاع قريبا. ويعتبر الرئيس الجديد لجهاز المخابرات العامة من اكثر الضباط خبرة في إدارة الشؤون الداخلية.

ويعتقد ان الخطوة ستلغي اثار ضابط رفيع سابق اشرف على الاحزاب والنقابات والبرلمان والانتخابات واحيل للتقاعد قبل ستة اسابيع .

وتوقعت مصادر امنية مطلعة ان يوجه الجنرال "حسني" في بداية عهده بإجراء “تحقيقات” بأخطاء وتجاوزات لبعض العناصر والافراد قريبا وهي مسألة يتردد ان الجنرال "الجندي" كان يعارضها بالرغم من حصول أخطاء امنية فادحة مؤخرا تضمنت تسريبات فردية وليست مؤسسية لمعارضين في الخارج.

ولا يعرف الراي العام الكثير عن الجنرال الجديد فهو رجل ظل بإمتياز وينتمي لعائلة اردنية من العرق "الشركسي" ولديه سجل حافل بالكفاءة الامنية.

وسيتولى الجنرال حسني بالتأكيد اكمال مهمة اعادة الهيكلة الامنية التي امر بها الملك الجنرال الجندي ولم تكتمل.

وبحسب الخبراء، يفتح مثل التغيير الكبير في المؤسسة الامنية المجال امام “مقاربة” مختلفة في الادارة الامنية بالمرحلة اللاحقة التي تتضمن حراكات شعبية في شهر رمضان واحتمالات اعلان صفقة القرن.

ويرى المحللون، أن الملك عبد الله الثاني لا يكلف هذه المرة مدير مخابرات عاديّ، بينما يحيل الجنرال "الخلوق عدنان الجندي" على التقاعد ويكلّف رجل الظل الجنرال "أحمد حسني حاتوقي" لإدارة المؤسسة، فمن تتبع في السابق النهج الملكي يدرك أن عاهل الأردن كلّف مدير مخابرات على الطريقة الحكومية وبكتاب مفصّل وموسّع بخلاف المتعارف عليه في تكليفات مدراء المخابرات السابقين.

تسريبات عن أسباب التغييرات

ملك الأردن تحدث بوضوح عن “تجاوزات” حصلت في الدائرة وتطلبت تصويبها، الأمر الذي ليس من السهل اقصاؤه عن عوامل كثيرة تتزامن مع المشهد الحالي، الأول هو إعادة ترتيب الديوان الملكي وتحديداً اقصاء الجنرال فيصل الشوبكي عنه، والثاني ترتيبات مايسمى "صفقة القرن"، والثالث الذي مر على عمان هو تقرير أصدرته صحيفة “القبس” الكويتية تحدث عن تحركات داخلية تم افشالها في العاصمة الأردنية ونجت منها عمان، كانت تهدف للمزيد من زعزعة الامن في البلاد، حسب تعبير الصحيفة.

الصحيفة الكويتية والمعروفة بحرصها ودعمها للعرش الملكي الأردني، كان لديها معلومات مفصلة وتحفظت على نشرها، بينما اكتفت في ذاك الوقت الحكومة الأردنية بالنفي، فيما بقي الأردنيون أسرى مجدداً لذهنية الإنكار أو التضليل.

بالعودة للجنرال الجديد، فملك الأردن اختار الجنرال حاتوقي والذي ينحدر من أصول شركسية، الامر الذي يوحي نظرياً ومن حيث الأصول فقط، الى ان ملك الأردن يستعين بالأصل الأقرب ولاء له شخصياً لقرب المكون الشركسي اللصيق من الشق الملكي من العائلة الهاشمية، حيث من المعروف عن المكون الشركسي في الأردن أنهم يشغلون مناصب متنوعة في حرس الشرف الملكي منذ عقود.

حاتوقي يبدو غير معروف بصورة كبيرة في الدوائر السياسية، على غرار سلفه الجنرال الجندي، وبخلاف الصخب الذي كان قد رافق الجنرال الشوبكي في السابق، ما يثبّت القناعة برغبة ملكية بالمزيد من رجال الظل على غرار مستشاري الديوان الحاليين. ورغم تسريبات تتحدث عن الجنرال الطازج باعتباره تلميذ مدير المخابرات السابق (في الثمانينيات) طارق علاء الدين، إلا أن مراقبين يتوقعون مفاجآت تكشف عنها الأيام القليلة المقبلة، لكون الرجل خبيراً في العلاقات الدولية والاستخبارية.

الاتيان بمدير مخابرات عمان، صاحب الخبرة في التحليل الدولي ومن أصول شركسية، ليترأس المخابرات العامة، تبدو بداية وصفة لصانع القرار الأردني لتجاوز محطات قد تكون عصيبة جداً في المرحلة المقبلة، حيث شهر رمضان وما يحمله من حراكات شعبية متوقعة في العاصمة عمان تحديداً، بالإضافة لصفقة القرن وتداعياتها، إلى جانب التجاذبات الداخلية التي بدت واضحة بين الحكومة وبعض الشخصيات في الدائرة في الفترة الماضية. المشهد الأخير يمكن تجنبه مع شخصيات مختلفة تدير الملفات الداخلية في الدائرة بصورة أكثر تناغماً مع الحكومة، خصوصاً مع شخصية كشخصية رئيسها الدكتور عمر الرزاز، والذي يهادن أكثر بكثير مما ينافس ويقاتل.

هذا كله لا ينفي ان الجنرال الجديد يواجه اليوم ناراً تحت رماد الشارع، حيث الشكاوى من تزايد التحقيقات والاعتقالات على خلفيات سياسية كبيرة ومتشعبة، والاستدعاءات للناشطين كذلك في وقت من الواضح فيه ان من كان يسهم في خلق البلبلة لم يكونوا المذكورين.

رجل المخابرات الجديد، قد لا يحمل عصا سحرية، ولكن اختياره ورسالة الملك له، تفرض توقع انه سيعمل على تغيير المشهد الذي تدير منه الدائرة عملياتها وكيفية تعاملها معها.

بالتزامن مع ذلك، لا يمكن تجاهل شكل الديوان الملكي الجديد، الذي بات يحمل “مستشارين لملك الأردن” كلهم من رجال الظل، والأكثر تصدراً فيهم هو رئيس الديوان يوسف العيسوي، والذي يكاد لا يُقارن بالطبع بسلفه الدكتور فايز الطراونة من حيث النفوذ والظهور، وكمال ناصر الخبير في العلاقات الدولية والمؤسسات الدولية، بالإضافة لخبرة السفير بشر الخصاونة وخلفيته السياسية الخبيرة بالعلاقات الأردنية العراقية، إلى جانب شخصية خبيرة بالشمال الأردني والجوار السوري كرئيس البرلمان الأسبق سعد هايل السرور.

في تركيبة كهذه يمكن أن يفترض المرء أن يتحول أداء الديوان الملكي من المكرمات والمضافات الموسمية إلى المزيد من المؤسسية، خصوصا وأن تعيين المذكورين جميعاً كمستشارين، قرأه كثر باعتبار عاهل الأردن “شمّر عن ساعديه للعمل الميداني العميق”. الكفاءات المذكورة وبالنظر للأصول والخبرات ايضاً تشكّل تنوعاً مهماً إذا ما أضيفت لها خبرة اقتصادية مثل الدكتور محمد العسعس والخبرة البروتوكولية لمنار الدباس، ولكن الرهان اليوم، على الطريقة التي “ستلعب بها” تشكيلة فريق الملك الجديدة، بالإضافة لمدير المخابرات.

كل ما سبق، والايعاز بهيكلة في المخابرات والديوان، قد لا يعني الكثير اذا لم يلحظ الأردنيون الفرق الحقيقي، والتغيرات وبصورة ذكية تصب في مصلحة الأردن قبل نفوذ "الربيع العربي" المستجد الذي حذر منه رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي قبل ايام.

واما عن حكومة الدكتور الرزاز، فيبدو بأن رئيس الحكومة في مأمن من التغييرات، الا ان هذا لا يمنع ان يبقى الرزاز ككبشٍ لأي مستجد قريب إلا لو حاز على الضوء الأخضر لتعديل موسّع لتغيير المعادلة، بحسب الخبراء.

وکالات