هل بإمكان تركيا فرض منطقة آمنة في سوريا؟

هل بإمكان تركيا فرض منطقة آمنة في سوريا؟
السبت ٠٣ أغسطس ٢٠١٩ - ٠٥:٠٢ بتوقيت غرينتش

بعد فشل المحادثات التركية الأميركية بشأن المنطقة الآمنة في شمال سوريا، أثار التهديد الذي أطلقته أنقرة بالتدخل العسكري لفرض هذه المنطقة، العديد من التساؤلات بشأن قدرة تركيا على تنفيذ هذا التهديد رغم المعارضة الأميركية.

العالم - تقارير

ففي اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي مارك إسبر، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار يوم الإثنين الماضي ، إن بلاده ستضطر لإنشاء منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا بمفردها، حال عدم التوصل لتفاهم مشترك مع الولايات المتحدة، بحسب بيان رسمي.

وشدد أكار على نقطتين تعتبرهما أنقرة في مقدمة خططتها بشأن المنطقة الآمنة وهي مصادرة جميع الأسلحة بحوزة قوات حماية الشعب الكردية وإخراجها من المنطقة العازلة بشكل كامل.

والأمر الثاني هو أن يكون عمق المنطقة داخل الأراضي السورية لا يقل عن 30 كيلومترا تحت السيطرة التركية.

وجاءت هذه التصريحات بعد تعزيز الجيش التركي لقواته على امتداد الحدود مع سوريا خلال الأسابيع الماضية. وقام وزير الدفاع التركي وعدد من الجنرالات بزيارات تفقدية للمواقع العسكرية في المنطقة.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال في الاونة الاخيرة إن البلدين لم يتفقا على مدى عمق المنطقة ومن ستكون له السيطرة عليها وما إذا كان سيتم إخراج وحدات حماية الشعب بالكامل منها.

وفي المقابل، ورغم موافقة واشنطن على مبدأ إقامة منطقة عازلة في شرق الفرات، فإنها ترى أن عمق هذه المنطقة لا يجب أن يزيد عن 5 كيلومترات وذلك لن يمتد إلى كامل الحدود السورية التركية.

كما تطالب واشنطن بأن تحتفظ الجماعات الكردية وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية ببعض أسلحتها من أجل ضمان أمن المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

الا ان جاويش أوغلو هدد إن بلاده ستنفذ عملياتها العسكرية شرق نهر الفرات بسوريا في حال لم تقم المنطقة الآمنة، وفي حال لم يتم تطهير المنطقة الحدودية ممن وصفهم بالإرهابيين.

وكان أوغلو يشير بذلك إلى المقاتلين الأكراد السوريين الذين يشكلون الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الوطني الكردي السوري، وتعتبره أنقرة منظمة إرهابية بوصفها امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف لديها إرهابيا.

وأضاف الوزير أن المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة تباطأت، وأنهم أبلغوها بأن عليها ألا تستخدم القتال بمحافظة إدلب (شمال غربي سوريا) ذريعة لتجاهل المنطقة الآمنة المقترح إقامتها شرق نهر الفرات.

وقد لوحت تركيا مرارا بتنفيذ عملية عسكرية ضد المسلحين الأكراد السوريين بمنطقة شرق الفرات بعدما انتزعت منهم مدينة عفرين الواقعة غربا بريف حلب الشمالي الغربي من خلال عملية غصن الزيتون التي انتهت ربيع 2018.

لكن واشنطن حذرت أنقرة من عواقب شن هجوم على الوحدات الكردية المتمركزة حاليا بمدينة منبج الواقعة بريف حلب الشرقي (غرب نهر الفرات). كما أنها تسيطر على مناطق شاسعة شرق النهر، وتوجد قوات أميركية بتلك المناطق.

وقد عبر أوغلو مجددا عن خيبة أمل تركيا من عدم تنفيذ اتفاق أبرمته بلاده قبل عام مع الولايات المتحدة يقضي بسحب الوحدات الكردية من منبج، محذرا من أن أنقرة ستتحرك بشكل أحادي إذا تعثرت المحادثات المتعلقة بالمنطقة الآمنة.

وظهر مسح أجرته وكالة الأناضول التركية على الشمالي السوري، أن المنطقة الآمنة التي تعتزم تركيا إقامتها على طول الحدود مع سوريا وبعمق 32 كيلومترا، ستضم مدنا وبلدات من 3 محافظات سورية، هي حلب والرقة والحسكة وتمتد على طول 460 كيلومترا، على طول الحدود التركية السورية.

وأبرز المناطق المشمولة في المنطقة الآمنة، المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرّين (محافظة حلب) وعين عيسى (محافظة الرقة).

كما تضم المنطقة الآمنة مدينة القامشلي وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، والمالكية (محافظة الحسكة).

وكذلك ستضم المنطقة كل من عين العرب (محافظة حلب)، وتل أبيض (الرقة).

وكانت فكرة المنطقة الآمنة قد طرحت لأول مرة من قبل تركيا، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس أردوغان إلى واشنطن في مايو/ أيار 2013.

على صعيد اخر توصل محللون إلى أن هناك توافقا أمريكيا تركيا، بشأن "هيئة تحرير الشام" الارهابية في الشمال السوري، وسط غضب روسي من محاولات “إعادة تأهيل” الفصيل المسلح الذي يسيطر على غالبية مناطق إدلب السورية.

وسبق أن نقلت قناة “روسيا اليوم”، عن لافروف، اتهامه لأمريكا بالرغبة في الحفاظ على تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، وجعلها طرفا في التسوية السياسية.

والاتهام الروسي، لا يتعارض مع أن هناك توافقا أمريكيا تركيا بشأن الحفاظ على تحرير الشام، وعدم إنهائه كفصيل مسلح بارز حاليا في إدلب، لا سيما مع رجوع أمريكا إلى الملف السوري، وتحديدا في الشمال.

وقال الباحث المهتم بالجماعات السلفية، عباس شريفة، إن أمريكا لا تعمل على إعادة تأهيل تحرير الشام، بقدر ما أنه تحقق مصالح لها في الشمال السوري، وسط الخلاف مع روسيا، لا سيما بعد فشل قمة القدس الأمنية، وعدم حصول واشنطن على ضمانات روسية بإخراج إيران من سوريا.

وأضاف أن عودة أمريكا للملف السوري، مرتبطة بالخلاف مع روسيا، وعدم حصول "إسرائيل" على ما تريد، ورغبة واشنطن بالإضرار بالمصالح الروسية.

وقال إنه بناء على ذلك، “توافقت المصالح الأمريكية والتركية في قضية إدلب، وهي كذلك تهم أوروبا بقضية اللاجئين التي يمكن أن تسبب أزمة هناك، لذلك عادت أمريكا للتدخل في إدلب، ولكن من خلال إعادة ترتيب المنطقة في الشمال من ضمنها تحرير الشام”.

وكانت تحرير الشام بقيادة أبي محمد الجولاني، أعلنت فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، لينشق عنها فصيل سمى نفسه “حراس الدين” كان مصرا على الانتماء التنظيمي للقاعدة، رغم التشابه الفكري والأيديولوجي مع الهيئة.

وحول ما تسعى له أمريكا، من خلال التوافق مع تركيا بالحفاظ على "تحرير الشام" الارهابية، “إعادة هيكلة تحرير الشام بطريقة لا تعطي لها شرعية، ولا تقطع التعامل معها كقوة موجودة، فإنهاؤها يعني استفادة روسيا والسلطات السورية”، وفق شريفة.

والنتيجة المتوقعة هذه تؤكد أن ما يجري الآن ليس إعادة تأهيل كاملة لهيئة تحرير الشام، لكن ما يجري تأهيل نسبي لمرحلة معينة من أجل ملف معين، بحسب تقديره.

ومن التحديات التي تقف أمام تركيا وأمريكا، مطالبة روسيا المتكررة بإنهاء ملف تحرير الشام، لكن أنقرة لم تقم بالأمر، لأنه في حال القضاء على تحرير الشام فسيثار تساؤل تركي كبير: “من البديل؟”.

وبالنسبة لتركيا، فإن بديل تحرير الشام في إدلب إما دخول الجيش السوري إليها، أو إعلان منطقة وقف إطلاق نار نهائي، لذلك، فإن كان المقابل إنهاء تحرير الشام التي تشكل مشكلة لروسيا ودمشق ويكون البديل هو الجيش السوري، فلا مصلحة تركية في ذلك.

إلا أن أمريكا توافقت مع تركيا ضد الرغبة الروسية، ما دفع الأخيرة الأسبوع الماضي، إلى اتهام واشنطن بأنها تحاول إفشال اتفاق سوتشي المتعلق بإدلب السورية، الذي وقعته موسكو مع تركيا، من أجل خفض التصعيد في شمال سوريا.

جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قائلا إن الولايات المتحدة وحلفاءها يرغبون في إفشال اتفاق بلاده مع تركيا، بشأن محافظة إدلب، معبرا عن القلق إزاء محاولتها هذه من الالتفاف على الاتفاق مع أنقرة.

ويعكس التصريح الروسي بحسب الخبير بالجماعات السلفية، حسن أبو هنية، أن “روسيا بدأت ترى في محاولات إعادة تأهيل تحرير الشام ودخول أمريكا على الخط مع تركيا، مشكلة توجب الحل”.

وأكد في حديثه أن “تركيا لها دور أساس باعتبارها الجهة التي تحاول إعادة تأهيل تحرير الشام، ويبدو أن هناك نوعا من الرؤية المشتركة بينها وبين أمريكا بهذا الخصوص”.

ورأى أن ما دفع تحرير الشام وسط هذا كله، للتعبير عن التزامها ببعض المتطلبات الإقليمية والدولية هو اعتبارها حركة سياسية، والتعاطي مع محاولات إعادة التأهيل، وأكد محاولتها التكيف بشكل أو بآخر مع الواقع.