عطوان: لماذا صدمتنا موافقة حكومات مصر والأردن والمغرب على “صفقة القرن”؟

عطوان: لماذا صدمتنا موافقة حكومات مصر والأردن والمغرب على “صفقة القرن”؟
الثلاثاء ١١ يونيو ٢٠١٩ - ٠٦:٥١ بتوقيت غرينتش

نستغرب الانباء الصادمة التي وردت على لسان مسؤول امريكي نقلتها عنه وكالة “رويترز” العالمية، وكشفت ان مصر والأردن والمغرب أبلغت الحكومة الامريكية رغبتها في تلبية الدعوة بحضور مؤتمر تصفية القضية الفلسطينية الذي من المقرر ان يعقد في البحرين بعد أسبوعين، نقول نستغرب، ولكن لم تفاجئنا على أي حال، لان هناك من يرفض قراءة المتغيرات التي تحدث في المنطقة، او يستطيع فهمها حتى لو قرأها.

الاستغراب منبعه ان حكومات الدول الثلاث تكرر دائما، بمناسبة، او غير مناسبة، انها لن تقبل الا ما يقبله الشعب الفلسطيني، وسترفض كل ما يرفضه، فكيف تقرر المشاركة في مؤتمر يرفضه جميع الفلسطينيين وفصائلهم، الامر الذي يعكس خنوعا كاملا للإدارة الامريكية، وموافقة ضمنية لصفقة القرن، فهل تعتقد هذه الحكومات ان الشعوب العربية على هذه الدرجة من الغباء بحيث يسهل خداعها.

كنا نعتقد ان حكومات الدول الثلاث لم تبادر الى اعلان موافقتها على حضور مؤتمر البحرين، اسوة بدولتين فقط رحبتا بالحضور، وهما المملكة العربية السعودية ودولة والامارات العربية المتحدة، لانها لا تريد إضفاء أي شرعية عليه أولا، ولأنها تعارض هذه “الصفقة” التي ستؤدي الى اقتطاع أجزاء من أراضيها، وتصب في مصلحة الخطة الإسرائيلية بإقامة “إسرائيل الكبرى”، وكم كنا مخطئين في هذا الاعتقاد للأسف.

***

لا نعرف كيف تقبل دول عربية ان تنجر خلف خطة يضع تفاصيلها شاب اغر مثل جاريد كوشنر، كل مؤهلاته انه صهر الرئيس، ووالده المدان في اكثر من جريمة صديق حميم لنتنياهو، بمثل هذه الطريقة المهينة، وهي التي ظلت لعقود تتغنى بالشرعية الدولية وقراراتها، فمن هو كوشنر هذا حتى يطرح حلولا، ويعقد مؤتمرات لتصفية قضية تعتبر من اقدس القضايا العادلة في التاريخ، ويسوق حكومات عربية لحضور مؤتمراته بهذه الطريقة المهينة، ولا نريد ان نقول اكثر من ذلك.

حتى مجرد مناقشة “الصفقة” وبنودها، في عاصمة عربية امر مهين، ويكشف عن اسباب حالة الانهيار التي تعيشها الامة العربية، في وقت تبرز فيه مشاريع دول أخرى، تستمد شرعيتها بالتمسك بالثوابت الوطنية العربية، وعلى رأسها التصدي لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية التي تدعمها الولايات المتحدة، ولخدمة استمرار تفوق المشرع العنصري الإسرائيلي، وتكريس عنصريته واحتلاله للأرض العربية ومقدساتها.

كيف يمكن ان نفسر مواقف هذه الحكومات العربية في الرضوخ لهذا العداء الأمريكي السافر للامتين العربية والإسلامية في الوقت الذي تبدأ فيه دول عظمى مثل الصين وروسيا بالتكتل من اجل انهاء الهيمنة الامريكية على مقدرات العالم سياسيا واقتصاديا، وتسعى لوضع نظام مالي واقتصادي عالمي جديد لمواجهة العملة الامريكية “الدولار”، وتقويض كل الحصارات التي تعتمد عليه كأداة حاسمة لتدمير اقتصاديات الدول الأخرى.

ربما تجادل بعض الحكومات العربية وانصارها بأن حضور مؤتمر البحرين يأتي من منطلق العلم بالشيء، ومحاولة للتعرف على الخطط الامريكية، لان هذه المعرفة تبدو حتمية لاتخاذ المواقف الناجعة لمواجهتها، وهو الموقف المتهاون نفسه الذي أوصل امتنا الى هذا الهوان الذي تعيشه، وجعلها موضع سخرية كل الشعوب والامم الأخرى، فهل يوجد طفل فلسطيني او عربي واحد لا يعرف ما هي صفقة القرن هذه وأهدافها؟

نطمئن هذه الحكومات وغيرها، بأن الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، لم يرفع راية الاستسلام، ولن يرفعها، وبات يمتلك الكثير من أسباب القوة والردع، وباتت صواريخه، ورغم تواضع قدراتها، تشكل رعبا للاعداء، وتدفعهم لاستجداء وقف اطلاق، لان الإرادة متوفرة أولا، ولان هذا الشعب بات يعتمد على نفسه، ولم يعد لديه ما يخسره.

نحمد الله ان هناك محورا مقاوما ملأ فراغ الاستسلام العربي، بات يغير معادلات القوة في المنطقة لمصلحة القابضين على جمر الكرامة، محور يقدم تكنولوجيا صناعة الصواريخ، والطائرات المسيرة الملغمة، وباقل القليل من المال، وهو المحاصر المجوّع، للمرابطين في قطاع غزة والضفة الغربية.

المارد الفلسطيني الذي طوّر صواريخ قادرة على ضرب تل ابيب، بات يتصدى وحده من بين معظم العرب، لصفقة القرن والغطرسة الامريكية، يرفض استقبال، او حتى الجلوس مع كوشنر ورهطة، ويقرر محاكمة سفير المستوطنين الأمريكي في القدس المحتلة الذي لم يجد من يردعه من العرب، ويرفض رغم كل الضغوط والنصائح اللقاء مع الرئيس ترامب في وقت يتنافس زعماء عرب يدعون السيادة لتقبيل يديه وقدميه، هذا المارد بدأ “يتململ”، وباتت شرارة انتفاضته الكبرى وشيكة، ونحذركم حتى لا تصدموا.

***

عندما تتمرد وحدات من رجال الامن الفلسطيني على التنسيق الأمني، وتشتبك مع قوات إسرائيلية اطلقت النار على مقرها في نابلس، وتوقعت منها الإذعان كالعادة، فهذا مؤشر، ورغم محدوديته، على ان التغيير قادم، وان الشعب الفلسطيني الذي افشل حصار قوات نابليون لعكا، وصمد ببطولة، وكان هذا الصمود بداية انهيار الامبراطورية الفرنسية، سيفشل صفقة القرن، والمشروع الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة، المارد الفلسطيني بدأ مسيرة الخروج من “قمقم” أوسلو، واكذوبة مبادرة السلام العربية، ويستعيد قواه بشكل متسارع مدعوما بكل الشعوب العربية والإسلامية.

استهنتم بالشعب اليمني ومقاومته.. وتوقعتم هزيمته واستسلامه في أسابيع معدودة،.. وها هو يقلب الموازين ويحقق المعجزات.. والشيء نفسه يقال عن الشعوب الجزائرية والسودانية والسورية والعراقية.. هذه الشعوب اثبتت، وتثبت، انها ما زالت تمسك بزمام المبادرة وقادرة على التغيير واحباط المشاريع الاستسلامية.

اذهبوا الى مؤتمر المنامة، وارصدوا مئات المليارات تنفيذا لإملاءات ترامب وكوشنر، مثلما ذهبتم الى مؤتمر التطبيع في وارسو، ولن تعودوا الا بالفشل والعار واللعنات.. والايام بيننا.

* عبد الباري عطوان