اوروبا ولعبة الشرطي السيء والصالح مع ايران

اوروبا ولعبة الشرطي السيء والصالح مع ايران
الإثنين ١٢ أغسطس ٢٠١٩ - ١٢:٤٧ بتوقيت غرينتش

الاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس الفرنسي مع نظيره الايراني وقيل إنه حمل مقترحات لطهران يحثها على البقاء في الاتفاق النووي، أثار في الظاهر، حفيظة سمسار البيت الابيض، الى درجة ان الأخير المعروف بنزقه وتخبطه السياسي، سرعان ما نشر تغريدة انتقد فيها ماكرون بشدة معيدا تخرصاته حول استعداد طهران للحوار مع واشنطن.

العالم قضية اليوم

لسنا في وارد الرد على ترامب ومن لف لفه في الادارة الامريكية من افاكين وخراصين، كذبهم بات اوضح من الشمس في رابعة النهار، بل نحاول هنا التمحيص عن مدى مصداقية العواصم الاوروبية ومقترحاتها التي تقدمها لايران بغية تشجيعها على البقاء في الاتفاق النووي.

مضى اكثر من عام على انسحاب امريكا من الاتفاق النووي بشكل احادي ضاربة عرض الحائط بالمواثيق الدولية ومعيدة حظرا جائرا على طهران في محاولة لإنهاكها، وفي المقابل ماذا فعلت الاطراف الاخرى للحفاظ على هذا الاتفاق الدولي؟ لا شيء سوى الوعود الفارغة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وخير دليل عليها الآلية المالية المعروفة بـ"اينستكس" والتي يجري الحديث عنها ولا نرى اي تطبيق لها سوى على الورق فما بالك بالوعود الاخرى بشأن دعم الشركات التي تتعامل مع ايران وتسهيل أمرها وما الى ذلك. وهذا ما حدا بايران الى ان تحدد مهلة للجانب الاوروبي لتنفيذ التزاماته والا فانها ستقوم بخفض التزاماتها التي ينص عليها الاتفاق تدريجيا، وهو ما نفذته على مرحلتين والخطوة الثالثة على الاثر.

الامر الآخر الذي يجب عدم إغفاله هو ان ايران دعت وتدعو دائما الى الحوار لتسوية اي خلافات سواء الاقليمية منها أو الدولية، وسواء كانت هي احد اطرافها ام لا، لإيمانها بان الحوار والتفاوض هو أنجع السبل وأقلها كلفة لتسوية الخلافات والنزاعات، اذا لماذا ترفض الاستجداء الامريكي للحوار؟ الجواب واضح وهو أن ايران دولة ذات سيادة ومستقلة في قراراتها التي تتخذها بناء على جملة من المبادىء الثابتة، أولاها رفض اي املاءات من اي جهة او دولة كانت، وعدم تقديم اي تنازل على حساب قيمها ومبادئها، فيما المعروف عن واشنطن انها تبحث عن بقرة حلوب لحلبها خدمة لمصالحها، فضلا عن ان دعوات السمسار هي للاستهلاك الداخلي واستغلالها للانتخابات الرئاسية القادمة.

واما ما يجري التطبيل له والتهويل منه بشأن اندلاع حرب قد تدمر ايران كما يدعي رجل الاستعراضات الامريكي، فينبغي القول ان امريكا ليس لا تريد بل لا يمكنها الدخول في اي حرب مع إيران لاسباب عديدة ليست بخافية على القارئ الكريم نكتفي بالاشارة اليها على سبيل الاجمال ولا الاطناب، وهي قوة الردع الايرانية وعدم تهاونها مع اي انتهاك او خرق لسيادتها (نذكر بطائرة التجسس الامريكية المسيرة "غلوبال هوك") والتأثير المدمر لمثل هذه الحرب على اسواق الطاقة العالمية بشكل مباشر واقتصادات العالم بشكل غير مباشر، والكلفة الباهظة لهذه الحرب وعدم تهيئة مقدماتها.

اذا اول ما يتبادر الى الذهن من هذه اللعبة الامريكية الاوروبية، هي لعبة الشرطي الصالح والسيء، فامريكا مهمتها التكشير عن الانياب والتهديد والترهيب، واوروبا تتولى مهمة التسويف والارجاء، وما سوى ذلك فهو مجرد تمثيل. ومن الواضح ان هذه الالاعيب لا تنطلي على ايران وما اعلنه المتحدث باسم خارجيتها والقاضي بان فرنسا لم تقدم مقترحا يستحق النقاش، خير دليل على ذلك.

*حسن محمد / العالم