حراك الجزائر.. ومطالب برحيل رموز نظام بوتفليقة

حراك الجزائر.. ومطالب برحيل رموز نظام بوتفليقة
الأحد ١٩ مايو ٢٠١٩ - ٠٣:٥٢ بتوقيت غرينتش

لا يزال الشارع الجزائري على حاله من الحراك المستمر منذ الثاني والعشرين من شباط/ فبراير الماضي المطالب بالحرية والتغيير. وشهدت العاصمة الجزائرية وولايات اخرى تظاهرات احتجاجية للمطالبة برحيل كل رموز النظام السابق.

العالم - تقارير

ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بمحاكمة الفاسدين ورفض الحلول المجتزأة اللازمة. كما طالبوا في شعاراتهم باستقالة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، مجددين رفضهم لإجراء الانتخابات في الرابع من تموز/ يوليو القادم. كما اكدوا على الانتقال المدني للسلطة وتحقيق مطالب الجزائريين في العدالة الاجتماعية.

الشرطة الجزائرية اغلقت اليوم الأحد، الطرق المؤدية للبرلمان بشاحناتها، وضربت طوقا أمنيا حول ساحة البريد المركزي، وسط العاصمة، بالتزامن مع مسيرات طلابية بمناسبة اليوم الوطني للطلاب.

وخرج آلاف الطلبة الجزائريين، في مسيرة حاشدة بالعاصمة ومدن أخرى، واحتشدوا في ساحة البريد المركزي بالعاصمة، رافعين شعارات رافضة للانتخابات ومطالبة بتنحي رموز نظام بوتفليقة.

وحاول المتظاهرون التوجه إلى مقر المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، بعد أن منعتهم قوات الأمن من الاعتصام ببناية البريد المركزي.

ويسعى الطلبة من خلال هذه التحركات إلى التأكيد على إصرارهم وتمسكهم بمطالبهم الرافضة لمشاركة الشخصيات التي كانت مقربة من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في المرحلة الانتقالية وفي تنظيم الانتخابات القادمة.

من جهة اخرى عقد المجتمع المدني في الجزائر، لقاء تشاوريا، جمع ممثلي النقابات والمنظمات والجمعيات الوطنية والمهنية، للإسهام في إيجاد حل للأزمة السياسية للبلاد، وذلك بحسب ما أفاد موقع قناة "النهار" الجزائرية.

وذكرت القناة أنه، حسب بيان المجتمع المدني، اليوم الأحد، فقد خلص اللقاء إلى تثمين مبادرة اللقاء، للمساهمة في إيجاد مخرج للأزمة السياسية للبلاد.

وتم الاتفاق على الانخراط الكلي في الحراك الشعبي السلمي، مع السعي المتواصل لتقويته، وضمان استمراريته وحماية سلميته. كما تم التوافق على حتمية الانتقال الديمقراطي السلمي، لجزائر حرة ديمقراطية اجتماعية بمؤسسات شرعية.

وعبر المجتمعون عن رفضهم المطلق لقرار إجراء وتنظيم رئاسيات يوليو/ تموز 2019، وضرورة رحيل رموز النظام الحالي تلبية للمطالب الشعبية.

كما دعا البيان مؤسسة الجيش لفتح حوار صريح مع ممثلي المجتمع المدني، والطبقة السياسية، لإيجاد حل سياسي توافقي، يستجيب للطموحات الشعبية. والانفتاح وتوسيع دائرة التشاور مع الجمعيات والمنظمات الوطنية المعنية، للوصول لأرضية توافقية، لمبادرة جامعة تسمح بتجسيد مطالب الحراك.

كما شدد على المتابعة عن كثب للوضع الاقتصادي والمالي للبلاد والعمل على حمايته من الاستنزاف خاصة في هذه المرحلة الانتقالية.

الجزائريون يواصلون حراكهم الرافض لاستمرار رموز النظام السابق في الحكم، وذلك بالتعبئة الواسعة أيام الجمعة في كل المحافظات والمدن، على رغم أجواء الحَرّ الشديد التي كانت تتوقع السلطات أن تؤدي إلى تراجع حجم التظاهرات.

وبدت جلية، مرة أخرى، القطيعة بين المواطنين ومؤسّستَي الرئاسة والحكومة، إذ إن المتظاهرين جددوا رفضهم المطلق بقاء الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ووزيره الأول نور الدين بدوي، في منصبَيهما، على اعتبار وجودهما أحد الأسباب الرئيسة لرفض انتخابات 4 تموز/ يوليو المقبل، التي سيشرف عليها هذان المسؤولان المحسوبان على نظام الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، ما يجعلها في نظر المواطنين "مزورة مسبقاً".

ويرى الكاتب والمحلل السياسي محمد العيد في جريدة "الاخبار" أن اللافت أن الجزائريين في الجمعة الماضية، الثالثة عشرة منذ بدء الحراك الشعبي، وفي التي سبقتها، تجاوزوا تماماً مسألة رحيل بن صالح وبدوي، المنتهية بالنسبة إليهم، وتوجهوا مباشرة إلى رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الذي يرونه صاحب السلطة الفعلية في البلاد، متهمين إياه بـ"عرقلة الحلّ السياسي ومحاولة فرض انتخابات يرفضها الشعب".

وذهبت هتافات بعض المتظاهرين إلى حدّ وصف قايد صالح بأنه "خان الحراك"، مع تأكيدهم أنهم يميزون بين قائد الجيش، وبين أفراد الجيش. جراء ذلك، تبلورت مخاوف خلال الأسبوعين الأخيرين من وجود مناورات يقودها رأس العسكر لفرض هذه الانتخابات، من أجل إعادة بسط نفوذ النظام السابق عبر وجوه جديدة، بما يبقي الجيش حاكماً فعلياً من وراء الستار. وهو ما تصدت له الشعارات الجديدة التي بات يرفعها المتظاهرون: "دولة مدنية لا عسكرية"، "جمهورية لا ثكنة"، "قايد صالح ارحل"، "لا توجد انتخابات أيها العصابات".

ويظهر أن السلطات العسكرية باتت تضيق بهذه التطورات، ولذلك شهدت العاصمة غلقاً محكماً لكل مداخلها، كما تعاملت الشرطة بعنف مع المتظاهرين في ساحة البريد المركزي في قلب العاصمة، وأرادت بكل الوسائل تفريقهم ومنع تجمعهم في هذا المكان الذي اكتسى مع الوقت رمزية كبيرة وصار معقلاً للمناوئين لقائد الجيش وطريقته في إدارة مرحلة ما بعد بوتفليقة.

في المقابل، لا يخلو المشهد من مؤيدين لقايد صالح، كنوع من العرفان له على عمليات المحاسبة لكبار المسؤولين السابقين، وأيضاً لاعتقادهم بأن الرجل يواجه لوبيّات داخلية وخارجية فرنسية بالخصوص، تعمل على إدخال البلاد في حالة فوضى عبر الدفع إلى الفراغ الدستوري.

في خضمّ ما يجري، يلتزم قايد صالح الصمت المطبق منذ بدء شهر رمضان، وهو الذي تعوّد أن يتوجه إلى الجزائريين أيام الثلاثاء بخطاب جزؤه الأكبر سياسي. ويبدو ذلك، وفق متابعين، ناتجاً من "ارتباك في صفوف قيادة الجيش" إزاء الوضع، في ظلّ رفض الشارع الانتخابات في هذه الظروف، ما يعني أن المغامرة بتنظيمها ستكون خطأً قاتلاً قد يحوّل الجيش إلى خصم للشارع، وهذا من أسوأ السيناريوات.

لذلك، يجري العمل، وفق بعض المصادر، على طرح "خطة بديلة بإمكانها تلبية مطالب الحراك الشعبي وإعادة مصالحة الجزائريين مع قيادة العسكر، بما يضمن انتقالاً سلساً ومأموناً للسلطة".

وتُطرح في هذا الإطار فكرة فتح حوار يكون فيه الجيش طرفاً مع مكونات الطبقة السياسية والحراك الشعبي للتوافق على أسماء معينة يمكنها أن تقود مرحلة انتقالية قصيرة، تسمح بتهيئة الظروف لإجراء انتخابات رئاسية بإشراف هيئة مستقلة محايدة.

بموازاة المأزق السياسي، يصنع جهاز القضاء الحدث الإعلامي في البلاد، بعد شروعه قبل ايام في الاستماع لنحو 60 مسؤولاً سابقاً في نظام بوتفليقة، يتقدمهم الوزيران الأولان السابقان، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، بتهم تتعلق باستغلال النفوذ وتقديم امتيازات غير مشروعة والتمويل الخفي للأحزاب السياسية.

لكن الجزائريين منقسمون في نظرتهم إلى هذه الإجراءات، بين من يراها "عملية محاسبة حقيقية تصبّ في خانة تطهير البلاد من بقايا النظام الفاسد"، وبين من يقول إنها "مسرحية لتحوير الأنظار عن المطالب الرئيسة"، في ظلّ عدم تمتع العدالة باعتراف نقابة القضاة، بغياب الاستقلالية في عملها، وبالنظر إلى القوانين التي تمنح الوزراء السابقين شبه حصانة تعطّل محاسبتهم.

وفي كل الاحوال تظل السلمية هي ما تميز الحراك الشعبي في الجزائر منذ انطلاقتها، سلمية حيرت في استمرارها المتابعين لمجريات الازمة في الجزائر، سلمية نابعة من وعي الجزائريين ووطنيتهم وخوفهم على مستقبل بلدهم، ويراهنون بهذه السلمية في تحقيق كامل مطالبهم المشروعة دون ان تتجه الامور في بلدهم، كما جرى في دول عربية اخرى، الى اتجاهات لا يحمد عقباها.