الشمال السوري ومعادلات المستقبل

الشمال السوري ومعادلات المستقبل
الإثنين ٢١ أكتوبر ٢٠١٩ - ٠٣:١٩ بتوقيت غرينتش

من رأس العين السورية في شمال البلاد، يتركز المشهد الدولي والاقليمي ضمن ما يرسم للمنطقة برمتها، الحال اشبه بحقل الغام يدخله التركي ويسير الامريكي في محاذاته، ويزيل الجيش السوري كل التكديس للازمات وافتعال المغامرات في تلك المنطقة من الجغرافية السورية، بالرغم من تلويح بعض الدول باستخدام صاعق التفجير لاستمرار الحرب المفروض على سورية طيلة كل السنوات الماضية. 

العالم - يقال ان

انسحبت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من رأس العين بشكل كامل بتنسيق مع الامريكي، تغيرت خريطة السيطرة في الشمال، وباتت المدينة بيد المجموعات المسلحة المدعومة من قبل الاتراك، ليعلن من قادة العدوان على شمال سورية انه انجز المرحلة الاولى من العملية العسكرية، المشهد برمته كان تحت مظلة الاتفاق الامريكي التركي، والذي تضمن وقف اطلاق النار، وافساح المجال امام القوات التركية للسيطرة على مناطق حدودية، مع الزام "قسد" بالانسحاب من تلك المناطق، لكن حين نقرأ ما يدور بعين الوقائع لا التحليلات، يتأكد في كل يوم ان قوات "قسد"، ما زالت تراهن على الجانب الامريكي في حركتها العسكرية او السياسية، بالذات بعد خسارتها لرأس العين، الامر الذي يعني ان القوات التركية والمجموعات المسلحة المتحالفة معها سيطرت على مساحة تزيد عن 150 كلم، وبعمق يصل الى 30 كلم، وان قرار الانسحاب من هذه المنطقة الجغرافية الواسعة يدلل ان "قسد" تحاول الاستمرار في التنسيق مع الجانب الامريكي، بالرغم من مؤشرات ان التحالف الامريكي مستمر في عملية سحب قواته على الاقل من مناطق العمليات التركية.

ويذكرنا هذا المشهد بالقول الشهير لهيغل، "من لا يتعلم من دروس التاريخ محكوم عليه بتكرارها"، لم يتعلم الاكراد و"قسد" وحتى "مسد" (مجلس سوريا الديمقراطية)، ان الامريكي يمنحك مظلة مزركشة الالوان، يبدع في فرضها على مساحات جسد الجغرافيا او حتى السياسة، ومن ثم في وقت العاصفة يسحبها، ويجعل من وثق بهذه المظلة يترنح امام العاصفة، فمن تخلى تاريخيا عن البولنديين والتشيك والمجر وعملائه في المنطقة كأمثال بن علي ومبارك وسواهم، لا يجد حرجا اليوم من التخلي مجددا عن ورقة كان يستخدمها في الشمال السوري وهم الاكراد ومن ثم "قسد"، كل ذلك يؤكد ان المعطيات التي تثبت ان الجانب الكردي مازال يحاول احياء التنسيق بينه وبين اتجاهين متناقضين بنفس الوقت، فلا يمكن ان يستمر في التنسيق مع الجانب الامريكي للوصول الى الجانب التركي، ومن جهة اخرى ان ينسق مع دمشق، هذه الامية السياسية تعجل خسارة المزيد من المناطق في شمال وشمال شرق سورية.

في ظل كل ذلك يستمر الرئيس الامريكي دونالد ترامب بتخليه عن كل من عمل معه في تلك المنطقة، وانسحاب قواته من شمال سورية اصبح الان الشغل الشاغل لجميع وكالات الانباء، ما ترك صدى في الكيان الاسرائيلي الذي فقد نقطة أخرى في الجغرافية السورية كانت تشكل حالة ضغط على سورية ومحور المقاومة، وهذا ايضا له صداه في البيت الابيض الذي يخوض اشتباكا سياسيا مع الكونغرس هو الاعنف في عهد ترامب.

روزنامة التطورات الميدانية في شمال شرق سورية، يسرق اضواءها الانسحاب الامريكي من المنطقة، والذي يسير بشكل سريع، تحركات متزامنة بين ريف حلب والرقة والحسكة، وكأنّ الامريكي يضع يده على رأسه ويركض خارج حقل الالغام، حيث اخلت القوات الامريكية اربع مناطق فقط ومنها، في عين العرب "قاعدة خرب عشق" على الطريق الدولي حلب - الحسكة، هذه القاعدة كانت قد قامت قوات التحالف خلال هذا العام 2019 بتوسيعها، وهي الموجودة في معمل اسمنت لافارج بشكل كبير أيضاً، حيث تعتبر هذه القاعدة هي الأكبر للقوات الأمريكية وقوات التحالف من الناحية العسكرية واللوجستية، والقواعد الاخرى في منطقة منبج، والتي كانت فيها عدة قواعد منها في جنوب غرب منبج بالقرب من الطريق العام بين مدينتي الباب ومنبج قرب جامعة الاتحاد الخاصة وقاعدة اخرى شمال منبج في منطقة عون الدادات، والتي تقع شمال منبج بحوالي 9 كم، وتبعد عن الحدود التركية حوالي 17 كم، وتعتبر هذه القاعدة مركزا رئيسيا للتنصت والتجسس والتشويش، وقاعدة مطار صرين العسكري، الذي كانت تتخذه بمثابة قاعدة عسكرية، على بعد ثلاثين كيلومترا جنوبي مدينة عين العرب، فيما تحدثت الانباء عن الانسحاب من قاعدتي "عين عيسى" و"تل أبيض" في محافظة الرقة، على الحدود التركية السورية، إضافة إلى الانسحاب التام من قاعدة "المبروكة"، غرب رأس العين في محافظة الحسكة. تلك القوات وبحسب مصارد محلية كانت تتحرك عبر ارتال، وكانت تتجمع في دوار البانوراما عند مدخل الحسكة الجنوبي، حتى ان احد ارتالها وصل الى طول ما يقارب 5 كم، يرافقها تحليق للطيران، وكانت تتوجه نحو طريق الحسكة - القامشلي، وتتخذ بشكل دائم طريق فرعي لتفادي المرور امام قوات الجيش السوري المتواجدة بدوار زوري، ويتخذون من طريق علي فرو ممراً لهم نحو مدينة دهوك في شمال العراق عبر الحدود السورية العراقية، ان كان عبر معبر اليعربية او سيمالكا غير الشرعي.

إن الاحداث الميدانية المتتالية في شمال سورية، ستشهد تطورات متلاحقة في الايام القادمة، والتي سينجز فيها الجيش السوري الانتشار على كامل الشريط الحدودي من مدينة المالكية حتى الدرباسية، وتتوقع مصادر خاصة انتشارا قريبا للشرطة العسكرية الروسية في محافظة الحسكة للمرة الاولى منذ بداية الحرب على سورية، وهذا مرهون بالاجتماع الذي سيعقد في الساعات القادمة بين قادة عسكريين روس وقادة ميدانيين من "قسد".

*حسام زيدان