إعلام الوسائل التقليدية في لبنان إلى أفول؟

إعلام الوسائل التقليدية في لبنان إلى أفول؟
الجمعة ٠٩ أغسطس ٢٠١٩ - ١٠:٣٣ بتوقيت غرينتش

وسائل إعلامية لبنانية عدة خرجت من العالم الواقعي ودخلت في العالم الافتراضي، من خلال استحداث مواقع إلكترونية ومنصات تعبّر عنها، وتتابع الأخبار نقلا وتحريرا وتحليلا.

العالم - لبنان

هذه الوسائط الحديثة، كان لها دور سلبي في قدرة الوسائل التقليدية على مواكبتها في نقل الخبر ومتابعته، ما أدى إلى ضعف دورها واعتماد غيرها لعدم القدرة على المنافسة في سرعة نشر الخبر وتداوله، إضافة إلى ما تمر به من أزمات مالية تحول دون استمرارها وتعيق تقدمها بالشكل المطلوب.

ومن المؤسسات اللبنانية التي أصابتها هذه المشكلة، قناة "المستقبل" إحدى المؤسسات التابعة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري التي تعاني أزمة مالية حادة منذ فترة، انعكست سلبا على عملها ما أدى إلى إغلاق بعضها.

ونتيجة الضيق المالي، لم يستطع تلفزيون المستقبل دفع أجور الموظفين منذ أشهر ما أدى إلى إضراب الموظفين الذي بدأ أواخر الشهر الماضي، ومعه توقفت النشرات الإخبارية واقتصرت نشاطات المحطة على إعادة بث الأفلام الوثائقية والمسلسلات القديمة.

بدأت أزمة تلفزيون المستقبل منذ نحو خمس سنوات عندما باتت الإدارة تتأخر في دفع أجور الموظفين، ثم توقفت كليا عن الدفع لأشهر عديدة، لتعود وتدفع نصف الأجور وتعد بإيجاد حلول للمشاكل المادية التي تواجه المحطة، لم يتحقق شيء أبداً وأًجبر كثيرون على البحث عن وظائف أخرى أو التفاوض مع المصارف لإعادة جدولة ديونهم، وبعضهم اضطروا لبيع أثاثهم، حسب ما يقال البعض العاملون في القناة.

تأسست قناة المستقبل العام ١٩٩٣ بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وتزامناً مع تولي رفيق الحريري رئاسة الحكومة. وتلفزيون المستقبل كان يمثل الصوت المعتدل لسنة لبنان وبسرعة أثبتت "المستقبل" نفسها بين المحطات اللبنانية ونجحت في خلق هوية خاصة بها وصورة مميزة لها، وباتت تحمل شعارات الحريري مثل: "المستقبل إلك" و"البلد ماشي".

لكن كل شيء تغيّر بعد مقتل الحريري في العام ٢٠٠٥. وانقسمت البلاد سياسيّا وطائفيّا وضاعت هوية القناة وباتت تواجه صعوبة في المحافظة على المستوى الذي كانت عليه أيام الحريري الأب.

لا شك أن الأزمة التي تواجه مجمل مؤسسات الحريري أضافة إلى الضائقة المالية لها علاقة بتراجع الدعم السعودي للحريري. فتلفزيون المستقبل كغيره من العديد من المحطات التلفزيونية اعتمد أساسا على المال السياسي، وبالدرجة الأولى المال السعودي. وبالتالي قد تكون أزمة التلفزيون ليس سوى حلقة في سلسلة أزمات تمر بها مؤسسات الحريري نتيجة تراجع الدعم السعودي له، من صحيفة "المستقبل" التي أُقفلت نسختها الورقية إلى مؤسسة "سعودي أوجيه للبناء" التي شكلت أساس الإمبراطورية المالية للحريري وتمت تصفيتها، واليوم تلفزيون "المستقبل" الذي يمر بأسوأ أزماته المالية.

قد تكون أزمة تلفزيون المستقبل هي الأبرز في المشهد الإعلامي ولكنها بالتأكيد ليست الوحيدة. فقد شهد لبنان في الآونة الأخيرة إقفال عدد من الصحف مثل صحيفة "السفير"، بينما توقف صدور النسخة الورقية من صحيفة "المستقبل" في نهاية العام الماضي. كما أقفلت صحيفة "الحياة" مكتبها الرئيس في بيروت، وصرفت صحيفة "النهار" عددًا كبيرًا من موظفيها، وغيرها من المشاكل التي تواجه عددًا من وسائل الإعلام التقليدية.

وبحسب المصادر الإعلامية في بيروت، تعكس كل هذه الأزمات مشكلة أساسية مرتبطة بمنظومة الإعلام في لبنان القائم على المال السياسي وأن "لنموذج الاقتصادي للإعلام اللبناني غير مبني على المبيعات أو الإعلانات بل على الدعم المالي السياسي المباشر من رجال أعمال أو قوى سياسية ومالية أو دول. هذا النموذج يمر اليوم بأزمة لأن الدول التي كانت تدعمه لم تعد تقوم بذلك بالزخم نفسه. ويتبدى ذلك بوضوح في أزمة تلفزيون المستقبل لارتباطه المباشر بالحريري وبالأزمة المالية التي يمر بها مع المملكة العربية السعودية.

عرفت الكثير من وسائل الإعلام اللبنانية سابقا ضخا للأموال من جانب رؤساء العرب أمثال صدام ومعمر القذافي، أو الزعماء الخليجيين وغيرهم، لكن اليوم تبدّل كل المشهد الاعلامي مع ظهور محطات خليجية وعربية قوية، فضلا عن تراجع تأثير الإعلام التقليدي نسبيّا.

ويرى مراقبون أنه من المتوقع أن تشتدّ الأزمة الحالية داخل المؤسسات التابعة للحريري، ما قد تدفعه إلى إقفال بعض مؤسساته ومنها تلفزيون "المستقبل" في فترة غير بعيدة، ما دام ليس في الأفق إمكانية تأمين تمويل لاستمرار العمل فيها.