قضية جورج عبدالله بين الضغط الأميركي والطلبات اللبنانية

قضية جورج عبدالله بين الضغط الأميركي والطلبات اللبنانية
الإثنين ٠٥ أغسطس ٢٠١٩ - ٠٥:٤٦ بتوقيت غرينتش

يوم الجمعة الماضي، رفض القضاء الفرنسي طلب إخلاء سبيل اللبناني مازن الأتات، الموقوف في العاصمة الفرنسية باريس منذ نهاية تشرين الاول الفائت، من دون أي تهمة موجهة إليه.

العالم - لبنان

8 أشهر قضاها في السجن، رغم أنه لم يرتكب أي جرم على الأراضي الفرنسية. سبق أن لوحق في جريمة تبييض أموال، إلا أن المحكمة الفرنسية برّأته من التهمة، وأمرت بإطلاق سراحه. لكن في اليوم نفسه، جرى توقيفه على باب المحكمة. والسبب أن الولايات المتحدة الاميركية طلبت ترحيله إلى نيويورك لمحاكمته بجرم تمويل الإرهاب، وخرق العقوبات الأميركية على إيران وروسيا وسوريا، عبر الاتجار بالسلاح والنفط.

بعد مضي 8 أشهر، لم ترسل السلطات الاميركية أي دليل ذي قيمة إلى السلطات الفرنسية، لإقناعها بضرورة تسليم الموقوف اللبناني. لكن ذلك لم يمنع الفرنسيين من ممارسة الضغوط على «معتقلهم». فالادعاء العام الأميركي يعرض على الأتات اتفاقا يقضي بخفض عدد سنوات سجنه، وبتغريمه مبلغا ماليا، مقابل اعترافه بالتهم المنسوبة إليه، مع موافقته على الانتقال إلى الولايات المتحدة الأميركية للمحاكمة. وفيما يرفض الأتات هذا العرض، يصعد القضاء الفرنسي من وتيرة الضغوط عليه. وبعد إبلاغه بالموافقة المبدئية على إطلاق سراحه المشروط (أن يحمل سوارا إلكترونيا حول معصمه لتحديد مكانه، وأن يبقى داخل بقعة جغرافية محددة في العاصمة الفرنسية)، عاد القضاء الفرنسي ليبلغه، يوم الجمعة الفائت، رفضه طلب إخلاء السبيل. وبحسب معنيين بالقضية، فإن القضاء الفرنسي يريد، بهذا القرار، أن يضغط على الموقوف لإجباره على توقيع اتفاق مع الأميركيين. وفي حال تحقق ذلك، يستطيع الفرنسيون أن يغسلوا أيديهم من قرار تسليم الأتات إلى الولايات المتحدة ، عبر القول «إنه هو من وقع اتفاقا يقضي بانتقاله إلى نيويورك حيث سيحاكم، ولم نسلمه نحن».
في مقابل التعسف الفرنسي هذا، تقف السلطة اللبنانية غير آبهة بمصير مواطنيها (في حال تسليم الاتات إلى واشنطن، من المتوقع أن تطلب السلطات الأميركية تسليم آخرين مسجونين في فرنسا). وزارة الخارجية استقبلت، عبر أحد موظفيها، عائلة الموقوف، لكن من دون أي إجراء عملي ذي قيمة. المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم استقبل وفدا من العائلة أيضا، وأجرى سلسلة اتصالات بالجانب الفرنسي. حتى اللحظة لا تجاوب مع مسعاه. مدير محطة الاستخبارات الفرنسية في بيروت يجيب سائليه (في الأمن العام) بأن ملف الأتات «شأن قضائي لا صلة لنا به».

لم يسلم الفرنسيون لبنان جوابا عن سؤال: «ما هو المسوغ القانوني لإبقاء جورج عبدالله في السجن»؟
الجانب اللبناني يرى في الأداء الفرنسي خضوعا تاما للإرادة الأميركية. فبحسب مصادر معنية، الأداء الفرنسي في قضية الأتات ليس منفصلا عن باقي القضايا. ففي ملف المعتقل اللبناني في السجون الفرنسية جورج عبدالله، لم يسلم الفرنسيون لبنان جوابا عن سؤال بسيط وواضح: «ما هو المسوغ القانوني لإبقاء جورج عبدالله في السجن»؟ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان قد كلف اللواء إبراهيم، كموفد رئاسي، بالتواصل مع الفرنسيين لإيجاد حل يتيح الإفراج عن عبدالله. وراسل إبراهيم مدير المخابرات الخارجية الفرنسية برنارد إيميه (السفير الفرنسي السابق في لبنان). وكانت ثمة بوادر اتفاق بين الطرفين على سلوك مسار يؤدي إلى أن يصل ملف عبدالله إلى خواتيمه الإيجابية بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، التي كانت مقررة في شباط الفائت. وبعدما «طارت» زيارة ماكرون، قطع الجانب الفرنسي تواصله مع الجانب اللبناني في القضية.
ورغم أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون طلب من السفير الفرنسي برونو فوشيه، في 17 حزيران الفائت، إيصال رسالة إلى ماكرون يطلب منه فيها الإفراج عن عبدالله، إلا أن أي تطور لم يطرأ على القضية. تختم المصادر المعنية كلامها بتأكيد أنه «بمعيار السيادة، فإن لبنان، ذا الأبواب المشرعة، أكثر منعة امام الأميركيين من الدول الاوروبية، وخاصة فرنسا». وتذكر المصادر، «آسفة، بأن الأوروبيين يقولون للبنانيين إن السبيل الوحيد لحل قضايا كهذه هو بالطريقة التي اعتمدت للإفراج عن اللبناني علي فياض، الذي كان مسجونا في تشيكيا بطلب من الأميركيين، ولم تفرج عنه السلطات التشيكية (شباط 2016) إلا بعد اختطاف خمسة تشيكيين (تموز 2015) في البقاع، بينهم ضابط استخبارات واحد على الأقل».

جريدة الأخبار