في سوريا.. على هذا الطرف ألّا يلعب بالنار!

في سوريا.. على هذا الطرف ألّا يلعب بالنار!
الأربعاء ٢١ أغسطس ٢٠١٩ - ٠٥:٤٧ بتوقيت غرينتش

العالم- سوريا

دعا مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، دمشق “إلى عدم اللعب بالنار” بعد الغارات التي شنتها طائراتها بدعم من غطاء جوي روسي على رتل يضم 50 آلية مدرعة أرسلتها السلطات التركية لدعم المسلحين من قوات “جبهة النصرة” لمنع سقوط بلدة خان شيخون في يد قوات الجيش العربي السوري، ولكن بعد التصريحات القوية، والمباشرة، التي أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المؤتمر الصحافي مع نظيره الفرنسي صباح أمس يبدو أن توصيف وزير الخارجية التركي أي “اللعب بالنار” ينطبق على أنقرة اكثر مما ينطبق على دمشق، والقيادة السورية بالتالي.

الرئيس بوتين، وفي رسالة قوية وواضحة إلى السلطات التركية أكد، ونحن ننقل حرفيا، “أن روسيا تدعم جهود الجيش العربي السوري للقضاء على الإرهابيين في إدلب”، وقال “إن هؤلاء قاموا بمحاولات لمهاجمة قاعدتنا في إدلب، ولهذا ندعم الجيش السوري من أجل القضاء على هذه التهديدات”، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، في نقد غير مباشر للرئيس رجب طيب أردوغان بقوله “قبل التوقيع على اتفاقيات سوتشي في أيلول (سبتمبر) الماضي، التي أقرت نزع السلاح عن جزء من منطقة إدلب كان 50 بالمئة من أراضي المنطقة تحت سيطرة الإرهابيين الآن زادت المساحة بنسبة 90 بالمئة”.

سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي بادر إلى توضيح تصريحات رئيسه في مؤتمر صحافي آخر مع نظيره الغاني الزائر لموسكو عندما قال “إن أي اعتداء من الإرهابيين انطلاقا من إدلب سيتم التصدي له بكل حزم وقوة” مشيرا “إلى وجود عسكري روسي على الأرض في إدلب”، مذكرا “أن الجيش التركي أنشأ عدة نقاط مراقبة في إدلب وكانت هناك آمال بأن هذا الوجود العسكري التركي سيحول دون شن الإرهابيين هجمات على قواعدنا، ولكن ما حدث هو العكس”.
***

ماذا تعني هذه التصريحات التي جاءت على لسان الرئيس الروسي ووزير خارجيته خلال 24 ساعة؟ الإجابة يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:

أولا: يبدو واضحا أن الجانبين الروسي والسوري طفح كيلهما، وأنهما قرارا استخدام الحل العسكري، والقضاء على آخر معاقل الجماعات المسلحة التي تسيطر على إدلب بزعامة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) بعد فشل تركيا في الإيفاء بتعهداتها بإيجاد حل سياسي للأزمة في لقاء قمة سوتشي مع الرئيس الروسي في أيلول (سبتمبر) الماضي أي قبل عام تقريبا.

ثانيا: سيطرة الجيش العربي السوري على بلدة خان شيخون الاستراتيجية كان إحدى الحلقات الأبرز في “استراتيجية القضم المتدحرج”، مما يعني أن الهجوم السوري البري المدعوم بغطاء جوي روسي، يعني أنه لن يتم الاكتفاء بهذا الإنجاز، وسيستمر الهجوم لاستعادة مناطق أخرى تمهيدا للوصول إلى قلب المدينة.

ثالثا: قصف الطائرات الروسية والسورية للرتل التركي الذي كان يضم خمسن آلية وسبع دبابات يوم أمس الأول ومنع تقدمه نحو خان شيخون لدعم قوات النصرة وحلفائها بالذخيرة والعتاد لتعزيز صمودها والحيلولة دون دخول الجيش السوري إليها (خان شيخون) ليس خطوة تكتيكية وإنما يأتي في إطار خطة استراتيجية محكمة الإعداد.

رابعا: الهجوم على خان شيخون واستعادتها بالنظر إلى تصريحات الرئيس بوتين المذكورة آنفا، يعني انهيار اتفاقات سوتشي، وانتهاء دور مراكز المراقبة العسكرية التركية التي يزيد عددها عن عشرة مراكز في إدلب وريفها.

خامسا: نقطة التحول الرئيسية التي أغضبت الجانب الروسي تتمثل في الهجوم الصاروخي الذي شنته قوات تابعة لجبهة النصرة على قاعدة “حميميم” الروسية الجوية في أيار (مايو) الماضي، وكانت بمثابة رسالة تقول إن القيادة التركية لا تستطيع السيطرة على هذه الجبهة، أو بعض الجماعات “الجهادية” المتحالفة معها، أو هكذا فهمها الروس والسوريون على الأقل.
***

لا نعرف كيف ستتعاطى القيادة التركية مع هذه التطورات التي تعكس حجم الخلافات مع حليفها الروسي في ملف مدينة إدلب على وجه الخصوص، فحتى هذه اللحظة لم يصدر أي رد فعل تجاهها من قبل الرئيس أردوغان.

الرئيس التركي أمام خيارين في رأينا، الأول: أن يقف إلى جانب حلفائه في جبهة “النصرة” و”أحرار الشام” والفصائل التي تقاتل تحت مظلتهما في إدلب وريفها، ويرسل قواته للدفاع عنها في مواجهة الهجوم السوري الروسي المشترك، والثاني: أن يذهب إلى موسكو ويبحث عن حل سياسي مع الرئيس بوتين يتعهد فيه بنزع سلاح هذه الفصائل، وخروجها بالتالي، وتسوية أوضاع المقاتلين السوريين في إطار عفو سوري عام، وإعادة تأهيلهم على غرار ما حدث في الغوطة الشرقية، وشرق حلب، وخروج المقاتلين الأجانب إلى أماكن أخرى عبر البوابة التركية التي جاءوا منها، اللهم إلا اذا قرر المسلحون في إدلب رفض كل الحلول والقتال حتى النهاية، وهذا الخيار الثالث غير مستبعد.

نرجح أن يشد الرئيس أردوغان الرحال إلى موسكو أو سوتشي في الأيام القليلة القادمة، للقاء الرئيس بوتين حاملا العديد من المقترحات والحلول، سواء لحل الأزمة، أو لكسب المزيد من الوقت.. مثلما فعل في الكثير من الحالات المشابهة منذ بداية الأزمة السورية.. والله أعلم.

عبد الباري عطوان -رأي اليوم