أُسطورة نتنياهو تتشقّق تمهيدًا للانهيار الكبير

أُسطورة نتنياهو تتشقّق تمهيدًا للانهيار الكبير
الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٩ - ٠٥:١٥ بتوقيت غرينتش

"دولة الاحتلال الإسرائيلي" تقف على أعتابِ حالةٍ من الفوضى السياسيّة بعد حالة “الجُمود” التي كشَفت عنها الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، نتيجة تعادل الكُتلتين المُتنافستين، “الليكود” و”أبيض ازرق” بعدد المقاعد، وعدم خُروج أيّ منهما فائزةً بالقدر الذي تُمكّنها من تشكيل الحُكومة.

العالم- كيان الاحتلال

طَرفان خرَجا “نظريًّا” فائزين، الأوّل إفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” اليمني المُتطرّف، الذي زاد مقاعده من أربعة إلى تسعة، والقائمة العربيّة المُشتركة التي تُمثّل قطاعًا من الرأي العام العربي في المناطق المحتلّة عام 1948 بزيادة مقاعِدها إلى 13 مقعدا، والفَوز هُنا يتلخّص في دورهما الفاعِل والمُحتمل في تشكيل أيّ حكومة قادِمة بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر.

هذه الفوضى السياسيّة التي باتت سيفًا مُسلّطًا على رقَبة النّخبة الإسرائيليّة الحاكِمة أضافت حالةً جديدةً من الإرباك، وضعف دائرة اتّخاذ القرار، وحجم الانقِسام غير المَسبوق في المُجتمع الإسرائيلي، في وقتٍ تتآكل فيه منظومة الرّدع الإسرائيليّة في مُختلف الجبَهات في ظِل تنامي قوی عربيّة وإسلاميّة عسكريًّا مِثل “حزب الله” في الجبهة الشماليّة وحركات مُقاومة مِثل حماس والجهاد والجبهة الشعبيّة وفصائل أُخرى في الجبهة الجنوبيّة، والحشد الشعبي العِراقي في الجبهة الشرقيّة، وجميعها تُشكّل الأذرع الضّاربة في محور المُقاومة، القوّة الإقليميّة الصّاعدة في مِنطقة “الشرق الأوسط”.

أُسطورة بنيامين نِتنياهو التي حكَمت الدولة العبريّة لثلاثة عُقود تقريبًا، ومزّقت مُعاهدات السّلام المَغشوشة، وشارَكت بفاعليّةٍ في مُخطّطات التّفتيت للأمّة العربيّة، ورسّخت مُؤامرة التّطبيع، وتشويه القضيّة الفِلسطينيّة وظاهرة المُقاومة الشّريفة، هذه الأُسطورة تتشقّق وتُوشِك على الانهيار أيًّا كانت تطوّرات مرحلة ما بعد الإعلان الكامل للنتائج، ونتيجة الاتّصالات الرامية إلى إقامة حُكومة وحدة وطنيّة، فنِتنياهو انتهى عمليًّا، ولا نستبعد أن يكون مصيره خلف القُضبان، ونهاية عُمره السّياسي بطريقةٍ أو بأُخرى، قد أوشَكَت.

نِتنياهو أصبح العقَبة في طريق أيّ حُكومة وحدة وطنيّة، لأنّ هذه الحُكومة لن تتشكّل بقِيادته بحُكم حجم الكراهية وانعدام الثّقة به من قبل الأحزاب التي يُمكن أن تنخرِط فيها، كما أنّ ليبرمان، خصمه الأكبر، لم تعُد أمامه أيّ قضيّة أكثر أهميّة من الإطاحة به، أيّ نتنياهو، فهذا هو “نضاله” الأكبر.

جميع هؤلاء، سواء في الليكود، أو تكتّل “أبيض أزرق”، حزب الجِنرالات بالإضافة إلى ليبرمان، يلتَقون على هدفٍ واحدٍ وهو العَداء للعرب والمُسلمين، والتمسّك بدولةِ التّمييز العُنصري الإسرائيليّة، وإقامة إسرائيل الكُبرى من النّيل إلى الفُرات، وترحيل جميع الفِلسطينيين من ما تبقّى من أرضهم التاريخيّة في الضفّة الغربيّة والقدس المحتلّة إلى الأردن للحِفاظ على الهُويّة اليهوديّة لهذه الدولة العنصريّة الغاصِبة.

انطلاقًا من هذهِ الحقائق الآنِفة الذّكر، نُعارض في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” توجّهات بعض النوّاب في القائمة العربيّة المُشتركة، ورئيسها أيمن عودة على وجه الخُصوص، في المُشاركة في أيّ حُكومة إسرائيليّة تتشكّل، أو أيّ تنسيق مع تكتّل الجنرالات المُلطّخة أيديهم بدِماء آلاف الشّهداء في الضفّة والقِطاع وجنوب لبنان وجبهة الجولان المحتلّة، تحت عُنوان إسقاط نِتنياهو.

الأمّة العربيّة، وفي طَليعتها الشعب الفِلسطيني، لم تخُض أكثر من سِت حُروب، وتُقدّم آلاف الشهداء من أجل الإطاحة بنِتنياهو أو رابين أو أولمرت، أو أيّ رئيس وزراء إسرائيلي، وإنّما لإسقاط النّظام العُنصري الإسرائيلي الغاصِب واقتلاعه من جُذوره، وتحرير الأراضي العربيّة الفِلسطينيّة كلها من البحر إلى النهر.

نفهَم جيّدًا أنّ هُناك شُروطًا مُشدّدةً، بل تعجيزيّةً، طرحها السيّد عودة وزملاؤه يجب تلبيتها قبل الدّخول في أيّ حُكومةٍ إسرائيليّةٍ، ولكن علينا أن نتذكّر بأنّ منظّمة التّحرير بدأت مسيرتها السلميّة الكارثيّة، بشُروطٍ تعجيزيّةٍ مِثل الاعتراف بكُل قرارات الشرعيّة الدوليّة، ثمّ الاعتراف بالقرار 242، ثم الاعتراف المُتبادل بإسرائيل والمُنظّمة، انتهاءً بتوقيع اتّفاقات أوسلو، والنّتيجة النهائيّة باتت واضحةً للجميع، ولا بُد من قَرع الجرس.

عبدالباري عطوان - “رأي اليوم”